سجن التسفيرات في تكريت إثر صدامات بين عناصر من تنظيم القاعدة والقوات العراقية

فيما تبحث لجنة برلمانية عراقية اليوم الأحد تداعيات هروب العشرات من عناصر تنظيم القاعدة من سجن مدينة تكريت الشمالية الغربية، فقد تبادل مسؤولون عراقيون اتهامات حول التقصير في الإجراءات والخطط الأمنية داعين الى تغييرات استراتيجية في هذه الخطط، فيما حملت قوى سياسية القائد العام للقوات المسلحة نوري المالكي وقادة العمليات العسكرية مسؤولية ما حدث وطالبت باستجواب برلماني سريع للقادة الأمنيين، فيما تواصل القوات بحثها عن 47 هاربًا من عتاة عناصر القاعدة المحكومين بالاعدام وبينهم 5 قادة.


تجري القوات الأمنية في صلاح الدين بالتنسيق مع الاجهزة الأمنية في محافظات ديالى والانبار ونينوى المجاورة حاليًا عمليات بحث مكثفة عن السجناء الهاربين من سجن تكريت (180 كم شمال غرب بغداد) مسقط رأس الرئيس السابق صدام حسين اثر سيطرة النزلاء من عناصر القاعدة على السجن ليل الخميس الماضي قبل أن تستعيد القوات السيطرة عليه في صباح اليوم التالي بعد هروب 102 نزيل بينهم 47 محكومًا بالاعدام من ضمنهم خمسة قادة. وقد رصدت قيادة شرطة المحافظة مكافآت مالية كبيرة لمن يدلي بمعلومات مؤكدة تقود الى اعتقال السجناء الهاربين.

تبادل اتهامات وتحميل مسؤوليات لكبار القادة

واتهمت وزارة العدل قيادة محافظة صلاح الدين بتعطيلها تنفيذ أحكام الاعدام الصادرة بحق عدد من السجناء الفارين من سجن تكريت، وقالت إنها طالبت القيادة قبل ثلاثين يومًا بتسليم أربعين محكوماً بالاعدام صادقت على احكامهم رئاسة الجمهورية لكنها لم تسلم سوى ثلاثة مُدانين نفذت بهم الوزارة الحكم فور استلامهم. وأكد وزير العدل حسن الشمري في مؤتمر صحافي إن quot;القوانين العراقية النافذة تلزم وزارة العدل بتنفيذ أحكام الاعدام بعد مصادقة رئاسة الجمهورية واستلام المدانين من جهات الاعتقال والهيئات التحقيقيةquot;.

ومن جهتها قالت القائمة العراقية بزعامة أياد علاوي في بيان صحافي تسلمته quot;ايلافquot; إنها تتابع بقلق كبير تطورات quot;عملية تهريب السجناءquot; من سجن التسفيرات في مدينة تكريت، والتي تميزت بنوعية عالية من التخطيط وأدت الى تهريب أخطر الأرهابيين وأشدهم فتكاً بالمواطنين، بالإضافة الى مقتل عدد كبير من الشرطة الأبرياء أثناء تأدية واجبهم بتفانٍ وإخلاص.

وأضافت أنها تتوجه بالإستفهام والإستغراب quot;لجملة من المؤشرات التي تحتاج الى إجابة واضحة وصريحة ومنها كيف نجحت هذه العملية مع وجود معلومات أولية منذ عدة أشهرعن محاولة تهريب الإرهابيين من سجن التسفيرات في تكريت؟ وأيضاً، هل أن تغيير قائد الشرطة في تكريت هو الحل؟ وهل هناك ضمانات بعدم تكرار مثل هذه العمليات في مناطق أخرى في العراق؟quot;.

وحملت العراقية المسؤولية بشكل كامل على القائد العام للقوات المسلحة (رئيس الوزراء نوري المالكي) وقادة العمليات وكل من يثبت تورطه في العملية وطالبت بالإستجواب السريع للقادة الأمنيين ومسؤولي المحافظة تحت قبة مجلس النواب للكشف عن ملابسات الجريمة وبأسرع وقت.

ومن جانبه، قال الناطق باسم حركة الوفاق الوطني العراقي صلاح عبدالله في تصريح صحافي مكتوب ارسلت نسخة منه الى quot;ايلافquot; إنه رغم وعود القائد العام المالكي المتكررة بفرض الأمن وتحقيق الاستقرار quot;فإن مليوناً من رجال الشرطة والجيش والاجهزة الأمنية وعشرات مليارات الدولارات من ميزانيات البلد السنوية لم تردع حثالة الارهابيين والمجرمين القتلة بغياب الإستراتيجية الأمنية وتفشي الفساد المدعوم واعتماد الموالاة الحزبية والشخصية كمعيار للقيادةquot;.

وقال: quot;إذا كانت الحكومة قادرة على التبرير، بعد فشلها في وقف الخروقات الأمنية المتصاعدة، فأي تبرير اذن يسوغ التهريب المنظم لعتاة الارهابيين والقتلة من سجونها المحصنة والمسيّجة بخطوط أمنية متعددة؟quot;.

وأشار إلى أنّه quot;في حلقة جديدة من مسلسل تهريب غيلان القاعدة والمجرمين يأتي حادث تسفيرات تكريت ليصدم الضمير الوطني ويلقي الروع في قلوب اهالي صلاح الدين، حيث تم تحويل مناطق المحافظة الى ثكنات عسكرية بعد أن فجعت بعدد من ابنائها الأبرياء وشلت الحياة فيها بمسرحية البحث عن الارهابيين الطلقاء ولم تزل ذكرى تهريب قيادات القاعدة من سجن البصرة المركزي وبتواطؤ مسؤولين أمنيين ندية في اذهان الشعب العراقيquot;.

وقال إن وقوع هذا الحادث، بعد بضعة ايام من الاعلان عن احباط محاولة مماثلة في ذات السجن، يثير العديد من علامات الاستفهام حول مسؤولية الحكومة والاجهزة الأمنية ومحافظ صلاح الدين، في هذا الحادث المريب. وعبر عن استياء حركة الوفاق الشديد quot;لتداعي الواقع الأمني المزريquot;.. مؤكدًا quot;رفضها القاطع لاساليب التعامل غير المسؤول مع الملف الأمني وانعكاساته على ارواح الابرياء ومصالحهم وأمنهم، كما ترفض اشكال الترويع التي تعرض لها اهالي صلاح الدين من الابرياء على خلفية الحادث المدبر وتطرح العديد من التساؤلات عن توقيت الحادث واهدافهquot;.

ومن جانبه، طالب النائب ياسين مجيد القيادي في ائتلاف دولة القانون بزعامة المالكي بسجن قائد شرطة محافظة صلاح الدين ومحاكمته بتهمة quot;التقصيرquot; في تأمين سجن تكريت وعدم الاكتفاء بطرده من منصبه. وانتقد مجيد ياسين في مؤتمر صحافي في بغداد بعض الكتل السياسية التي تعرقل إقرار قانون البنى التحتية وتبذل جهودًا لإطلاق سراح quot;المجرمينquot;.

وأشار إلى أنّ quot;هناك كتلاً سياسية تضع عشرات الشروط التعجيزية على قانون الدفع بالأجل، وفي الوقت نفسهلا تضع شرطًا واحدًا على قانون العفو العام، وتطالب ليل نهار باقراره رغم كونه بابًا لإخراج القتلة والمجرمين والارهابيين وهذا يعدّ مفارقة واضحةquot;.

وأضاف أن quot;إقالة قائد شرطة محافظة صلاح الدين من منصبه لا تكفيquot; مطالبًا بـالقائه في السجن لتقصيره في قضية هروب السجناء من سجن تكريت. وقال إن quot;ما حدث في سجن تسفيرات تكريت رسالة واضحة لهذه الكتل بأن من يدافعون عنهم قادرون على قتل مأموري السجنquot;.

اما عضو لجنة الأمن والدفاع في مجلس النواب حاكم الزاملي فقد اعتبر في تصريح صحافي أن ما حصل في سجن تكريت عملية تهريب وليس هروبًا محذرًا من حدوث عمليات تهريب مشابهة في سجون أخرى اذا لم توضع حلول وإجراءات رادعة. واتهم مدير عام دائرة الاصلاح في وزارة العدل بالضعف وعدم الاخلاص لمهنته.

وعلى الصعيد نفسه أكد وزير الداخلية السابق جواد البولاني أن العراق حطم الارقام القياسية في قضية هروب سجناء محكومين عن جرائم ارهابية خطيرة. وقال البولاني في بيان إنquot; قضية هروب سجناء محكومين من سجن تسفيرات صلاح الدين ليست هي الاولى ولن تكون الاخيرة ما دمنا لا نتعظ من تجاربنا خصوصًا الكبيرة منها مثل سجن الرصافة وسجن البصرة وسجن الجرائم الكبرى وغيرها.

وأوضح أنquot; كثيراً من الدول يحتوي تاريخها على هروب او محاولة لهروب جماعي لسجناء خطرين لكن لمرة أو اثنين لا اكثر على الاغلب الا العراق حطم الارقام القياسية في قضية هروب سجناء محكومين عن جرائم ارهابية خطيرةquot;.
ودعا البولاني القيادات الأمنية إلى أنّquot; تضع الحسابات والخطط وتقوم بالمراقبة اللصيقة لكل التحركات المريبة التي تقع داخل السجون او بالقرب منها وان لا تركن الى الراحة عندما ترى الامور هادئة لأن الارهابيين يحاولون بشتى الطرق اخراج رفاقهم من السجونquot;.

ومن المنتظر أن تناقش لجنة الأمن والدفاع البرلمانية اليوم الاحد عملية هروب السجناء كاشفة عن أنها ستوصي بتغيير الخطط الأمنية الإستراتيجية. وقال عضو اللجنة شوان محمد طه في تصريح للمركز الخبري لشبكة الاعلام العراقي الرسمية إن quot;لجنة الأمن والدفاع اطلعت على تقارير بشأن ما حصل وستوصي خلال اجتماعها بعدم الاكتفاء بتغيير أو اقالة القادة الأمنيين الميدانيين بل بضرورة العمل على تغيير الخطط الاستراتيجية العليا الخاصة بالملف الأمنيquot;.

واعتبر طه أن quot;المشكلة تكمن في أن بعض القيادات الأمنية العليا لم تعد قادرة على مواكبة التطورات في هذا الحقل بدليل استمرار الخروقات وهو ما يتطلب اجراءات اكثر حزمًا مما يتم التعامل معه الانquot;.

الحراس سهلوا هروب السجناء

وكانت وزارة الداخلية العراقية اتهمت الجمعة حراس سجن تكريت بالتواطؤ مع المسجونين في تنفيذ عملية هروبهم وقالت إنهم سمحوا أيضًا لعائلات النزلاء بادخال اسلحة الى السجن. وأوضحت أن عدد الذين هربوا من الموقف 102 موقوف من ضمنهم هؤلاء السبعة والاربعون المحكومون بالاعدام وقد استطاعت قوات شرطة صلاح الدين من قتل اربعة منهم والقاء القبض على 23 موقوفاً هارباً ولايزال مصير السبعة والاربعين الباقين مجهولا. وأشارت إلى أنّ القوات الأمنية في المحافظة خسرت في اطار مواجهتها مع الارهابيين هؤلاء ستة عشر قتيلًا.

ويضم سجن التسفيرات في تكريت 302 نزيل بعد أن كان العدد يقترب من 900 نزيل قبل أن تقرر السلطات توزيع المعتقلين على مراكز أخرى اثر أعمال شغب اندلعت خلال العام الماضي. وشهد السجن التسفيرات في تكريت في نيسان (ابريل) الماضي إحباط محاولة هروب جماعي لنزلاء السجن من خلال نفق حفره نزلاء، كما شهد في 2 آذار (مارس) عام 2011 أعمال شغب واضطرابات أحرق خلالها عدد من الموقوفين بعض أقسام السجن احتجاجاً على سوء معاملتهم مما أسفر عن إصابة 15 شخصاً بجروح بينهم ضابط كبير.

كما شهد السجن ايضًا في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي اندلاع أعمال شغب على خلفية نقل 13 معتقلاً إلى العاصمة بغداد، بعد صدور قرارات قطعية بحقهم وفق التهم التي اعتقلوا بسببها.

يذكر أن العديد من السجون المنتشرة في مختلف المحافظات شهدت خلال الاشهر القليلة الماضية تكرار هروب السجناء وخاصة المطلوبين بقضايا quot;الإرهابquot; حيث أعلنت وزارة العدل في الخامس من أب (اغسطس) الماضي عن إحباط محاولة لهروب نزلاء من سجن بغداد المركزي غرب العاصمة من خلال نفق حفره النزلاء فيما اقتحم مسلحون مجهولون مديرية مكافحة الإرهاب وسط بغداد التابعة لوزارة الداخلية، في نهاية تموز (يوليو) الماضي بعد استهدافها بسيارتين مفخختين أسفرتا عن مقتل خمسة أشخاص وإصابة 27 آخرين بجروح متفاوتة، فيما أعلن جهاز مكافحة الإرهاب عن تطهير مبنى المديرية من المسلحين في هجوم استمر لخمس ساعات وأسفر عن مقتل ثمانية مسلحين وضبط خمسة أحزمة ناسفة.

وكان زعيم تنظيم دولة العراق الاسلامية الفرع العراقي لتنظيم القاعدة ابوبكر البغدادي اعلن في كلمة صوتية في تموز (يوليو) شن عملية جديدة اطلق عليها اسم quot;هدم الاسوارquot; تستهدف اطلاق سراح سجناء التنظيم.