تتراجع العمارة التراثية في المدن العراقية أمام هجوم الأبنية المعدنية والأسمنتية الحديثة، بسبب الهدم العشوائي والتوسع العمراني غير المنضبط، وبسبب سهولة استخدام الكابوند ومعدن الألمنيوم لتغطية واجهات الأبنية القديمة بدلًا من ترميمها.


وسيم باسم من بغداد: في الوقت الذي تختفي فيه المعالم التاريخية في بغداد بسبب الإهمال والتقادم، فإن ظاهرة جديدة تسهم في انحسار الواجهات الأثرية والتراثية والتاريخية، نتيجة استخدام واجهات الألمنيوم والبلاستيك ذات الألوان الزاهية والديكورات الجذابة، لتغطية الكثير من المباني، وحتى واجهات المؤسسات الحكومية.

يتوقع المهندس المعماري والناشط في التراث سمير حامد أن تفقد مدن العراق معالمها التراثية، بسبب تحديث وتجديد المباني بواجهات الكابوند، وسيحول ذلك دون تجديد الكثير من الواجهات التراثية.

لا شناشيل ولا زخارف
بحسب المصمم عصام شاكر، الذي يعمل في مكتب الربيعي للتصميم والديكور، فإن المصممين يستخدمون صفائح الكابوند، وهي عبارة عن قطع سميكة من الألمنيوم، مبطنة بمادة عازلة لتغليف واجهات المنازل والعمارات والفنادق والمتاجر.

ويتابع: quot;صفائح الألمنيوم هي بديلٌ من تقنيات تغطية الأبنية وعمليات الصقل التقليدية بالأسمنت والجص، لأنها رخيصة وسهلة التطبيق، كما تعطي بعدًا جماليًا جاذبًا وبألوان ملفتةquot;.

بدلًا من تجديد المباني بموجب مواصفات علمية تحفظ أصالة المبنى، تنتشر عمليات الترقيع بالصفائح، ما يساهم في اختفاء الكثير من ملامح الأصالة في بغداد وبقية المدن العراقية، التي فقدت عماراتها الكثير من المعالم التاريخية، من شناشيل وزخارف، بسبب أعمال الهدم العشوائي والتوسعات غير المنضبطة، لتقام على أنقاضها مبانٍ أسمنتية غزت مدن العراق.

يقول شاكر: quot;ترتفع في مدن العراق المباني الأسمنتية المشيدة حديثًا، وبعضها مغلف بصفائح وألوان براقة، وبجانبها الكثير من المباني القديمة الآيلة للسقوط، لا تُرمّم على الإطلاق، بل تُترك لتُهدم، وتحلّ محلها أخرى جديدةquot;.

لا يخدم التجارة
بحسب المقاول جعفر صالح، فإن تقنية الصفائح صارت مفضلة، ليس في العراق فحسب، بل في دول الخليج أيضًا، باعتبارها أحد الحلول الناجعة لمشكلة تلوث وتراكم الأوساخ على واجهات المباني. اعتاد العراقيون استخدام الطابوق الناري والمرمر، إضافة إلى أنواع الدهانات الخاصة والنثر بالجص لتجميل واجهات البيوت والمباني.

يضيف صالح: quot;أمانة بغداد هي الوحيدة الساعية إلى إدامة المباني التاريخية. أما على مستوى المواطن، فإن الاهتمام بالمباني القديمة غائب تمامًاquot;.

ما أن اشترى المواطن أحمد عيسى بيتًا قديمًا في محلة الجامعين التراثية، وعمره أكثر من مائة عام، وكان يحتوي على شناشيل في غاية الجمال والدقة، حتى شرع في هدمه بدلًا من ترميمه، لإقامة محال تجارية وشقة على أنقاضه. يقول: quot;أدرك أهمية هذا البيت، لكنّ بقاءَه على حاله لا يخدم مصلحتي في التجارةquot;.

وفي مثل هذه الحالات، يتوجب على الدوائر البلدية وضع المحددات والضوابط والشروط الفنية والقوانين الصارمة، التي تحول دون هدم المعالم التراثية.

استبدالها ممكن
تضم غالبية مدن العراق أحياء شعبية، ذات بصمات معمارية بملامح تراثية أصيلة حافلة بالتفاصيل والأحداث التاريخية، لكنها تُهدم لتُشيّد بدلًا منها مرافق عصرية البناء.

لكن هناك الكثير من مؤيدي تقنيات الديكور العصرية، أحدهم المصمم رسول الخفاجي، الذي يثني على التقنيات العصرية في تقليل كلف البناء والترميم، إضافة إلى أنها سهلة العمل، ولا تتطلب وقتًا طويلاً في الإنجاز، ناهيك عن أنها أكثر قدرة على مقاومة الظروف الجوية القاسية، وخصوصًا في فصل الصيف.

يقول الخفاجي: quot;من الممكن استبدال الصفائح المتضررة في أي وقت وبجهد وبكلفة أقل، ناهيك عن كونها موضة جميلة وتنويع بصريquot;.

ينطلق الخفاجي في وجهة نظره هذه من المصلحة الاقتصادية، معترفًا أنه لا يعبأ بالتنظير الذي يدعو إلى المحافظة على التراث.
يضيف: quot;نحن تجار، ونبحث عن الربح عبر الاتفاق مع أصحاب البيوت والعقارات، ولا يقع ضمن مسؤوليتنا الحفاظ على التراث والمعالم التاريخيةquot;.