في بناء قيد الانشاء في أنطاكيا، أنشأ سوريون مدرسة ثانوية لأبناء اللاجئين، تعلم المنهج السوري بلا ذكر لبشار الأسد، وتعلم اللغة التركية إلزامًا. يؤمها الطلاب السوريون حتى لو مشوا إليها ساعات طويلة.
أُضيف علم النفس إلى منهج المدرسة الثانوية لأبناء اللاجئين السوريين في عمارة سكنية ما زالت قيد الإنشاء قرب مستشفى في مدينة أنطاكيا جنوبي تركيا. ويتضمن المنهج إلزامية تعليم اللغة التركية، وإلغاء تركة الرئيس بشار الأسد من المنهج الدراسي.
وحين افتُتحت هذه المدرسة الثانوية أواخر العام الماضي، كان العديد من تلاميذها انقطعوا عن الدراسة منذ ما يربو على عام، لأن آباءهم اضطروا إلى الاختفاء أو النزوح إلى تركيا، حيث التعليم باللغة العربية غير متاح عمليًا.
ذكريات جديدة
كان التلاميذ متأخرين في دراستهم، متعطشين إلى الصداقة وأيام المراهقة التي خطفتها الحرب من حياتهم. وقالت آمال (24 عاما)، التي كانت معلمة في اللاذقية وتعمل إدارية في المدرسة: quot;قلة قليلة منهم يعرفون بعضهم البعض، وكانوا جميعهم يفتقدون أصدقاءهم في الوطن، وهم الآن اصدقاء ويسجلون ذكريات جديدة معًاquot;.
وطلبت آمال الاكتفاء بذكر اسمهما الأول، مثلها مثل العديد من اعضاء الهيئة التدريسية، لأنها تعتبر عملها في المدرسة تحديًا للنظام السوري يمكن أن يعرض عائلتها في سوريا إلى الملاحقة انتقامًا منها.
وكان اللاجئون السوريون في تركيا بادروا خلال العام ونصف العام الماضية إلى فتح مدارس ابتدائية خاصة بهم، لكنهم تمهلوا في فتح مدارس للتلاميذ الأكبر سنًا، الذين لا يتأثر تعليمهم بقدر ما يتأثر تعليم الصغار إذا انقطعوا فترة عن الدراسة.
لكن، مع اقتراب الانتفاضة من نهاية عامها الثاني، قرر القائمون على هذا المجهود أن الانتظار لم يعد ممكنًا.
قائمة انتظار تطول
قال سراج، معاون مدير المدرسة الثانوية (39 عامًا) عن طلابه: quot;نريدهم أن يعودوا إلى سوريا، وهم أقوى مما كانوا حين تركوها ليتمكنوا من إعادة بنائهاquot;. واضاف سراج، وهو أيضًا من اللاذقية: quot;نريدهم أن يعلموا أنهم قادرون على أي شيء، لكي لا ينتظروا الآخرين من اجل الشروع بإعادة البناء حين يعودونquot;.
وفور افتتاح المدرسة، تسجل فيها 600 طالب من الجنسين، وهناك عشرات آخرون على قائمة الانتظار. وحين يُنجز بناء الطابق العلوي من هذه العمارة السكنية، يأمل مسؤولو المدرسة بقبول 100 طالب آخر. وسأل صبيان لاجئون يعيشون في مناطق أخرى من جنوب تركيا إن كانوا يستطيعون التسجيل، حتى لو استغرقهم الوصول إلى المدرسة ساعات على الطريق، أو فتح قسم داخلي لهؤلاء.
وكثيرا ما يكون المراهقون في سن تمكنهم من الانضمام إلى الفصائل المسلحة في الداخل أو العمل لمساعدة عائلاتهم ماليًا. لكن تربويين سوريين يخشون ألا ينهي هؤلاء دراستهم الثانوية، وأن يؤجلوا دراستهم الجامعية حتى إشعار آخر، إذا لم يعودوا إلى المدرسة الآن.
ويعمل أعضاء الهيئة التدريسية، البالغ عددهم نحو 12 معلمًا في نوبتين، يدرِّسون البنات في الصباح والبنين بعد الظهر.
وأشار مسؤولون في المدرسة إلى انهم يعتزمون تطبيق منهج يأملون بأن تعترف به الحكومة الجديدة والجامعات السورية بعد تغيير النظام.
يريد أن يكون جراحًا
قال قائمون على المدرسة إنه تعين عليهم الحصول على موافقة الحكومة المحلية لفتح المدرسة، لأن الطلاب لا يتكلمون التركية للتسجيل في المدارس المحلية، ولا يعيشون في مخيمات لاجئين رسمية، تتوفر فيها مدارس ثانوية. والتعليم مجاني في المدرسة التي تمول من تبرعات مغتربين سوريين.
جلست أكثر من 36 فتاة على مصاطب ازدحم بها الصف لتعلم اللغة التركية. وفي قاعة أخرى كان عدد مماثل من البنات يحللن مسائل رياضية في دفاتر تبرع بها أحدهم. وفي الطابق العلوي، كانت نحو 24 فتاة يتداولن كتابًا واحدًا لتعليم الانكليزية، امتلأت صفحاته بالملاحظات والكتابات التي سجلها من استخدموا الكتاب قبلهن.
وأكد صبي في الثالثة عشرة من العمر اسمه حسن انه كان يتعلم في مدرسة للموهوبين في إدلب، وأن عائلته بقيت في سوريا إلى أن سمعت بفتح مدرسة في انطاكيا، فنزحوا في أوائل كانون الثاني (يناير) الماضي.
وفي اليوم الأخير من دوام حسن في سوريا، لم يتمكن من البوح لأصدقائه في المدرسة بأن عائلته سترحل، خوفًا من أجهزة النظام الأمنية. وحين عبرت العائلة إلى تركيا، ابلغ اصدقاءه بالانتقال اليها عبر فايسبوك. ورد بعضهم قائلين انه غاب عن الكثير من الدروس وقد يتعرض إلى الطرد. وقال حسن الذي يرتدي نظارات ويطمح لأن يصبح جراحا: quot;لم أكن أريد أن اترك مدرستي ولا أن اترك أصدقائيquot;.
أقوياء ولكن
حاول المعلمون إشاعة أجواء تتيح للبنات والصبيان أن يعبروا عن عواطفهم، وحتى البكاء في مكتب المدير. وجمعت الهيئة التدريسية مواد غذائية وألبسة للوافدين الجدد. وأحيا الطلاب الأكبر سنا أمسية ثقافية قدموا فيها فعاليات فنية وأغاني بلغات مختلفة، ومعرضا للرسوم تستوحي الحرب.
وقال معاون المدرسة لصحيفة واشنطن بوست: quot;بعض الأطفال اقوياء، ما رأوه جعلهم أقوى، لكن لدينا صبي في الثالثة عشرة اعتقل والده ورأى شقيقه يُقتل، يجلس في الصف لكنه لا يسمع شيئًاquot;.
وقال طبيب المدرسة النفسي إن المراهقين يلاقون صعوبة في الانفتاح حتى في زمن السلم. وفي مواجهة الموت والدمار يشعر بعض المراهقين بالذنب شاكين من الحنين إلى أصدقائهم أو نمط حياتهم السابق. وفي سن قد يتعين فيه الاصطدام مع الوالدين، تضطر عائلات هؤلاء المراهقين إلى العيش معًا في اماكن مكتظة. ويحاول المعلمون إفهام الطلاب أن لا ضير في التنفيس عن مشاعرهم كما يفعل الأصغر سنًا، بالرسم والرياضة والانفتاح على الكبار، وحتى البكاء.
التعليقات