طارق عزيز في الهيئة الدولية قبل حظر التدخين الذي يتجاهله كثيرون حتى الآن

رغم الحظر الناجح على التدخين في الأماكن العامة في عموم الولايات المتحدة، فيبدو أن المقر العام للأمم المتحدة في نيويورك نشاز سافر. فبين العاملين فيها من لا يلتزم بذلك رغم اللوائح والتحذير والرجاء، ولذا قيل إن هذه الحال ترمز الى وضعها الحقيقي أكثر من أي شيء آخر.


لندن: في الأيام الخوالي، قبل تمتع مبنى الأمم المتحدة في نيويورك بأعمال صيانة وتجديد كلّفت ملايين الدولارات، كانت ثمة لافتة صغيرة على مدخل laquo;مقهى فييناraquo; في الطابق تحت الأرضي تقول بحياء laquo;لا نشجعك على التدخينraquo;.

وربما كانت هذه اللافتة الصغيرة رمزًا للمسافة الشاسعة التي تفصل بين الهيئة الدولية والحسم حين ينبغي الحسم. وغني عن القول ربما إن اللافتة لم تقنع في ذلك الوقت أي شخص بالإقلاع عن إدمان النيكوتين والقطران وإطلاق سحب الدخان الكبيرة حوله من مجرد سيجارة صغيرة.

ولاحقًا، عندما كانت laquo;منظمة الصحة العالميةraquo; تحاول جاهدة إقناع الحكومات بفعل هذا وذاك من أجل الحد من تجارة التبغ وتوعية المواطنين الى المضار الصحية والاقتصادية الهائلة المرتبطة بهذه الصناعة، كان دبلوماسيون وموظفون في الأمم المتحدة يناقشون ردات فعل الحكومات تلك بينما هم ينفثون دخانهم بحماسة عوادم السيارات.

ويذكر للأمين العام السابق كوفي أنان سعيه الدؤوب لمنع التدخين داخل مكاتب هيئته، فأصدر مرسوماً يحظره في أي شبر من مقرها العام. وعندما قرأه الدبلوماسيون هزّوا أكتاف اللامبالاة ومضوا الى السيجارة التالية. ويحكى عن المندوب الروسي لدى الهيئة، سيرغي لافروف، أنه كان في طريقه من قاعة مجلس الأمن الى حانة مجاورة لتناول كأس من الويسكي عندما أتاه النبأ، فعلق بقوله إن مبنى الأمم المتحدة laquo;ليس ملكًا لأنانraquo;!

ووفقًا لمراسل laquo;واشنطن بوستraquo; وكاتب العمود في مجلة laquo;فورين بوليسيraquo; المتخصص في ما وراء كواليس الهيئة الدولية، كولم لينش، فبين ما لا يعرفه الكثيرون مفاجأة كبرى هي أن أنان نفسه كان محبًا للسجائر لا يشق له دخان، لكنه كان يحرص على عدم الظهور به في العلن. وتبعًا للكاتب فقد قال مساعد سابق لأنان في مجلس خاص إنه أول من انتهك الحظر نفسه الذي كتب كلماته بيده.

على أن الأمور تحسنت نسبياً الآن لأن بان كي مون، خليفة أنان، لا يدخن واستطاع، وفقًا لشهادات مسؤولين في الهيئة، فرض حظر ناجح على الدخان في مكتبها التنفيذي على الأقل. وهكذا وجد بعض مساعديه من عتاة المدخنين، مثل الجنوب أفريقي نيكولاس هيسوم الذي كان أحد محامي نيلسون مانديلا، أنهم مجبرون على النزول 38 طابقًا ثم الخروج من مقر الهيئة لأجل سحب أنفاس سريعة لكنها عميقة.

على أن العديد من الدبلوماسيين والعاملين لا يألون على أنفسهم هذه المهمة الشاقة، فيختبئون خلف أبواب موصدة لا تشي بهم غير ضبابية في الجو والرائحة التي لا تخفى على أحد، وبالطبع أعقاب السجائر هنا وهناك. وحدا هذا الأمر برئيس طاقم الهيئة لتركيب أجهزة الإنذار من الدخان (المنبهة للحرائق) في كل ركن ممكن. وذكّر العاملين بأن جرس الإنذار المنبعث بسبب سيجارة laquo;يعني إخلاء المبنى بأكمله واستدعاء رجال الإطفاء لأنه قد يكون مؤشرًا الى حريق حقيقي. لا أظن أن أحدًا بحاجة الى كل هذا العناء، فتفضلوا جميعًا بالامتناع عن التدخينraquo;.

فأين ينتهي المطاف بكل هذه الجهود؟ بالنسبة لمدخن مثل نيكولاس هيسوم شخصيًا فقد حُسم الأمر أخيرًا مع إرساله الى أفغانستان ممثلاً خاصًا لبان كي مون... فهل يستلزم الأمر من الأمين العام قرارات مشابهة بحق البقية؟