لم نشهد مثل هذا الإخراج المسرحي للتظاهر بتأييد للرئيس السوري بشار الأسد مقترنة بشعارات الهتّافين مشدودي القبضات منذ اندلاع الانتفاضة السورية قبل نحو عامين. لكن مراقبين وصفوا ظهور الأسد على هذا النحو المسرحي سيئ الإخراج بأنه صفحة مستعارة من كتاب القذافي في آخر أيامه. فيما انتقد النائب اللبناني وليد جنبلاط خطاب الأسد ورأى أنه جاء منفصلًا عن الواقع.


وصف مراقبون ظهور الرئيس السوري بشار الأسد الأخير بأنه صفحة مستعارة من كتاب العقيد الليبي معمر القذافي في آخر أيامه. وأشار المراقبون إلى أن حتى الشعارات التي استخدمت كانت هي نفسها التي رُفعت قبل رحيل القذافي بالطريقة المعروفة، وتحديدًا quot;الله، سوريا، الأسد وبسquot;.

وما يعيد التذكير بالقذافي أيضًا هو تهويل الأسد، الذي كان يلجأ إلى إلقاء مفكك بين المقترحات المبهمة للتوصل إلى تسوية سلمية والتنديد بالمعارضة تنديدًا لا هوادة فيه. فإن تنظيم القاعدة وquot;المجرمين المسلحينquot; وquot;الإرهابيين الأغرابquot;، احتلوا الصدارة في مفردات خطابات القذافي أيضًا.

ثم كان هناك الاستغراق في عواطف ناشزة، كما في قوله، quot;أنظر إلى عيون أطفال سوريا فلا أرى ضحكة بريئة تشعّ منها، ولا أرى ألعابًا تزرع البسمة على وجوههمquot;، وهو ليس بالأمر المستغرب بالنسبة إلى كل من تابع أخبار حملته العنيفة ضد شعبه خلال العامين الماضيين.

أكثر نعومة وتعليمًا من القذافي ... لكنه لغز

الأسد ليس القذافي بطبيعة الحال، ولكن شخصيته الأكثر نعومة والأحسن تعليمًا والأقرب إلى التفكير العقلاني، بعيدًا عن ميل القذافي الفطري إلى اللامعقول، تجعله لغزًا حتى أشد غموضًا في بعض النواحي، كما تلاحظ صحيفة الديلي تلغراف، مشيرة إلى أنه في حالة القذافي كان هناك دائمًا إحساس باستعداده للقتال حتى النهاية، مفضّلاً الميلودراما في الموت على الواقع الباهت للحلول التوافقية الوسطية أو الاستسلام. أما الأسد فإنه يقدم نفسه وكأنه زعيم يسيطر حقًا سيطرة كاملة على الأحداث، في تناقض صارخ بين خطابه والواقع.

ولو كان معارضو الأسد في تراجع عن عرض خطوات يضعون أنفسهم تحت رحمته في إطارها عرضًا مهيبًا من زعيم قوي. ولو كان يقترب من تحقيق النصر فإن مقترحه، الذي يدعو أعداءه إلى إلقاء السلاح ومؤازريهم الأجانب إلى الكفّ عن دعمهم مقابل وعد سخي بإجراء quot;حوار وطنيquot;، كان سيبدو مقترحًا مقنعًا.

لكن الوضع في سوريا اليوم لا يمتّ بصلة إلى هذه الصورة. والأسد بقي أطول من بعض التوقعات، التي كانت مفرطة في التفاؤل بهزيمته الوشيكة، ولكن ليس هناك أي إحساس أو مؤشر يوحي بأنه يكسب المعركة.

قاب قوسين أو أدنى

فقد رئيس النظام السوري مناطق واسعة من البلد لمصلحة المعارضة، بما في ذلك نصف حلب، أكبر المدن السورية، فيما طرقت أعداد كبيرة من قوات المعارضة أبواب دمشق نفسها.

السؤال الحقيقي هو ليس لماذا يتعين على المعارضة المسلحة أن تقبل مثل هذه المقترحات البائسة، بل لماذا عليها أن تتفاوض أصلاً وهي مقتنعة بأن نهاية الأسد باتت قاب قوسين أو أدنى. ويتحدث الأسد عن تعبئة دفاعاته، وكأنها ليست في حالة استنفار قصوى بلا جدوى، حيث قوات المعارضة تقف على بعد كيلومترات من دار الأوبرا التي كان يخطب فيها.

في النهاية، اندفع أنصار الأسد نحوه تمامًا مثل القذافي خلال مسرحيات ظهوره الأخيرة في طرابلس. هل كانوا يعبّرون عن حبهم لزعيمهم؟، أم إنه الذعر والهلع، ومؤشر إلى الغاية الحقيقية من الخطاب ـ أن يكون صرخة أخيرة لتحشيد الموالين، ومحاولة يائسة لطمأنة آخر من بقوا معه بأن زعيمهم لم ينسهم في ساعة شدتهم، على حد تعبير صحيفة الديلي تلغراف.

جنبلاط يرى في الخطاب انفصالًا عن الواقع

من جانبه، اعتبر النائب اللبناني وليد جنبلاط خطاب الأسد مكرراً ومنفصلاً تماماً عن الواقع مشيرًا إلى أنّ الخطاب يعيد ما سبق وقاله في خطاباته الأولى بعيد إندلاع الأزمة دون تغيير نقطة. وأشار النائب اللبناني إلى أن الخطاب أتى بعيدًا عن الأجواء الراقية التي من المفترض لقاعة الأوبرا أن ترخيها على أي زائر لها.

وقال جنبلاط لصحيفة quot;الأنباءquot; quot;قد بلغت حالة الانفصام عن الواقع مرحلة متقدمة على ما يبدو إذ أن رزمة الخطوات التي تم إقتراحها بالأمس وسميت quot;مبادرة سياسية للخروج من الأزمةquot; لا تعدو كونها إعادة لما سبق أن نفذ بشكل مشوه في المرحلة الماضية. فالدستور الجديد والاصلاحات الشكلية والاستفتاء والانتخابات الوهمية كلها نفذت في السابق ولو فوق جثث أبناء الشعب السوري وعلى أشلائه وفوق ركام المدن والقرى التي شهدت تدميراً منهجياً ومنظماً؟quot;.

شبح الموت في أوبرا دمشق

ودعا جنبلاط الفرقاء اللبنانيين التفكير في الحد الأدنى من التلاقي بدل إنتظار نتائج الأزمة السورية وبناء الرهانات السياسية أو غير السياسية عليها. وقالquot;تبدو حالة سوريا بمثابة دراما رسمها بدقة شبح الموت في أوبرا دمشقquot;.