تباينت ردود الفعل في الجزائر بشأن تقرير نشرته صحيفة التليغراف البريطانية بمناسبة انطلاق أولمبياد لندن 2012، التقرير تضمن تصنيف النشيد الجزائري ضمن أسوأ عشرة أناشيد قومية للبلدان المشاركة في المحفل الرياضي الأبرز في العالم، وقد استنكرت الخارجية الجزائرية هذا الأمر من خلال سفارتها في لندن، ووصف القيادي في الحزب الحاكم الصادق بوقطاية الجريدة بأنها خاضعة للوبي الصهيوني، في حين دعا الناشط السياسي فوضيل بومالة إلى عدم الاكتفاء بردود الفعل الحماسية، والبحث عن الخلفية الحقيقية لكتابة التقرير.


الناطق الرسمي لوزارة الخارجية الجزائري عمار بلاني

بودهان ياسين من الجزائر: صنّفت صحيفة التليغراف البريطانية نشيد الجزائر القومي الذي كتبه الشّاعر مفدي زكريا في المركز الرابع، إذ وصفت النشيد بالعدائي، في إشارة إلى دولة فرنسا، فيما جاء النشيد الوطني العراقي quot;أنشودة موطنيquot; في المركز السابع، ولم يفت التليغراف أن تصف النشيد الوطني البريطاني quot;حفظ الله الملكةquot; بأنه الأفضل على الإطلاق.

تقرير جريدة التلغراف البريطانية تسبّب بردود فعل عديدة، بداية بالموقف الرسمي الذي كشف عنه الناطق الرسمي لوزارة الخارجية الجزائري عمار بلاني، الذي قال إنه quot;ردّ على المقال الصادر في تاريخ 26 تموز/يوليو على الموقع الالكتروني لصحيفة دايلي تليغراف، الذي يسيء إلى رموز الدولة الجزائرية، وخاصة نشيدها الوطني، وقدمت سفارة الجزائر في لندن احتجاجًا شديد اللهجة لدى مدير هذه الصحيفة مرفقًا بتوضيح سيدرج في هذه اليوميةquot;.

كما أضاف أنه quot;سيتم القيام بمساعي لدى الجهات المختصة من أجل جلب انتباهها بخصوص فحوى هذا المقال الذي يمسّ بالروح الأولمبية المثالية ويسيء إلى ما تكبده الشعب الجزائري من معاناة من أجل الحصول على استقلاله واسترجاع كرامته وسيادة وطنه، كما يسيء إلى نشيدها الوطني الذي يعد مكسبًا لثورة الفاتح من نوفمبر 1954 المجيدةquot;.

في تعليقه على محتوى التقرير شنّ القيادي في جبهة التحرير الوطني الحزب الحاكم هجومًا حادًا على الصحيفة، ووصفها بالعنصرية. وقال بوقطاية متحدثًا لـ quot;إيلافquot;، quot;مقال الصحيفة البريطانية هو وجه من أوجه العنصرية، وأنا أخاطب هذه الصحيفة بالقول لماذا تشيد بالنشيد البريطاني وتصفه بأنه الأحسن في العالم، رغم أنه نشيد يمجّد الاحتلال ويمجّد قتل الشعوبquot;.

ووصف بوقطاية نشر المقال بأنه quot;عمل سيئ وسخيف، ولا يرتقي إلى مستوى الحضارة، ولا إلى مستوى تطور العالم الثقافي والفكريquot;. وأضاف quot; التوجه العنصري في صحيفة التلغراف البريطاني ليس وليد اليوم، وإنما من يطالع المقالات المنشورة في صفحاتها، يقف على حجم العداء والكراهية التي تكنّها، خاصة للعرب والمسلمين، وفي المقابل هي منحازة بشكل صارخ للفكر الصهيوني، والسبب في ذلك هو تحكم اللوبي الصهيوني بالصحيفة وتغلغله في الداخل، سواء في الإدارة أو الصحافيينquot;.

ويشير إلى أن quot;هذه الصحيفة انتهزت فرصة الألعاب الأولمبية وبما تتيحه هذه الأخيرة من تركيز إعلامي واهتمام عالمي من أجل أن تبث سمومها وتمارس حقدها على العرب والمسلمين، لأن الشعوب العربية حاربت الاستعمار البريطاني، وأخرجته من أرضها بالقوة، لذلك فمقالات هذه الجريدة تعبّر عن انحطاط قيمي، يأتي ذلك في وقت يسير فيه العالم باتجاه التكتل، وتدعو أصوات الكثير من العقلاء إلى التقارب والتعايشquot;.

وأكد بوقطاية أن quot;هذا العمل سوف لن يؤثرفي الجزائر ولا في تاريخها، قائلاً الجزائر لم ولن تتأثر بمقال كتبه صحافي سخيف، سواء في التلغراف أو غيرها من وسائل الإعلام الأخرى، نحن ـ يقول بوقطاية ـ ندرك حجم الجزائر، من خلال رصيدها التاريخي ومن خلال موقعها الاستراتيجي، و أنا اعتبر أن هذا العمل العنصري يسيء إلى بريطانيا أكثر مما يسيء إلى غيرها، و يسيء إلى الصحف الكبرى، وعلى رأسها التلغراف، التي يتحكم فيها اللوبي الصهيونيquot;.

ويوضح أن الجزائر سوف لن تعطي لهذا الموضوع أكثر مما يستحق من خلاله قوله quot;الجزائر سوف لن تدخل في مهاترات، هناك آليات من خلال القنوات الدبلوماسية عبر سفارة الجزائر في لندن، التي ستقوم بتسوية هذا الملف، لذلك نحن لن نصنع من هذه السقطة الإعلامية قضية تتدخل فيها الدولة بكل مؤسساتهاquot;.

الناشط السياسي والإعلامي فوضيل بومالة شدد على quot;ضرورة البحث عن الخلفيات الحقيقية التي أدت بالصحيفة البريطانية المرموقة إلى نشر المقال في هذا الوقت بالتحديد من دون الاكتفاء بردود أفعال عاطفية أو حماسيةquot;.

وقال بومالة quot;أنا من الناحية الأخلاقية أستنكر هذا الأمر، ولا أقبل بأي حال إهانة النشيد الوطني الجزائري، لكن بحكم معرفتي الجيدة بالصحافة البريطانية، فإنني أتساءل عن سبب كتابة هذا التقرير في هذا التوقيت تحديدًا، لأن الصحافة البريطانية معروفة بتقاليدها وابتعادها عن إثارة العنصريةquot;.

وحسب بومالة، فإنه لو quot;كان هذا الأمر مصدره الصحافة الفرنسية لكان الأمر واضحًا، لأن هذه الأخيرة معروفة باتجاهاتها العدائية، خاصة تجاه كل ما هو جزائري، لكن أن يصدر الأمر من الصحافة البريطانية، ومن جريدة بحجم التليغراف، فهذا الأمر يطرح تساؤلات مهمة عدةquot;.

يرصد بومالة ثلاث فرضيات للإجابة عن تساؤله، أولاها أن تكون الصحافة البريطانية قد تخلت عن تقاليدها بالتزام الحياد والمهنية، وهذا الأمر quot; مستبعد تمامًا إن لم يكن مستحيلاًquot; ـ حسب بومالة ـ، والفرضية الثانية هي أن quot;يكون كاتب المقال عالج مقاله من زاوية المضمون، أي من دون أية خلفيات، بحيث قام بقراءة الأناشيد، وقام بترتيبها حسب رؤيته وفكرتهquot;.

أما الفرضية الثالثة فهي quot;احتمال وجود خلفيات وراء كتابة هذا المقال، وهذه الفرضية تحتمل تفسيرين، الأول محاولة جهة معينة إيصال رسالة معينة، يراد تبليغها في هذا التوقيت تحديدًا، أي فترة الألعاب الأولمبية، التي تستقطب نسبة متابعة عالية. التفسير الثاني هو أن تكون أطراف معينة قد تكون داخل الجزائر تحاول استغلال الوقت من أجل خلق مشكل سياسي أو غيره لإلهاء الشعبquot;.

ويقول بومالة في هذا الجانب quot;الأنظمة السياسية غالبًا ما تتجه إلى خلق أزمات سياسية خارجية أو داخلية من أجل إلهاء شعوبها عن المشاكل الاجتماعية والفراغ السياسي الذي يعيشهquot;، ووصف بومالة اتهام الصحيفة بأنها خاضعة للوبي الصهيوني quot;أمر لا يليقquot;.

هذا وكانت تقارير صحافية جزائرية نقلت عن رجل أعمال جزائري وعده بجوائز مغرية لأي لاعب جزائري يصل إلى منصة التتويج في أولمبياد لندن، ويساهم في رفع الراية الجزائرية، وإسماع النشيد الجزائري في سماء لندن، وهذا كرد فعل على تقرير التليغراف.