دخلت العلاقات الأميركية المصرية في نفق مظلم منذ وقف الولايات المتحدة لجزء كبير من مساعداتها، ويفسر وزير الخارجية المصري نبيل فهمي اسباب توتر العلاقة، ويدعو إلى حوار رسمي مشترك بين البلدين لحل الأزمة.


القاهرة: تشهد العلاقات الأميركية المصرية توترًا غير مسبوق منذ عزل الجيش للرئيس محمد مرسي استجابة لمطالب شعبية وفض اعتصامات الاخوان المسلمين المطالبين بعودة ما يسمونه بـquot;الشرعيةquot;، وما تبعه من تجميد الولايات المتحدة الأميركية لجزء كبير من مساعداتها إلى القاهرة، لكن وزير الخارجية المصري نبيل فهمي يعتقد أن بلاده قادرة على مواجهة تداعيات العلاقة مع أميركا، وهو يقول إن العلاقات المصرية الأميركية تشهد تغييرًا وتمر بحالة من عدم الاتزان منذ 1996، عندما خالفت إدارة الرئيس كلينتون التزامًا أميركيًا سابقًا بأن تكون القوات المسلحة المصرية أولى المؤسسات العسكرية في المنطقة العربية المتلقية للتكنولوجيا العسكرية الحديثة، وكان هذا بمثابة رد فعل أميركي على مساندة مصر للرئيس عرفات والشعب الفلسطيني في مفاوضات صعبة مع إسرائيل. واهتزت هذه العلاقات مرة أخرى في أعقاب احداث11 سبتمبر2001، وسياسات الرئيس بوش الابن، خاصة مع محاولات البعض داخل إدارته إعادة رسم خريطة المنطقة العربية.
وتابع فهمي خلال حوار مع صحيفة الأهرام: quot;ثم اهتزت هذه العلاقات ايجابيًا مع صحوة الشعب المصري بثورة 25 يناير2011، لأنها أعادت إلى مصر احترامها وقدراً كبيرًا من ثقلها السياسي، فأعلن الرئيس أوباما انبهاره بالشباب المصري قبل أن يتساءل علنًا بعد ذلك عمّا إذا كانت مصر صديقًا للولايات المتحدة. ثم اخيرًا بعد الثورة التصحيحية في 30 يونيو2013 أعلن الرئيس أوباما أن التطورات المصرية لا تسمح باستمرار إدارة العلاقات المصرية الأميركية بنفس النمط الماضي وكأنّ شيئًا لم يحدث، وتبع ذلك خطاب الرئيس أوباما في الجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي شمل بعض الجوانب الايجابية خاصة اعترافه بصوت الشعب المصري، وهو ما قوبل باستحسان من الرأي العام المصري، ومع هذا عبرت من جانبي عن تحفظات على بعض جوانب من الخطاب، بل ووصفت العلاقة المصرية الأميركية حينذاك بأنها مضطربة. قصدت شرح كل ذلك لأوضح أن حالة عدم الاستقرار التي تسود العلاقات ليست وليدة اليوم، أو فقط بسبب قرار أميركي غير صائب بالتأجيل الموقت للوفاء ببعض جوانب المساعدات الأميركية لمصر.quot;
quot;لن نبيع انفسناquot;
ويضيف وزير الخارجية المصري: quot;والحقيقة أن المشكلة تعود لما قبل ذلك بكثير، وسببها أن اعتماد مصر على المساعدات الأميركية طوال ثلاثين عامًا جعلنا نختار البديل السهل ولا ننوع خيارتنا، كما أن توفير هذه المساعدات على مدى ثلاثة عقود دفع الولايات المتحدة إلى المبالغة في الافتراض خطأ بأن على مصر التماشي دائمًا مع سياساتها وأهدافها. وأدى ذلك إلى سوء تقدير من كليهما بمصالحهما واضطراب العلاقات كلما اختلفا حول مواقف محددة. ولم أفاجأ بالموقف الاميركي الأخير للأسباب التي شرحتها خلال مراحل منذ منتصف التسعينيات، وكذلك لان الرئيس اوباما ذكر لي شخصياً ما كان يعتزم قوله في بيانه أمام الجمعية العامة قبل ذلك بيوم، كما أبلغتنا الخارجية الأميركية بالقرار الخاص بالمساعدات قبل صدور البيان الأميركي الأخير، كما تم إبلاغ الفريق أول السيسي به من نظيره الأميركي هيغل. ازاء كل ذلك جاء الرد المصري كما ورد في بيان وزارة الخارجية بأن القرار الاميركي غير صائب من حيث المضمون والتوقيت، وان مصر ستؤمن احتياجاتها المرتبطة بأمنها القومي بشكل مستقر ومتواصل، فنحن الان في مرحلة حساسة تعكس حالة اضطراب في العلاقات ومن يقول غير ذلك ليس صادقًا quot;.
حرية القرار المصري
لكن الوزير نبيل فهمي يعتبر في الوقت ذاته أن الإضطراب الحالي في العلاقات المصرية الأميركية هو الأكثر خطورة مما مضى، ويقول: quot;انه يأتي في مرحلة دقيقة في تاريخ مصر، بل مرحلة بالغة الحرج في مستقبل الشرق الأوسط بأكمله، فنجاح مصر، وهو قادم، سيكون نجاحًا للمنطقة، وامتداد مرحلة عدم الاستقرار سينعكس سلبًا على المنطقة بأكملها، بما فيها المصالح الأميركية. في نفس الوقت لا أشعر بقلق كبير من هذا الاضطراب الحالي في العلاقات، فالشعب المصري لن يتردد في تحمل تبعات الموقف حفاظًا على حرية قراره بعد ثورتين إذا وصل الأمر إلى ذلك، كما أن صحوة الشعب المصري ستدفع مختلف دول العالم إلى مراجعة موقفها، وتقدير أمورها والتعامل معنا باحترام وندية أكبر خاصة مع نجاحنا في بناء دولتنا الديمقراطية، بل أضيف على ذلك أن حالة الاضطراب هذه ستخدم البلدين مصر والولايات المتحدة لأن كليهما سيعيد حساباته ويقدران علاقاتهما بشكل أفضل مستقبلاً. فالولايات المتحدة ستظل تهتم وتتعامل مع مصر لأنها قلب وعقل العالم العربي، وستهتم مصر وستتعامل مع الولايات المتحدة لأنها الدولة العظمى الرئيسية في العالم، وقد أكدت الدولتان ذلك في بياناتهما المختلفة في الأسابيع الأخيرة ارتباطًا بمسألة المساعدات الأميركية لمصر. وكخطوة مبدئية أولى لتقويم الموقف، أرى أهميةقيام كل من الجانبين بإجراء تقدير موقف وتقييم وطني داخلي لعلاقة كل منهما بالآخر، على أن يتبع ذلك إجراء حوار مصري أميركي رسمي حول علاقاتهما المستقبلية، لأن العلاقات مهمة لكليهما وكانت مفيدة لهما في جوانب كثيرة، وسيظل الامر كذلك، وإنما ستشهد العلاقات تغييرًا ــ سواء رضينا أم أبينا ــ كما سأعمل على تحقيقه بصرف النظر عن مسألة المساعدات، فمن مصلحة كل منهما حسن إدارة علاقاته بالآخر. ومرة أخرى أكرر أن هذا كان موقفي حتى قبل انضمامي للحكومة وتعييني وزيراً، وهو ما ذكرته في أول مؤتمر صحفي ليquot;.
الاتجاه إلى روسيا
وإن كانت السياسة الخارجية المصرية تتجه نحو الشرق من خلال تعزيز العلاقات مع موسكو، قال الوزير المصري: quot;تتجه السياسة الخارجية المصرية إلى التنوع الدولي شرقًا وغربًا شمالاً وجنوبًا مع الدول المؤثرة سياسيًا الآن ومستقبلاً في إطار تفكير استراتيجي، مع تقدير واعٍ لاحتياجاتنا وتوجه مستقبلي طموح، والسياسة الخارجية الفاعلة لأي دولة تسعى دومًا لتنويع وتوسيع البدائل والخيارات أمامها. وفي أعقاب ثورة الثلاثين من يونيو أصبح من المحتمل أن تكون علاقاتنا بالخارج علاقة بين شركاء حقيقيين، وذلك من منطلق توسيع البدائل المتاحة تعظيمًا للمصالح الوطنية المصرية، وليس بهدف استبدال طرف دولي بطرف آخر. هذا هو ما دفعنا إلى إعادة توثيق العلاقات مع روسيا، وهي علاقات لها جذور عميقة، وكذلك تنويع العلاقات مع القوى الاقتصادية البازغة. ولا يجب أبدًا أن نعتبر أن تعزيز العلاقات مع دولة ما يأتي على حساب دولة أخرى، فسياسة مصر الخارجية تتسم بالنضج والتعقل وعدم الانسياق وراء انفعالات موقتة، كما أننا لا ننتهج سياسة المحاور أو التحالفات الموجهة ضد أطراف أخرى لا على المستوى الإقليمي ولا الدولي. فالعلاقات مع روسيا في حد ذاتها للطرفينquot;.
وقال فهمي: quot;وأتوقع أن تشهد الفترة القادمة تبادل الزيارات والمزيد من التعاون بين البلدين في مجالات الاستثمار والتبادل التجاري والسياحي والتعاون الأمني، وذلك بما يضمن تأمين كافة الاحتياجات الضرورية للبلاد، وستكون هناك تحركات أخرى مدروسة للاستفادة من علاقاتنا مع قوى إقليمية ودولية أخرىquot;.