ظنّ بعض المراقبين الفرنسيين أن إسلاميي مالي سيتقهقرون سريعًا أمام ضربات القوات الفرنسية، لكن هذه القوات تواجه تحديًا كبيرًا يتمثل في عداوات مستحكمة بين الجيش والاسلاميين والطوارق.

عندما بدأت فرنسا حربها ضد الإرهاب، أعلن مسؤولون فرنسيون بجرأة أن الإسلاميين الذين يعتزمون طردهم من شمال مالي سوف يتبعثرون في مواجهة قوتهم القتالية الحديثة. لكن بعد أسبوعين على هذا الكلام، اتضح أن الواقع مغاير للتوقعات. فبالرغم من أن القوات الفرنسية قصفت الأهداف الإسلامية، إلا أنها تواجه مشهدًا عسكريًا أكثر تعقيدًا مما كان يبدو عليه في البداية، مما يثير تساؤلات حول الأهداف طويلة الأجل للحملة الفرنسية.
وفي غياب استراتيجيا واضحة للخروج، تواجه القوات الفرنسية مجموعة من المشاكل. فالحكومة المؤقتة في مالي ضعيفة، وجيشها غير منظم. كما أن تدخل القوة الأفريقية التي طال انتظارها يبدو بعيدًا. وتقلق فرنسا تحديدًا بشأن مقتل المدنيين، بالرغم من أنه من غير الواضح من هم هؤلاء المدنيين وأين يكمن تعاطفهم في ظل الخصومات العرقية والدينية والإقليمية.
عامل الطوارق
الجيش المالي، الذي سعت فرنسا لتعزيز قدراته القتالية، متهم بارتكاب انتهاكات ضد الطوارق، الذين أدى تمرهم في آذار (مارس) الماضي إلى انقسام أفريقي. ويخشى المراقبون من أن يضعف التأييد الشعبي للتدخل العسكري في فرنسا، ما سيعرقل قدرة فرنسا على تجنيد ميليشيات الطوارق العلمانية لمحاربة الاسلاميين.
إلى ذلك، ظهرت ميليشيا جديدة من الطوارق بعد انقسام مجموعة أنصار الدين في مالي. وقال الغباس حج انطالا، قائد الجماعة الجديدة، إن الحركة التي تطلق على نفسها اسم الحركة الإسلامية لأزواد مستعدة للتفاوض.
قد يجد الجنود الفرنسيون أنفسهم وسط التوترات المتزايدة بين الطوارق والشعب المالي. كما واجهت القوات الفرنسية صعوبات جمة في طرد المقاتلين الاسلاميين من مدينتي كونا وديابالي في وسط مالي. وأوضح كبار المسؤولين الفرنسيين انهم يريدون تجنب سقوط ضحايا من المدنيين، لكن الزعماء المسلمين والمقيمين في ديابالي والمناطق المحيطة بها تحدثوا عن صورة أكثر تعقيدًا للعقبات التي تواجهها فرنسا، بما في ذلك التعاطف مع الإسلاميين.
أفغانستان جديدة
تدور استراتيجية فرنسا حول حماية باماكو، عاصمة مالي، والثلث الجنوبي من البلاد، ثم دعم القوات الافريقية لإستعادة المدن الشمالية التي يسيطر عليها الإسلاميون، مثل تمبكتو وغاو وكيدال. لكن هذه المهمة تصبح أكثر صعوبة على المدى الطويل، فالقوة الافريقية ليست مستعدة بعد لممارسة الدور الموكل اليها، إذ أرسل نحو ألف جندي من خمسة دول أفريقية إلى مالي، من أصل نحو ثلاثة آلاف جندي، وفقًا لوزارة الدفاع الفرنسية.
بناء على هذه المتغيرات، يقترح بعض المختصين في باريس أن تتقدم القوات الفرنسية باتجاه الشمال والمدن الرئيسية في المنطقة بدلًا من الجلوس على خط الجبهة في انتظار الأفارقة. وكتب إيف ثريرد في صحيفة لوفيغارو الفرنسية: quot;الخوف من أفغانستان جديدة يطارد عقول الناس، وما يجعل هذه المخاوف أكثر خطورة هو قيام جنودنا وحيدين بمطاردة الإرهابيينquot;.

عداوات مستحكمة
يدل ما حدث في ديابالي على عمق الاختلافات الدينية التي تقسم الجيش المالي، قال السكان إن الوفيات كانت أحد الأسباب التي دفعت بالجهاديين إلى استهداف المدينة، كما قال زعيم القبائل في ديابالي عبد الله دانغون: quot;يقول بعض الناس إن ما حدث كان نوعًا من الانتقام للدعاة الذين قتلهم الجيشquot;. ففي ليلة 8 أيلول (سبتمبر) الماضي، أوقف الجنود حافلة قادمة من موريتانيا المجاورة، فيها 17 رجل دين من أعضاء حزب الدعوة، وهي جماعة إسلامية سلمية، وقتلوا الجميع باستثناء رجل دين واحد، وفقًا لناشطي حقوق الإنسان.
اشتبك الجيش المالي مع الاسلاميين، لكنه تراجع قبل بدء الضربات الجوية الفرنسية. وفي اليوم الذي هاجم فيه المتشددون، قتل جنديان في مالي فحدث انقسام بين السكان على الجثث، إذ أراد البعض رميها في القناة فيما طالب البعض الآخر بدفنها.
الثقة مفقودة
في دونغول، وهي بلدة على بعد 15 ميلًا من نيوينو، قتل جنود ماليون أحد رجال الطوارق وابنه في الأسبوع الماضي، وفقًا لمنظمة هيومن رايتس ووتش. وذكر الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان في باريس أن القوات المالية أعدمت أكثر من 30 شخصًا يشتبه في قيامهم بمساعدة الجهاديين، بما في ذلك الجنود الطوارق الذين انشقوا عن الجيش الفرنسي.
جماعات الطوارق تعتبر أمرًا حيويًا بالنسبة إلى فرنسا، التي تحتاج إلى مساعدتهم في التنقل في التضاريس الصحراوية الشاسعة من الشمال، إضافة إلى جمع معلومات استخباراتية وكسب تأييد السكان المحليين.
لكن كثيرين في الجيش المالي لم ينسوا أن مقاتلي الطوارق، الذين عادوا أخيرًا من ليبيا مع مخزون وفير من الأسلحة والشاحنات الصغيرة، ساعدوا على دفع الجيش إلى شمال مالي.
وقال العريف مامادو كوني، وهو جندي مالي في ديابالي من الطوارق: quot;لا يمكنك أن تثق بشخص يقاتل ضدكquot;.