يجمع مراقبون لتطورات الشأن السياسي في الجزائر، على أنّ الحكومة الجديدة المُعلن عنها، ستحمل على عاتقها تمرير رهاني الدستور والرئاسيات. ويقلّل هؤلاء من أهمية خلو الجهاز التنفيذي من أسماء بارزة كالوزير الأول السابق أحمد أويحيى، وزعيم حزب الغالبية عبد العزيز بلخادم، طالما أنّه جرى quot;إعفاءquot; الرجلين موقتًا بغرض تحضيرهما لمرحلة ما بعد الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة.


الجزائر: بحسب تأكيدات من تحدثوا لـ إيلاف من محللين، سيكون فريق عبد المالك سلال رئيس الوزراء الجزائريّ الجديد مدعوًا لتجاوز أعطال التنمية في 19 شهرًا المقبلة، بعدما ظلت حصيلة 27 شهرًا من المخطط الإنمائي (2010 ndash; 2014) توصف بـquot;الكارثيةquot;.

يرى الناشط السياسي quot;مصطفى بوهادفquot; أنّ الحكومة الجديدة التي وُلدت بشكل قيصري، على حد وصفه، أتت لتنفذ أجندة دوائر القرار الباحثة عن الذهاب بمرونة إلى مرحلة ما بعد بوتفليقة، ويشير بوهادف إلى أنّ مخابر القرار السياسي في الجزائر أرادت مغازلة الغرب عبر تشكيلها quot;حكومة تكنوقراطquot; تتولى الإشراف على ترتيبات الشوط المؤدي إلى نيسان/أبريل 2014 تاريخ الاقتراع الرئاسي المقبل.

وعليه، يلفت بوهادف إلى استبعاد عديد الوجوه الحكومية التي ظلت محل انتقادات واسعة لاسيما غداة الذي حصل في تشريعيات العاشر آيار/مايو الماضي، وما سُمي آنذاك quot;تزويرًا مفضوحًاquot;، ما جعل النظام يسعى الى استرجاع بعض ماء الوجه عبر اللعب على وتر تنويع الطاقم الحكومي وتوسيعه إلى سائر الأطياف.

عبد المالك سلال رئيس الوزراء الجزائريّ الجديد

أكّد بوهادف أنّ ميزة التكنوقراطية التي اسبغت على الحكومة الجديدة، أرادت من وراءها السلطة التسويق لأطروحة النزاهة والشفافية والحياد، وإزالة شوائب التزوير الذي ميز محطات سياسية سابقة.

من جانبه، يلاحظ الخبير السياسي quot;عابد شارفquot; أنّ الأهمّ في التشكيل الحكومي هو الثنائي أحمد أويحيى وعبد العزيز بلخادم، حيث جرى الاستغناء عن خدماتهما في الواجهة، حتى يتمكن الرجلان من الاستعداد جيدًا للمعركة الرئاسية التي سترتكز عليهما تحديدًا.

صراع أجنحة حول الرئيس القادم؟

عن سرّ نشوء هذه الحكومة في هذا الظرف تحديدًا بعد صوم استمر 4 أشهر، يشدّد د/ عبد الرزاق مقري، القيادي البارز في التكتل الأخضر (ائتلاف إسلامي)، على أنّ الحكومة الجديدة هي نتاج صراع بين أجنحة السلطة حول اختيار الرئيس القادم للجزائر، معتبرًا اختيار الوزير السابق للموارد المائية quot;عبد المالك سلالquot; اختيارًا توافقيًا بين العصب المتنافسة في أعلى هرم السلطة، طالما أنّ سلال ظلّ شخصية ثابتة في شتى الحكومات المتعاقبة منذ العام 1999، ومن المرتبطين بأصحاب القرار الحقيقيين، مثلما أسندت له مهمة إدارة الحملتين الانتخابيتين لبوتفليقة في رئاسيات 2004 و2009.

ويركّز مقري أنّه جيء بسلال على رأس الحكومة ليس لكونه تكنوقراطيًا عاديًا، أو لامتلاكه رؤى اقتصادية بوسعها حل المشاكل الاجتماعية للجزائريين، وإنما لهدف واحد وحيد: ضبط معادلة الرئاسيات القادمة فحسب، بحكم أنّ الرجل يمثل حلقة مهمة في النظام، لذا أسندت له مهمة ترتيب أوراق هذا الاستحقاق الأهم من نوعه في التاريخ السياسي الجزائري الحديث.

قدّر مقري أنّ السلطة مرتبكة إلى حد كبير، ما جعلها تستهلك أربعة أشهر كاملة لتوليد الحكومة، مسجّلاً أنّ تقلص نفوذ جبهة التحرير (حزب الغالبية) دليل على quot;فساد العمل السياسي في الجزائرquot; على حد وصفه، وجزم الرقم الثاني في التكتل الأخضر بانتفاء جدوى المنافسة بين أحزاب يُراد لها أن تكون مجرد دمى في أيادي قوى خفية، كما لم يستسغ مقري quot;تعويمquot; الحكومة الحالية بممثلي بعض الأحزاب المجهرية، ما يدلّ بمنظوره، على ما سماه quot;إفلاس النظام وفراغ خزانته من البدائل والمخططاتquot;.

على المنوال ذاته، أبرز quot;أبو جرة سلطانيquot; زعيم حركة مجتمع السلم أنّ سقف طموحات الشعب الجزائري أعلى بكثير من هذه الحكومة، متصورًا أنّ التحديات الكثيرة التي تعرفها الساحة المحلية تحتاج إلى حكومة سياسية وليس مجرد حكومة تكنوقراط سيقتصر اهتمامها على مراجعة الدستور الممهّدة للرئاسيات.

ألّح وزير الدولة السابق على أنّ التركيبة الحكومية الحالية تؤكد ضرورة الاسراع بمراجعة الدستور لتوضيح طبيعة الحكم والانتهاء من سياسة اعفاء الأحزاب من تحمل مسؤوليتها أمام الشعب لاسيما التشكيلات الفائزة بما سماه quot;أغلبية مصنوعةquot;، في إشارة قوية إلى هزال تواجد جبهة التحرير في الجهاز التنفيذي.

يتقاطع quot;فاتح ربيعيquot; مع quot;حملاوي عكوشيquot;، زعيما حركتي النهضة والاصلاح على التوالي، أنّ الحكومة الجديدة خيّبت آمال مواطنيها في تغيير جذري للسياسات والبرامج، ما يفرض رسم أولويات المرحلة القادمة وتعديل الدستور بشكل يحدد بصفة دقيقة طبيعة منظومة الحكم.

الوزير الأول السابق أحمد أويحيى وزعيم حزب الغالبية عبد العزيز بلخادم

لاحظ ربيعي أنّ إعلان الحكومة أكّد quot;تكرار تضييع الفرص، وحرصًا على الترقيعquot;، معتبرًا أنّه كان من الأجدى الانتصار لحكومة وفاق وطني قادرة على تصحيح الاختلالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، من خلال تسيير مرحلة انتقالية تبدأ بتعديل الدستور وقانوني الأحزاب والانتخابات، ثم بإعادة تنظيم انتخابات تشريعية ومحلية ورئاسية بمشاركة شعبية حقيقية، فذلك وحده كفيل بإزالة الانسداد السياسي والاحتقان الاجتماعي في البلاد.

تجاوز أعطال التنمية في 19 شهرًا

يشدّد الخبير quot;عبد الحق لعميريquot; على أنّ استنجاد السلطة بحكومة تكنوقراط يهدف إلى تجاوز أعطال التنمية، حيث خيّم الركود على كبرى مشاريع خطة الإنماء (2010 ndash; 2014)، رغم رصد مخصصات قياسية زادت عن 286 مليار دولار.

بيد أنّ لعميري يشكك في إمكانية تدارك الوزراء الجدد للاحتباسات في ظرف 19 شهرًا فحسب، خاصة بعد توخي وزارة المال نمط إنفاق حذر في موازنة العام القادم، على خلفية تربص الأزمة الاقتصادية الكونية في الجزائر.

ويبدي لعميري تشاؤمًا بقدرة حكومة سلال على تنفيذ استثمارات ضخمة بمعدل 57.2 ملياراً سنويًا، في ظروف محلية مفككة وغير مؤهلة، لاسيما وأنّ الخطة خاضعة لتقلبات سوق النفط بواقع 100 دولار للبرميل، وكلما نزل السعر تحت هذا السقف يتم اللجوء إلى التمويل بالعجز، وهذا من شأنه الضغط على الميزانية، وربما يؤدي إلى ترحيل بعض مشاريع الخطة إلى ما بعد 2014، خاصة في مجالات الانشاءات العامة.