تحتفل أبو ظبي اليوم بمرور 250 عامًا على إنشاء قصر الحصن، الذي اتخذت خلف جدرانه أهم القرارات، ثم أدار منه الشيخ زايد بن سلطان أمور الدولة الحكومية. واليوم، يفتتح أمام الزوار معلمًا شاهدًا على قيام الامارات وتطورها.
أبوظبي: بمسيرة حاشدة امتدت من قصر المنهل حتى قصر الحصن، تقدمها الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، والشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي نائب القائد الاعلى للقوات المسلحة، والشيخ حمدان بن محمد بن راشد ولي عهد دبي، والشيخ سيف بن زايد وزير الداخلية، وعدد كبير من الشيوخ والمسؤولين من داخل الدولة وخارجها، انطلقت بعد عصر اليوم في أبوظبي فعاليات الاحتفال بمرور 250 عامًا على إنشاء قصر الحصن، المعروف أيضًا بالقصر الأبيض، الذي بني خلال القرن السابع عشر في جزيرة أبوظبي، والذي يشكل جزءًا مهمًا من تاريخ الإمارات.
يستمر مهرجان قصر الحصن حتى التاسع من شهر آذار (مارس) المقبل، متضمنًا أنشطة تراثية متنوعة. ويسرد المهرجان الذي تنظمه هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة تاريخ قصر الحصن، الذي يعتبر من أبرز الشواهد الحضارية في الإمارات، والذي شهد محطات تاريخية مهمة كان لها أبلغ الأثر، ليس فقط في تاريخ أبوظبي بل في كل أرجاء الإمارات.
اتخذت فيه القرارات
كان قصر الحصن معقلًا أساسيًا للحكم، ومركزًا للحكام من أسرة آل نهيان، وعصبًا للحياة السياسية لإمارة أبوظبي. خلف جدران مجالسه، اتخذت القرارات المهمة ورسمت السياسات الحاسمة. وفي ساحاته، كانت تنتظم مجالس الحاكم، وهو يستقبل أبناء مجتمعه. كما مثلت القلاع والحصون عبر التاريخ ميزة للمدن والقرى في الإمارات، فهي معاقل ومقار لإقامة الحكام.
خلال القرن السابع عشر، كانت معظم الأراضي التي تتكون منها إمارة أبوظبي حاليًا خاضعة لاتحاد قبائل بني ياس، حيث استعمل بعضهم جزيرة أبوظبي لصيد السمك وربما للغوص بحثًا عن اللؤلؤ. قول بعض المؤرخين إن أحد الأشخاص من منطقة ليوا كان يطارد ظبيا في الجزيرة إلى أن وجده يشرب من بئر عذبة، وذلك في عام 1761.
ومع مرور الأيام، قام تحالف قبيلة بني ياس ببناء برج مراقبة لحماية البئر ما سمح بازدهار نشاط الغوص عن اللؤلؤ وصيد الأسماك. وكان بمثابة بداية تشكل المستوطنات في المنطقة. ومع مرور الوقت، تطورت الجزيرة لتصبح مدينة أبوظبي اليوم، وأطلق اسم أبوظبي على الجزيرة والذي يعني أب أو أرض الظبي.
ومع توسع المستوطنات وازدياد الأهمية التجارية لمدينة أبوظبي، تم تعديل برج المراقبة من خلال إضافة جدران خارجية توسعت لتصبح حصنًا منيعًا على يد الشيخ شخبوط بن ذياب في العام 1795. وضم قصر الحصن بعد ذلك مرافق إدارية ومقار الإقامة لأسرة آل نهيان الحاكمة.
وبعد حكم الشيخ شخبوط عرفت المنطقة فترة من التراجع الناجم عن مشاكل دولية، حيث إن الخليج العربي أصبح طريقًا تجاريا مهما وعرضة أكثر من أي وقت مضى لعمليات القرصنة والحروب البحرية بين القبائل.
وفي سنة 1820، تم توقيع اتفاقية شاملة مع البريطانيين لإعادة السلام البحري والتخلص من النزاعات القبلية مقابل اتفاق بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للجزيرة. وقد تمت مراجعة شروط هذه الهدنة على مدى الثلاثين سنة التي تلت، الأمر الذي أدى إلى توافق نسبي بين زعماء القبائل الذين كانوا يتطلعون إلى إقامة الإمارات.
أديرت منه الدولة
ومع قيام دولة الإمارات في القرن التاسع عشر، وازدهار صناعة اللؤلؤ في منطقة الخليج، ازدادت أهمية قصر الحصن في حماية التجارة البحرية والمحافظة عليها.
ولكونه البناء الحجري الوحيد وسط مستوطنة من أكواخ سعف النخيل، تم توسيع القصر بصورة أكبر، وأضيفت المدافع من أجل تحصينه. وتلت فترة الاستقرار الاقتصادي والازدهار سنوات من المصاعب خلال الحرب العالمية الأولى والتي تزامنت مع تراجع صناعة اللؤلؤ بسبب اختراع اللؤلؤ الصناعي على يد شركات اللؤلؤ اليابانية، ما نتج من ذلك عدم توسعة القصر بعد ذلك حتى اكتشاف النفط في العام 1958. وفي تلك الأوقات العصيبة، كان القصر بمثابة المأوى والملجأ إلى جانب استخدامه كمكان لمناقشة وحل النزاعات مع القبائل المحيطة.
وخلال فترة حكم الشيخ شخبوط بن سلطان آل نهيان، تم توسيع الحصن وتجديده لكي يتماشى مع المعايير الحديثة. وفي العام 1966، استخدم الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان القصر لإدارة الشؤون الحكومية، وأمر بإجراء تحديثات أخرى بين العامين 1976 و1985. ولفترة من الزمن، استضاف القصر الشرطة المحلية، وبعدها مركز التوثيق والأبحاث، قبل توسّع كلتا الدائرتين اللتين أصبحتا خارج نطاق استيعاب القصر.
وفي العام 2007، أطلقت هيئة أبوظبي للثقافة والتراث خطة توسعة شاملة للقصر من أجل المحافظة على بنيته التاريخية بطريقة منصفة لدوره، كرمز من رموز أبوظبي البارزة. هذا ويعكس بناء وتوسعة قصر الحصن منذ بداياته المتواضعة كبرج مراقبة إلى أن يصبح مركزًا للإدارة الحكومية لدولة حديثة، تطور إمارة أبوظبي على مر الأزمان.
يتوافد إليه الزوار
يقع قصر الحصن بجانب المجمع الثقافي، بين شارع النصر وشارع الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم وشارع الشيخ زايد الأول، مقابل برج اتصالات في أبوظبي. وعلى الرغم من أن ناطحات السحاب تعلو فوق جدرانه البيضاء اليوم، إلا أن قصر الحصن بقي معلمًا من معالم أبوظبي، ورمزًا من رموزها التي تسرد قصة حكم آل نهيان، الذي يعود إلى القرن الثامن عشر.
يرتبط القصر اليوم بالمركز الثقافي الذي يتضمن المعارض وورش العمل الفنية والصفوف إلى جانب الأحداث الثقافية التي تقيمها هيئة أبوظبي للثقافة والتراث، وخضع القصر لمشروع ترميم واسع، وتم افتتاحه اليوم كمعلم تاريخي أمام الزوار.
عرف قصر الحصن في الوثائق البريطانية بأسماء عديدة، أبرزها القلعة والحصن وقصر الحاكم ودار الحكومة. فهو مقر لحاكم أبوظبي في أواخر القرن الثامن عشر، عندما تأسس كحصن صغير حول بئر ماء في موقع استراتيجي. وتعتقد الوثائق البريطانية أن بناءه تم في العام 1761، عندما قام الشيخ ذياب بن عيسى بقيادة شعبه من مقر إقامتهم في ليوا إلى أبوظبي، التي كان ينظر إليها مكانًا مثاليًا لرجال قبيلته.
فعاليات الاحتفال
قدم المهرجان اليوم فعاليات متعددة، تمثلت في العرض الفني الفريد من نوعه المعنون quot;قصة حصن.. مجد وطنquot;، والذي استمر الإعداد له نحو تسعة أشهر، تحت إشراف المخرج العالمي فرانكو دراجون.
كما ضمّت الفعاليات مسيرة شعبية كبيرة تقدمها كبار شيوخ الإمارات امتدت من قصر المنهل وحتى قصر الحصن، فضلًا عن عروض فولكلورية ومعارض فنية ومنتدى فكري وأسواق تراثية داخل ساحة قصر الحصن، تجسد جميعها معاني القصر والأهمية التاريخية للمكان وللقادة من أبناء آل نهيان، وتلقي الضوء على مشاهد من المجتمع الإماراتي عبر الزمن، من أسواق شعبية كان يستخدمها أهل الإمارات في الماضي، وموسيقى وأهازيج شعبية، وفقرات العيالة والحربية.
التعليقات