يتساءل الفرنسيون، ومعهم العالم، في أي خندق ماليّ يقاتل القطريون، لكنهم ينسجون العلاقات مع الجميع للاستفادة مستقبلًا من موارد مالي النفطية والمعدنية، على الرغم من أن التقارير تؤكد أن المتشددين الاسلاميين يعيشون على المال القطري.


لندن: أثناء وجود الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند في أبو ظبي نهاية الأسبوع الماضي، سمع من القيادة الاماراتية كلامًا أفرحه، لقد عبروا عن دعمهم المطلق للحملة الفرنسية على الجماعات الاسلامية المتشددة في مالي. ولم يكن هذا الدعم مستغربًا ولا مستبعدًا، بالنظر إلى المواقف الاماراتية المتعددة التي صبّت دائمًا في غير صالح الاخوان المسلمين في مصر، خصوصًا على لسان ضاحي خلفان، قائد شرطة دبي.

مخاوف خليجية

هذا الدعم سيطلبه الفرنسيون ثانية من دول الخليج، إذ كشفت مصادر مطلعة لـquot;إيلافquot; عن زيارة يقوم بها مبعوث فرنسي خاص من قصر الإليزية للعاصمة السعودية الرياض يوم السبت المقبل، من دون الكشف عن أسبابها أو مضمون الرسالة التي ينقلها من هولاند إلى القيادة السعودية. لكن المرجح أن تدور المحادثات حول الموقف المتأزم في مالي.

وأضافت هذه المصادر لـquot;إيلافquot; قائلةً إن دول الخليج العربي تقف إلى جانب فرنسا في حربها على الارهاب، لأنها تقف بشكل عام ضد كل تشدد أو تهديد لأمن أي دولة من دول العالم. إلا أن المصادر نفسها لفتت إلى أن ما يجري في شمال أفريقيا يثير مخاوف كبيرة في القيادات الخليجية من أفغنة مالي، وتحولها إلى جرح إسلامي نازف آخر في العالم. وتضاعفت هذه المخاوف بعدما ضرب الارهاب في الجزائر، مع أزمة الرهائن التي انتهت بمجزرة أليمة، ما يهدد بنقل الصراع إلى أفريقيا، حيث الثروات والمعادن الممتدة من اقصى الغرب الى اقصى الشرق الأفريقي.

في أي خندق؟

لكن، في خضم كل أزمة، إبحث عن قطر. فبعدما فاح طيب المال القطري الذي وضع في تصرف الاسلاميين في مصر وتونس إبان ثورتي الياسمين و25 يناير، وبعد الدعم القطري العلني لمن ثاروا على الزعيم الليبي المقتول معمر القذافي، وبعد حمل رئيس الوزراء القطري حمد بن جاسم لواء توحيد المعارضة السورية، ها هي قطر، الصغيرة بمساحتها والكبيرة بنفطها وغازها وطموح حكامها، تطفو على سطح النزاع في مالي.

ويتساءل المراقبون فعليًا في أي خندق يقف القطريون في شمال أفريقيا. فهل يدعمون الحكومة المالية ومن أتى لمساندتها من فرنسيين وأميركيين ودول غرب أفريقيا، أم يوفرون هذا الدعم للجماعات الاسلامية القابضة على روح مالي، من التابعين لتنظيم القاعدة، خصوصًا تنظيم القاعدة في المغرب الاسلامي وأنصار الدين والطوارق؟

خلال الصيف الماضي، كانت قطر حاضرة بقوة في المشهد المالي من خلال العمل الانساني، كإعلان الهلال الأحمر القطري تخصيص زهاء 1.6 مليون دولار للإغاثة الإنسانية في مالي، رصدت لمساعدة أهالي المناطق التي يسيطر عليها المتشددون الاسلاميون. إلا أن هذا الحضور كان مكشوفًا، حتى نقلت إحدى المجلات الفرنسية عن عمدة بلدة غاو المالية قوله: quot;الحكومة الفرنسية تعرف تمام المعرفة من يمول الارهابيين والاسلاميين في شمال مالي، كقطر على سبيل المثالquot;.

ونقلت تقارير صحفية عن خبراء تأكيدهم أن القطريين أرسلوا مجموعات من القوات الخاصة إلى شمال مالي لتدريب بعض الجماعات هناك، خصوصًا جماعات أنصار الدين، تمامًا كما أرسلوا مجموعات مشابهة لقيادة القوات المعارضة للقذافي في معركة إسقاطه.

استفادة متعددة الأوجه

يبقى هذا الكلام حتى اللحظة في خانة التكهنات، إذ لا قرائن دامغة على تمويل قطري للاسلاميين في مالي، بل حضور إنساني ممثل في الهلال الأحمر القطري، يعين المنكوبين بدافع شرعي إسلامي لا أكثر.

إلا أن مهدي لازار، المحلل السياسي الفرنسي، يصل بين النقاط القطرية على الخريطة الأفريقية، من إخوان مصر إلى إسلاميي تونس إلى الوساطة في مسألة دارفور إلى المشاركة الفعلية في القتال ضد القذافي، فلا يقنع بحجة العمل الانساني القطري في مالي. ويرى أن إثبات تورط حكومة بن جاسم في تمويل أو تدريب الاسلاميين الماليين يؤدي إلى نتائج لا تحمد عقباها. فالتورط بهذا الشكل يمنح قطر بعض السلطات في شمال أفريقيا، لكنه يضعها أيضًا في دائرة الخطر. حتى لو اختارت أن تكون وسيط خير بين السلطات المالية والمتمردين من طوارق في الشمال وإسلاميين في الجنوب، فإنما تختار الاستفادة من وضع مالي المرتبك.

كما تسعى قطر إلى تسخير استفادتها هذه في اتجاهات ثلاثة: الأول، توطيد تأثيرها في مصر وليبيا وتونس، تمامًا كما تفعل في سوريا؛ والثاني منافسة السعودية على الامساك بجهاز التحكم بالعالم الإسلامي السني؛ والثالث، تقوية الشكيمة السنية بوجه التمدد الشيعي الذي يقوى أكثر فأكثر مع صمود تحالف إيران ndash; سوريا ndash; حزب الله، ومع صعود نجم شيعة العراق.

استباق اقتصادي

من الناحية الاقتصادية، ترى قطر في مالي القوة النفطية القادمة، التي ستحتاج بالتأكيد لمن يطور بناها التحتية الخاصة باستخراج النفط وتكريره... وهذا هو الميدان الذي تتقن قطر اللعب فيه، بل هو ميدان تخصصها.
ومنذ الآن، تزرع قطر نفسها في مالي المضطربة، وتوثق علاقاتها بالحكومة المالية وبالجماعات الاسلامية الثائرة في آن واحد، لاعبة دور الوسيط بينهما، لتكون على سلام مع أي دولة تقوم على التراب المالي، فتستطيع التحكم بما تحت التراب من مناجم ذهب وأورانيوم ونفط.

إلى ذلك، تشكل مالي بوابة على الغرب الأفريقي، حيث ترسخ قطر وجودها الاقتصادي المؤثر، من خلال شراء الأراضي الزراعية الشاسعة والغنية بالموارد الأولية، ومن خلال بناء المساجد. لكن عامل الجذب الاقتصادي لا يقتصر على قطر وحدها، فقد أفادت مصادر مطلعة لـquot;إيلافquot; أن الصين تعد العدة لتدخل على خط الأزمة في مالي، استجابة لأطماعها في أفريقيا، خصوصًا أن الموارد الاقتصادية التي تؤمنها القارة الأفريقية تعينها في صراعها مع الولايات المتحدة الأميركية.

والجدير بالذكر هنا أن العلاقات الصينية الأفريقية مزدهرة منذ زمن بعيد، والوجود الصيني في أفريقيا ليس جديدًا، خلافًا للعرب الذين أهملوا القارة السمراء، جهلًا بمواردها الغنية وبأهميتها الاستراتيجية، الأمر الذي تنبه إليه القطريون حديثًا.