في أول يوم من شهر شباط/ فبراير عام 2011، وبينما كانت قوات الشرطة عاجزة عن السيطرة على التظاهرات المتزايدة، خرج مبارك بخطاب في وقت متأخر من الليل ليعلن فيه أنه لن يترشح لولاية أخرى. وهو الخطاب الذي قال عنه وزير الخارجية وقتها أبو الغيط في مذكراته quot;تم بث الخطاب في وقت متأخر.. ثم نمت بعدهاquot;، وهي الجملة التي جاءت لتعكس الإحباطات التي كانت تهيمن على كثير من المتظاهرين.


استيقظ أبو الغيط بعدها بمكالمة هاتفية من جمال مبارك، حيث أخطره بأن الخطاب أثار quot;روحاً جديدةًquot;، وتسبب في ظهور quot;تعاطف شعبيquot; مع الرئيس مبارك.

لكن جمال كان مبالغاً بشأن التغيير الذي كان يراه، حيث تلقى أبو الغيط في اليوم التالي الموافق فيه 2 شباط/ فبراير مكالمة من أحد الأقرباء، يقول له فيها quot;سوف يحرقون البلاد، وستزول وحدة مصرquot;، وذلك تعقيباً من جانبه على المشاهد التي تابعها عبر التلفاز بقدوم حشود بالأحصنة والجِمال متوجهة صوب ميدان التحرير.

كانت تلك هي بداية ما عرف في ما بعد بـ quot;معركة الجملquot;، تلك المحاولة الفاشلة من جانب أنصار النظام لإخلاء الميدان بأي طرق ضرورية، وهي الواقعة التي أسفرت عن مقتل 11 مصرياً وإصابة أكثر من 600 آخرين. لكن الواقعة كانت كذلك بمثابة البداية لنهاية نظام مبارك. وبعد اتصال تم بينهما بهذا الخصوص، اتفق أبو الغيط وعمر سيلمان على أن مبارك لم يعد أمامه أي خيار سوى التنحي عن منصبه.

أقرأ في quot;إيلاف الجزء الأول من التقرير
مبارك كان سلبياً ونجله جمال لم يفارقه في آخر أيام حكمه

مع هذا قال سليمان إنه لن يقول ذلك بشكل علني، حيث سيُتَّهم بإجبار مبارك على الرحيل من أجل الوصول هو إلى السلطة. ومن هنا بدأت التصدعات تتسع داخل نظام الحكم المصري على وجه السرعة.

وتذكر أبو الغيط في الإطار نفسه محادثة كان قد أجراها مع سليمان، وأخبره خلالها رئيس المخابرات السابق أن quot;هناك خطة حقيقية لجعل جمال هو الرئيس، لكن أجهزة الأمن الوطنية لن توافق على ذلك، وأنا لن أعمل لمصلحة جمال. وهم يريدون التخلص مني، وقد بذلوا الكثير من الجهد في هذا الصددquot;. وأشار أبو الغيط من جانبه إلى أنه يعتقد أن سليمان كان يقصد سوزان مبارك.

ولفتت مجلة فورين بوليسي الأميركية إلى أن تلك المحادثة ربما تضمنت إشارة كذلك إلى سر توجيه المؤسسة العسكرية انتقادات لسليمان عقب سقوط مبارك. وأشار رئيس المخابرات السابق إلى وجود خلاف بينه وبين طنطاوي بخصوص جمال، مضيفاً أنه في حال أصبح جمال رئيساًَ للبلاد، فإن طنطاوي فقط هو من سيعمل معه.

بحلول 9 شباط/ فبراير عام 2011، كان من الصعب الدفاع عن موقف مبارك. وفي ذلك اليوم، التقى حسام بدراوي، واحد من أبرز مسؤولي الحزب الوطني الحاكم وقتها، بالرئيس مبارك، وقال له quot;سيدي الرئيس، أرى أمامي الآن صورة نيكولاي تشاوشيسكوquot;، مشيراً إلى الديكتاتور الروماني، الذي كان صديقاً لمبارك، والذي تم إعدامه رمياً بالرصاص أثناء الثورة المناهضة للشيوعية في البلاد.

فرد عليه مبارك متسائلاً: quot;هل تقصد أنهم سيقتلونني؟quot;، فرد بدراوي quot;ربما نعمquot;، فقال له مبارك quot;إذن أنا مستعد لأن أموت من أجل بلديquot;. وبعدها أشار بدراوي إلى أن مبارك سرعان ما مال إلى انتهاج مسار أفضل، بموافقته على نقل السلطة إلى سليمان وتمهيد الطريق لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة. وحتى مع تعثر النظام، سعى جمال إلى أن يقوم بمحاولة أخيرة لإبقاء والده في السلطة.
وأعلن مبارك يوم 10 شباط/ فبراير أنه سيدلي بخطاب آخر، كان يُتَوقَّع أن يعلن فيه خبر تنحيه. لكن الخطاب بدا محاولة جديدة لاستمالة المتظاهرين، لكن العكس تماماً هو ما حصل، حيث صُدِم الناس بعدما رأوا أن مبارك يحاول التشبث بالسلطة، وخرجوا إلى الشوارع بأعداد غفيرة في 11 شباط/ فبراير، تحت شعار quot;جمعة الرحيلquot;.

وقال أبو الغيط إنه قضى ذلك الصباح في مكالمات مع سليمان وشفيق، محاولاً التفاوض من أجل إيجاد مخرج لمبارك. وأخبره سليمان بأن الرئيس سيعود إلى منزله في شرم الشيخ قبل صلاة ظهر ذلك اليوم.

وفي محاولة لإنقاذ الموقف، استدعى سليمان الوزير أبو الغيط لحضور اجتماع في قصر الاتحادية في القاهرة في تمام الساعة الواحدة ظهراً. مع هذا فقد كان يحاصر المتظاهرون القصر، وقد حذر الجيش وقتها من أنه قد يتعرّض للاقتحام في أية لحظة، وأنه يتعيّن على المسؤولين أن ينتقلوا إلى قاعدة عسكرية قريبة.

وقتها، والكلام على لسان أبو الغيط، quot;توصلت في الأخير إلى نتيجة منطقية: وهي أن الأمور قد تغيرتquot;. وقد كشفت محادثة ثلاثية جمعت بين مبارك وسليمان وطنطاوي عن الخلافات بين المسؤولين، الذين كانت تربطهم علاقات متينة في السابق. حيث تلقى سليمان أولاً مكالمة من مبارك، بعد وصوله إلى شرم الشيخ، كلفه خلالها بأن يخطر طنطاوي بأن السلطة قد انتقلت إليه لكي يشرف على إدارة البلاد. لكن حالة من الحيرة هيمنت على طنطاوي بعد تلقيه ذلك الخبر. وقال أبو الغيط quot;فهمت من المكالمة أن طنطاوي لا يريد وضع الجيش في هذا المنصبquot;.

ثم أخبر سليمان الرئيس مبارك بأنه يحتاج التحدث مباشرةً مع طنطاوي. وفي الأخير، توجّه هو وشفيق بصورة شخصية إلى مقر وزارة الدفاع لإخطار طنطاوي بدوره الجديد. وبعدها خرج سليمان بالكلمة التي مهدت لأولى خطوات مصر بعد مبارك.