أم محمد لاجئة سورية في مخيّم الزعتري في الأردن، نالت منها الأمراض وأعيتها، تقول إن ما تعانيه في هذا المخيّم يدفعها إلى التفكير جديًا بالعودة إلى سوريا، حيث القصف والقتل أرحم.


أم محمد في خيمتها داخل مخيم الزعتري في الأردن

سطام الرويلي: أم محمد هي أم لبنت وولد، وزوجها مقعد، تعاني أمراضًا عدة، وتقول إن ما أصابها من معاناة في مخيم الزعتري دفعها إلى التفكير بالعودة إلى بلادها، رغم ما ينطوي على ذلك من مخاطر قد تكون حياتها ثمناً لها.

ربما كانت تلك السيدة تحلم لدى سفرها بأن تكون حرة تروح وتغدو كما كانت في بلادها قبل الدمار والقصف الذي تمطره سماء درعا صبحاً وعشية، وربما كانت تتخيل أن مخيم اللاجئين سيكون منتجعاً لا يخلو من الرفاهية تقضي فيه الباقي من عمر النظام.

تتحدث أم محمد عن صعوبة وقسوة الحياة في المخيم، وتقول إن الحياة في هذا المكان لاتقلّ بؤساً عن الحياة تحت القصف في درعا، في هذا المخيم الصغير يكتظ أكثر من 27 ألف لاجئ سوري هربوا من جحيم المعارك الجارية في بلادهم.

في جولة quot;إيلافquot; داخل مخيم الزعتري صادفها الكثير ممن يشرحون معاناتهم في هذا المخيم المزدحم باللاجئين ومن مختلف الفئات العمرية، أحدهم أخبرنا عن معاناة تلك السيدة التي أصرّ زوجها المقعد على العودة إلى مدينة درعا القريبة من الحدود الأردنية، نظرًا إلى صعوبة الحياة بالنسبة إلى رجل بمثل صحته في هذا المخيم الذي -وحسب ماتقول الأم ndash; غير صالح للأسوياء فكيف برجل مقعد!.

لكن ذلك الرجل المقعد بحسب حديثهم خرج من المخيم، ولا يعرف مصيره إن كان بالفعل قد عاد، أو أن هناك من ذهب به إلى مشفى داخل الأردن لاستكمال علاجه والعناية به.

وعبر من يعرفون تلك العائلة عن قرب، ذهب فريق quot;إيلافquot; إلى حيث تتواجد داخل خيمة متواضعة تفتقر أبسط مقومات الحياة الآدمية، وكان عدد من أقارب تلك العائلة يشاركونهم السكن فيها، حتى بدت مزدحمة جداً بالشباب والبنات والأطفال الذين تسيطر على وجوههم حالة البؤس والمعاناة.

تقول أم محمد لـquot;إيلاف:quot;: quot;حالنا ماترونه؛ فهو لا يسر لاعدو ولا صديق. فأنا امرأة كبيرة، ولا أستطيع مزاحمة الرجال على السيارات التي توزع الأكل والشرب والملابس، ونحن في هذه الخيمة يكاد أن يقتلنا العطش أحيانًا لولا بعض المحسنين الذين يشفقون على حالنا بين فترات متباعدةquot;.

تضيف: quot;تمر أيام، ولا يتسرب إلى حلوقنا الماء البارد في هذا الجو الحار، فيما لا يستطيع سوى الأقوياء الحصول على الثلج من السيارات التي تحمله داخل المخيم، وحتى لو وصلنا بعض الماء البارد من بعض المشفقين على حالنا.. فإنه يتحول إلى حميم خلال دقائق بسبب درجات الحرارة العالية وعدم وجود حافظات للمياه والطعامquot;.

وبحسب مشاهدات quot;إيلافquot; فإن المنطقة التي زرناها، وهي تمتد لعشرات الخيام، لا توجد فيها برادات للمياه، بل تمر سيارة بين الفترة والأخرى محمّلة بأكياس الثلج، ويتدافع عليها اللاجئون حتى تنفذ من دون أن تكمل سيرها، ولا يخلو الأمر من مشادات بين موظفي التوزيع وبين النازحين.

تكمل السيدة حديثها: quot;أنا امرأة مريضة بالسكري والضغط، وكلما ذهبت للاصطفاف مع طوابير المرضى في المستشفيات الميدانية التي يصل الإنتظار فيها إلى أكثر من خمس ساعات ينهكني التعب، وأعود إلى خيمتي بدون دواء، كل ما لديّ من أدوية للضغط والسكري هو ما استطعت جلبه معي من سوريا، وبعضها شارف على انتهاء مدة صلاحيتهquot;.

لكن المستشفى الميداني المغربي القريب جداً من بيت السيدة، يكاد يكون خالياً في معظم عياداته، وحين سألنا رئيس المستشفى (في حوار موسع سينشر لاحقاً) نفى هذا الأمر، وقال إن الوضع، كما ترى، ولا يوجد ضغط كبير على خدماتنا.

بالعودة إلى حديث السيدة عن كيفية نومهم في هذه الخيمة المزدحمة، تقول الأم: quot;ننام وأرجل بعضنا عند رؤوس بعضنا؛ فلا خصوصية للإناث، وبإمكان كل من يمر أمام هذه الخيمة رؤيتناquot;.

وتشير إلى أنهم يجدون صعوبة بالغة في الذهاب إلى دورات المياه، التي تكتظ بالبشر، ويضطرون إلى الانتظار حتى ساعات متأخرة من الليل، لأخذ دورهم، مؤكدة أن الطريق إلى دورات المياه محفوفة بالمخاطر خلال الليل، quot;فالمخيم فيه بعض سيئي الخلق وعديمي التربيةquot;.

تشرح الأم المريضة وجهاً آخر من المعاناة quot;هنا يستغل بعض الباعة ما نحن فيه من ظروف، فيرفعون الأسعار بشكل كبير، هذا إضافة إلى رداءة ما يبيعونه لنا من خضر وطعام فاسد في كثير من الأحيان، ولا يصلح للاستعمال البشريquot;.

وتضيف في معرض ردها على أسئلة quot;إيلافquot;: quot;انظروا إلى هيئتنا وملابسنا؛ أطفالنا ملابسهم متسخة ومجرثمة، والماء لا نجده للشرب، فكيف إذا كان لغسيل الملابس، ويضطرون للمشي في الرمضاء من دون أحذيةquot;.

في نهاية حديثها مع quot;إيلافquot; تقول الأم: quot;أنا أفكر جديًا بالعودة إلى بلادي، فالحياة في هذا المخيم فيها من التعب ما يوازي الذي عشناه في سورياquot;، مؤكدة أنه لم يعد يخيفها نظام أهان وأذل الشعب.

كثيرون غير هذه السيدة كانوا يتواجدون إلى جانبها، إلا أن معظمهم رفضوا التصوير، خوفاً على حياتهم وحياة ذويهم ممن ما زالوا داخل سوريا، والوحيدة التي قبلت التقاط الصور لها هي الأم، التي ظلت تردد عقب مغادرتنا quot;لم يعد أي شيء يخيفني من هذا النظامquot;.