قادت تركيا على المستويين الرسمي والشعبي حملة انتقادات موجّهة إلى تل أبيب على خلفية اعتزام بلدية بئر السبع الإسرائيلية إقامة مهرجان لتسويق الخمور بالقرب من أحد المساجد الأثرية في المدينة، وفي حين استهجن العديد من القوى الإسلامية القرار الإسرائيلي، إدعى القائمون على المهرجان أنه حدث ثقافي لا يمسّ مشاعر المسلمين.


خيمة الاعتصام وفي خلفيتها المسجد الأثري

محمد نعيم: اغتاظت مشاعر العالم الإسلامي على خلفية اعتزام بلدية بئر السبع الإسرائيلية افتتاح مهرجان الخمور السنوي يومي الأربعاء والخميس المقبلين، وربما ضاعف مشاعر السخط لدى مسلمي المدينة اقتراب مقر المهرجان من أحد المساجد الأثرية في المدينة، الأمر الذي اعتبره المسلمون عملاً استفزازياً يزيد من هوة الخلاف بين الوسطين اليهودي والإسلامي في الدولة العبرية، بحسب تعبير صحيفة معاريف.

احتجاج المسلمين في المدينة الإسرائيلية
ورداً على المهرجان، الذي يدور الحديث عنه، نصب عدد ليس بالقليل من بدو مدينة بئر السبع خيمة اعتصام، احتجاجاً على إقامة المهرجان بجوار أحد المساجد الأثرية في المدينة.

وكشفت معلومات نشرتها صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية، أن تركيا تقف إلى جانب احتجاج المسلمين في المدينة الإسرائيلية وخارجها، إذ شنّ نائب رئيس الوزراء التركي quot;بكير بوزداغquot; هجوماً عنيفاً ضد الحكومة الإسرائيلية خلال الأيام القليلة الماضية، مستهجناً اعتزام إسرائيل إقامة مهرجانها السنوي لتسويق تجارة الخمور بالقرب من أحد المساجد.

وقال في سياق حديث مع وسائل الإعلام التركية: quot;إن إسرائيل تثبت اليوم تلو الآخر مدى تعمدها إهانة الإسلام والمسلمينquot;، مشيراً إلى أن التصرف الإسرائيلي المزمع، يعدّ خرقاً صارخاً لحقوق المسلمين وحرياتهم في ممارسة عقائدهم، بما يخالف القوانين والمواثيق الدولية، التي توصي باحترام الأديان.

ووفقاً لما نقلته الصحيفة العبرية عن المسؤول التركي، دعا الأخير الحكومة الإسرائيلية إلى نقل مقر المهرجان المزمع إلى مكان آخر، وفي المقابل طلب quot;محمد جورميزquot; رئيس مؤسسة شؤون الأديان في تركيا من الحكومة الإسرائيلية التصرف بحكمة، وعدم السماح لشركات إنتاج الخمور بإقامة مهرجانها في باحة أحد أهم الآثار الإسلامية العريقة، التي يعود تاريخها إلى الدولة العثمانية.

لم تقتصر الانتقادات التركية لإسرائيل على الدوائر الرسمية فقط، وإنما طالت العالم الافتراضي على شبكات التواصل الاجتماعي، إذ دشن عدد من الشباب الأتراك صفحة على موقع quot;فايسبوكquot;، أطلقوا عليها اسم quot;لا للمهرجان في المسجدquot;، وجاء في أحد تعليقات النشطاء: quot;إن احترام المساجد من احترام المسلمينquot;، بينما أشار تعليق آخر إلى أن الإسرائيليين يعتقدون بتصرفهم أنهم يسيئون إلى الإسلام، والحقيقة أنهم يسيئون بذلك إلى أنفسهمquot;.

ومن الخارج التركي بحسب صحيفة يديعوت أحرونوت، انهمرت الانتقادات على إسرائيل، إذ صدر من جامعة الدول العربية من مقرها في القاهرة بيان، حذرت فيه الدول العربية الأعضاء، إسرائيل من إقامة مهرجان الخمور بالقرب من المسجد الأثري في مدينة بئر السبع.

وقال نص البيان: quot;إن إصرار إسرائيل على إقامة مهرجان الخمور بجوار المسجد، يعد دليلاً على إصرار الدولة العبرية على خلق أجواء من التوتر، وتنامي مشاعر التحريض الطائفي، فضلاً عن الاستخفاف بمشاعر مسلمي العالم، الذين يربو عددهم على 1.5 مليار مسلم، بما يتنافى والقوانين الدوليةquot;.

من جانبه انضم أمين عام منظمة تعاون الدول الإسلامية quot;أكمل الدين إحسان أوغلوquot; لبيان جامعة الدول العربية، مشيراً إلى quot;أن إصرار إسرائيل على إقامة مهرجان للخمور بالقرب من المسجد الأثري في مدينة بئر السبع، يعد دليلاً قاطعًا على رغبة تل أبيب في محو الهوية الفلسطينية والعربية والإسلاميةquot;، ولم تختلف البيانات التركية ونظيرتها الصادرة من الجامعة العربية عن تلك التي انطلقت من حركة حماس، ولجان المقاومة الشعبية في قطاع غزة.

حدث ثقافي سنوي يرتبط بالتراث
في المقابل، حاولت إسرائيل الوقوف ضد حملة الانتقادات الموجّهة إليها على خلفية المهرجان، وجاء في بيان صادر من بلدية بئر السبع quot;إن المهرجان لن يقام على أرض المتحف الهندسي quot;المسجدquot;، ولكنه سيقام في باحة متحف النقب المتاخم للمسجد.

جانب من خيمة الاعتصام قبالة المسجد الأثري في مدينة بئر السبع

وفي تلميح متعمد أشارت صحيفة يديعوت أحرونوت إلى أن المهرجان الذي يدور الحديث عنه بات حدثاً ثقافياً يرتبط بالتراث، وأنه يقام في مثل هذا التوقيت منذ خمسة أعوام على التوالي، وترعاه شركة quot;كيفونيمquot; الإسرائيلية، ولم يواجه المهرجان طيلة هذه السنين أي اعتراض من قبل الدوائر المختلفة، سواء داخل إسرائيل أو خارجها، ولذلك لا ترى بلدية بئر السبع أي مبرر للهجوم الموجّه إلى إسرائيل حالياً.

وفي تصريحات لصحيفة معاريف العبرية، قال المحامي quot;آرام محاميدquot; الناشط في حركة quot;عدالةquot; الإسرائيلية، المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان الفلسطينية والعربية في الاراضي الفلسطينية المحتلة: quot;إننا لا نعارض إقامة مهرجانات ثقافية أو تراثية، ولكننا نرفض في الوقت عينه المساس بمشاعر المسلمين في النقبquot;.

وألمح المحامي محاميد إلى أنه يعيش في مدينة بئر السبع فقط ما يربو على 8.000 مسلم، فضلاً عن أن المدينة تستقبل أعداداً كبيرة من الزوار سنوياً، نظراً إلى أنها تعدّ مدينة كزموبولتية quot;متعددة الحضاراتquot;، ولذلك فإن إقامة مهرجان الخمور في باحة المسجد الأثري في المدينة يعدّ مساً صارخاً بتلك المشاعر وبالدين الإسلامي بشكل عام.

على الرغم من ذلك تصرّ على إقامة المهرجان في المكان عينه، وستحرص فيه على تقديم الخمور لكل الحضور، فضلاً عن اعتزام الجهات المشرفة على المهرجان على عزف الموسيقى الصاخبة في باحة المسجد على مرأى ومسمع من جميع المسلمين في المكان.