تنتشر ظاهرة الزواج المختلط في الامارات، يقبل بها البعض لأنها تعكس الوجه المنفتح للمجتمع الإماراتي الذي يقبل الآخر بكل اختلافاته، بينما يرفضهاآخرون إذ يضعونها في خانة المصلحة الشخصية.


كما كل الشعوب التي اختارت الانفتاح نموذجًا ترفل تحت ظلاله مجالات الاقتصاد والسياسة وشؤون العامة، كان لا بد للمجتمع الإماراتي أن يواجه التحدي الأصعب في حياة الشعوب، أي تقبّل الآخر المختلف والثورة على الأنماط الجاهزة والقوالب الحاضرة سلفًا. ولعل الزواج المختلط بين جنسيتين يمثل ذروة امتحان الانفتاح ورحابة الصدر، خصوصًا أنه تحول ظاهرة منتشرة في الإمارات.

فالبيانات الصادرة عن مركز دبي للإحصاء تشير إلى ارتفاع نسبة هذا النوع من الزيجات ليبلغ عددها 2661 عقد زواج في العام 2011، موزعة في فئتين: 2009 عقود زواج بين مواطن إماراتي وأجنبية، و652 عقد زواج بين مواطنة إماراتية من أجنبي.

في الفئة الأولى، تتصدر أبوظبي الجدول بـ 824 زيجة، تليها دبي بـ 653 زيجة، وتأتي إمارة الفجيرة في المرتبة الأخيرة بـ 36 زيجة. وفي الفئة الثانية، تحتل أبو ظبي الصدارة بـ 489 زيجة تليها الشارقة بـ 68 زيجة بينما لم تسجل دبي أي زيجة تحت هذه الخانة خلال العام المنقضي.

أنماط جديدة

يصف الدكتور في علم الاجتماع الحضري أحمد السماطي هذه الظاهرة بأنها طبيعية جدًا، وهي تندرج بحسب رأيه في نطاق الديناميكية التاريخية للشعوب التي تتأثر ثم تؤثر بدورها في ثقافات أخرى، تتداخل فيها القيم وتتشابك لتخلق أنماط تفكير وتشكيلات اجتماعية جديدة.

يضيف: quot;المجتمع الإماراتي من أكثر مجتمعات الخليج العربي انفتاحًا على الآخر، فيكفي أن نراجع تاريخ المنطقة التجاري لنصل إلى أن الانفتاح النسبي للمجتمع الإماراتي ليس وليد اللحظةquot;.

خلقت حالة الانفتاح هذه اختلاطًا في أماكن العمل والجامعات و في الأماكن العامة، فسح المجال لنشأة علاقات حب يعقبها ارتباط رسمي. كما ساهم ارتفاع مهور الزواج وغلاء التكاليف التي تفرضها الأسر الإماراتية في عزوف عدد كبير من الإماراتيين عن الزواج ببنات بلدهم، إضافة إلى عوامل أخرى من بينها توق الشباب إلى حياة أكثر جرأة و حريةً لن يجدوها لدى البنت الإماراتية، نظرًا لتنشئتها المحافظة. وأشار السماطي إلى أن ارتفاع نسبة زواج النساء الإماراتيات من جنسيات أخرى يرجع إلى تعلم الفتاة واقتحامها مجال العمل، وهي بيئة تجمع خليطًا من الجنسيات قد يفضي إلى تقارب و من ثم إلى ارتباطات مستقبلية.

عبيد الرشيد مواطن خمسيني يرفض تمامًا هذا النوع من الزواج. يقول: quot;معظم الوافدين الذين يتزوجون بحاملي الجنسية الإماراتية يركضون وراء مصالح مادية و مآرب شخصية، والأمر لا علاقة له بالعواطفquot;.

لا تعميم

يلقى زواج المواطنين الإماراتيين من أجانب معارضة شديدة من شريحة إماراتية واسعة، خصوصًا الأسر والنساء الإماراتيات اللواتي يضعن هذا النوع من الزواج في قفص الاتهام، ويحمّلنه مسؤولية ظاهرة العنوسة، التي تتراوح ما بين 60 و68 في المئة تقريبًا.

يعارض مرتضى التويجي، صاحب محلات تجارة في دبي، زواج المواطنين الإماراتيين من الوافدين معللًا موقفه بالانعكاسات السلبية للاختلاط على الهوية الإماراتية، خصوصًا إذا كانت الأم غير عربية. يقول: quot;يجب منع هذا النوع من الزواج، ونحن لم نجنِ من زواج الوافدات إلا المشاكل، والأمر يتعقد بعد إنجاب الأبناء الذين غالبًا ما يذوبون في ثقافة وعادات الأم الدخيلة على مجتمعنا وقيمناquot;.

على النقيض من ذلك، يعتقد البعض أن الزواج مسألة ذاتية وشخصية لا دخل فيه للجنسية أو لاعتبارات أخرى غير التفاهم والتوافق. فهالة كاظم، سيدة إماراتية متزوجة من مواطن مصري-اسكتلندي منذ 10 سنوات، لم تصطدم بأية صعوبات، وقد تقبّل أهلها قرارها بكل رحابة صدر وتفهم. تقول: quot;مؤسسة الزواج ارتباط بين عائلتين وليس بين شخصين، والحمد لله وعائلتي لم تُبدِ معارضة لزواجيquot;.

وتستطرد: quot;توجد حالات يكون فيها الجانب المادي هو الدافع الرئيس وراء الارتباط بشخص حامل للجنسية الإماراتية، لكن من الخطأ تعميم ذلكquot;.

تصحيح قانوني

يبدو أن القوانين الإماراتية حزمت أمرها نحو قبول الأمر واستساغته، خصوصًا في ما يتعلق بتبعات هذا النوع من الزواج على المرأة الإماراتية. ففي السابق، كان زواج الإماراتيات من أجانب محظورًا من دون تصريح رسمي من السلطات المختصة، إضافة إلى التعقيدات في سبيل حصول الأبناء على الجنسية الإماراتية.

في الوقت الراهن، يمكن للمواطنة الإماراتية الزواج من أجنبي، وليس على هذا الأخير سوى الحصول على شهادة حسن سيرة وسلوك من القيادة العامة لشرطة دبي، إلى جانب تعهد بعدم السعي للحصول على الجنسية الإماراتية، فيما يمكن للأبناء الحصول على جنسية الدولة عند بلوغهم الثامنة عشرة، إثر التقدم بمطلب في الغرض وفق الإجراءات والخطوات القانونية المتبعة. وهذه تسهيلات يرى البعض أنها تقلب ظهر المجن لمواقف سابقة أكثر محافظةً، بينما لا يرى فيها آخرون إلا تعديلًا لوضع جانب منطق الأشياء وحاد عن صفة العدل.