تواجه القوات الفرنسية العاملة في مالي الكثير من التحديات، أبرزها كسب ثقة السكان وعدم ترويعهم، وهي وضعية من الصعب تحقيقها في ظل اشتداد القتال في الكثير من المناطق.


رغم تمكن القوات المالية ونظيرتها الفرنسية من فرض كامل سيطرتهم على مدينة ديابالي، التي تواجد فيها المسلحون على مدار عدة أيام، بعدما ظلوا يخبرون السكان هناك بألا يخافوا، إذ أنهم سيستهدفون الأشخاص البيض والجنود الماليين فحسب، إلا أن مجموعة من التحديات والمشكلات مازالت عالقة وتشكل هاجساً مؤرقاً للفرنسيين.

فبينما كان يحاول المسلحون تهدئة ورع السكان، فإنهم كانوا ينقضون عهودهم، بضربهم للمواطنين المسيحيين، وبحثهم عن أي شخص يشتبه في أنه جاسوس عند نقاط التفتيش الموقتة، واحتلالهم للمنازل من أجل النوم وإخفاء الأسلحة الخاصة بهم، ونهبهم للأدوية من المستشفيات وسرقتهم للدواجن من السكان المحليين.

كما كانت تُؤمَر السيدات في بعض الحالات لتغطية وجوههن، وكان يُطلَب من الرجال ألا يدخنوا. غير أن المسلحين لم يفرضوا الصفة المتشددة للشريعة الإسلامية التي يطبقونها في أماكن أخرى في مالي، ما يدل على أنهم كانوا يعرفون أن سيطرتهم على ديابالي ستكون موقتةً، وهو ما أكدته صحيفة واشنطن بوست الأميركية.

غير أن الأوضاع في ديابالي الآن تكشف عن حقيقة التحديات التي تنتظر فرنسا وحلفاءها في الوقت الذي يحاولون فيه التصدي لحركة إسلامية عنيفة قسّمت البلاد لشطرين.

وقد باتت كثير من العقبات قابلة للتوقع لأي جيش تقليدي يقوم بشن حرب في مواجهة أعمال التمرد، لكنها ليست أقل ترويعاً مقارنةً بتكرار حدوثها. وهنا عاود سكان ديابالي ليقولوا إن المسلحين اخترقوا ديابالي تماماً أثناء فترة إقامتهم القصيرة هناك، وحولوا مدينتهم الصحراوية التي يقطنها 24 ألف شخص لدرع بشري ممتد.

وقال سليمان دامبيلي، 56 عاماً، وهو طبيب بيطري، بينما كان يشير باتجاه منزل قريب في الحي الذي يقطنه quot; كانوا يضعون مدافع كبيرة فوق السطح لاستهداف الطائراتquot;.

وأضاف السكان كذلك أنه ورغم دقة الغارات الفرنسية، إلا أنها كانت تنتهي في الأخير على نحو غير مريح بالقرب من منازل المدنيين. ولفتت واشنطن بوست هنا إلى أن بارنابي داكو، 63 عاماً، وأسرته، كانوا نائمين حين دمرت غارة جوية شاحنتين خاصتين بالمتمردين في الشارع خارج المنزل الذي يقيمون فيه. وقد ارتطمت الشظايا بالجدران، وألقيت جثتا اثنين من المسلحين على مقربة من أحد الأبواب.

وقد تجمع أفراد الأسرة مع بعضهم البعض طول الفترة المتبقية من تلك الليلة المخيفة، حتى اتخذوا قراراً في الأخير بالهروب من ديابالي في ساعات الصباح الأولى.

وقال فرانسوا داكو عن تلك الليلة quot;لم نأخذ شيئاً معنا. وكنا نركض فحسبquot;. ومن الجدير ذكره أن المتطرفين يهيمنون على مناطق شاسعة من الأراضي المالية منذ قرابة العام، وقد استفاد المقاتلون الإسلاميون في آذار/ مارس الماضي من الانقلاب العسكري وحركة التمرد التي قام بها انفصاليو الطوارق لفرض سيطرتهم على النصف الشمالي.

وأشار سكان ديابالي، التي تقع على بعد حوالي 250 ميلاً فقط شمال شرق العاصمة، إلى أن الجنود الماليين اصطدموا بالمسلحين، ثم انسحبوا من المنطقة. ومع أن مسؤولي الجيش المالي سبق لهم أن أوضحوا أن القوات الخاصة الفرنسية كانت تقاتل المسلحين أيضاً في ديابالي، فلم يشاهد السكان أي جنود فرنسيين حتى بعدها بأيام.

وأضاف السكان أنه لم يتم قتل أي من المدنيين في الغارات الجوية، رغم أنها كانت تقع قرب المناطق التي يقطنها مدنيون. لكن أعمال الدمار التي قام بها المسلحون كانت واضحة للغاية بداخل إحدى الكنائس، حيث تم تهشيم صليب خشبي لنصفين، وتم إطلاق الرصاص على السقف، وتم وضع صفحات الكتاب المقدس على أرضية خرسانية.