أحمد داود أوغلو

يؤدي دور تركيا المتنامي في كافة المجالات الى جذب أنظار جيرانها وتحركهم بهدف تصدير حالة من عدم الاستقرار، وذلك عبر بوابة حزب العمال الكردستاني.


لندن: قبل شهر وقف وزير الخارجية التركي أحمد داود اوغلو في برلمان بلده، وطرح رؤية للشرق الأوسط تكون أنقرة فيها quot;السيد والخادم والقائدquot;. وقال إن الشرق الأوسط سيكون منطقة يسودها العدل وتحكمها الإرادة الشعبية لا الدكتاتورية، منطقة سلام واستقرار وازدهار تتمحور حول تركيا نفسها.

ولكن الخوف الذي تشعر به اسطنبول وأنقرة اليوم، هو أن تركيا بدلا من هذه الرؤية تستورد انعدام الاستقرار من جيرانها.

ويتبدى هذا الخوف بأحدث صوره في اعتقال السلطات التركية قبل أيام سبعة عملاء ايرانيين على ما يُفترض بتهمة جمع معلومات عن منشآت عسكرية تركية لنقلها إلى طهران، وتصاعد القتال مع المسلحين الكرد، ودعم انقرة للمعارضة السورية المسلحة. وأفادت تقارير أن الشرطة فككت شبكة تجسس تضم 100 عضو.

وتسلط واقعة الشبكة التجسسية الضوء على التوتر بين أنقرة وطهران الذي كان أصلا شديد الوضوح. وتختلف الحكومتان اللتان لم تكونا ذات يوم جارتين ترتاحان إلى إحداهما الأخرى تماما، على محطة رادار أطلسية في الأراضي التركية موجهة ضد الصواريخ الايرانية. وهناك النزاع السوري بوصفه قضية حياة أو موت يومية.

ونقلت صحيفة فايننشيال تايمز عن دبلوماسيين أجانب وناشطين أن تركيا تساعد في تسليح مقاتلي الجيش السوري الحر، رغم نفي تركيا مثل هذا الدعم بعبارات شكلية. ولا شك في أن إيران تدعم الرئيس بشار الأسد. وإذا لم تكن أنقرة وطهران منخرطتين في حرب بالوكالة فإنهما تفعلان كل ما يوحي بمثل هذا الدور.

ويتمثل الموقف الرسمي في العاصمتين بأن لدى تركيا وإيران خلافاتهما حول سوريا ولكنهما تعملان معا في مجالات أخرى. فإن إيران ثاني اكبر مصدِّر للغاز إلى تركيا في حين أن مبيعات الذهب التركي إلى طهران بلغت مستوى في النصف الأول من العام عزز إجمالي صادرات أنقرة وميزانها التجاري، بعدما أخذ الإيرانيون يحولون مدخراتهم إلى الذهب بدلا من حفظها في بنوك مستهدفة بالعقوبات.

ولكن التوتر بين الحكومتين يبقى ظاهرا لا يمكن التستر عليه. وتقريبا فور مقتل 10 أشخاص إثر انفجار شاحنة مفخخة في مدينة غازي عنتيب الشهر الماضي، قال نائب رئيس الوزراء التركي بولنت أرينج إن التحقيقات بدأت النظر في إمكانية وجود صلات إيرانية بالمتمردين الكرد المتهمين بتنفيذ الهجوم. كما أن مشاكل تركيا ليست مع إيران وسوريا وحدهما بل تردت العلاقات على نحو متسارع مع الحكومة العراقية ذات القيادة الشيعية التي ترتبط بعلاقات وثيقة مع ايران واعلنت تركيا quot;دولة معاديةquot; لاستضافتها نائب رئيس الجمهورية المطلوب طارق الهاشمي. وأبعد من ذلك يبدو الآن أن تحالف تركيا مع اسرائيل اصبح بذمة التاريخ.

ثم هناك الوضع في تركيا نفسها. إذ شهد القتال ضد مسلحي حزب العمال الكردستاني تصعيدا لم يُعرف نظيره منذ القرن الماضي. وقبل أيام قُتل 10 من عناصر الجيش والشرطة الاتراك في معركة طويلة مع حزب العمال الكردستاني، الذي لا يستخدم الآن السيارات المفخخة فحسب بل تفجيرات انتحارية ايضا واشتبك مؤخرا مع مئات الجنود في معركة استمرت اياما من اجل السيطرة على رقعة أرض.

وتذهب بعض الآراء إلى أن أنقرة بسعهيا إلى ممارسة دور متميز في الشرق الأوسط استنزلت على نفسها عداء جيران قادرين على التدخل في شؤونها هي.

ولعل انقرة لم تكن تملك سوى الانحياز في اعقاب ثورات الربيع العربي. ومن المؤكد ان الدوافع الأخلاقية للوقوف ضد نظام الأسد لا يتطرق اليها الشك. ولكن كما كتب المعلق التركي محمد علي بيراند فإن حزب العمال الكردستاني هو العنوان الوحيد الذي يحتاجه الجيران إذا ارادوا ازعاج تركيا.

وخلص معلقون أتراك في معرض استعراضهم بانوراما التفجيرات والعمليات الانتحارية وتدفق اللاجئين والأنشطة التجسسية إلى ان تركيا تبدو الآن بلدا شرق اوسطي إلى حد لا يبعث على الارتياح. ودلالة ذلك تزايد الاضطرابات الداخلية وانغمار تركيا أعمق في شؤون جيرانها وتنامي طائفيتها، بحسب صحيفة فايننشيال تايمز.

وقد لا يخلو تصوير الوضع على هذا النحو من مبالغة. فان لدى تركيا تقاليد ديمقراطية تفتقر اليها جاراتها وحزبا حاكما قويا يتمتع بشعبية واسعة واقتصادا مزدهرا. ولكن حقيقة التطرق إلى الموضوع وحدها وتوالي الأحداث التي فرضت التطرق اليه تكفي لاثارة القلق. اما الثقل المقابل الذي يوفره الغرب فهو ثقل لا يُعول عليه. واظهر استطلاع أُجري مؤخرا عما إذا كانت تركيا ستنضم في النهاية إلى عضوية الاتحاد الاوروبي ان 17 في المئة فقط من الاتراك اجابوا بنعم.