عادت المجموعة الاسلامية التي عمل نظام الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد على قمعها لتظهر من جديد، وأصبحت أقوى من قبل مع هدف رئيس يمكن اختصاره بالسعي إلى تخريب الثورة ضد الرئيس بشار الأسد والسيطرة على سوريا بعد سقوط النظام.
لم يتوقع أحد في سوريا أن تطول الانتفاضة المناهضة للنظام إلى هذا الحد وتؤدي إلى أعداد هائلة من الضحايا والوفيات. لكن بعد ما يقرب من 70 ألف قتيل وأكثر من مليون لاجئ، وسنتين من الاضطرابات، لا يزال الوضع سوداوياً وبعيداً عن أي انفراج في الأفق.
فشل المعارضة أطال الصراع
وعلى الرغم من أن معظم اللوم يقع على وحشية الأسد، إلا أن فشل المعارضة المزمن بتشكيل جبهة موحدة ضد النظام، لعب دوراً رئيساً في إطالة الصراع القاتل.
وفقاً لصحيفة الـ quot;فورين بوليسيquot;، هناك مجموعة واحدة ضد الأسد تعتبر مسؤولة إلى حد كبير عن أحوال هذه الدولة الكئيبة: الإخوان المسلمون في سوريا.
ارتكب النظام البعثي مذبحة في الثمانينات لمحو هذه الجماعة من الوجود لإخماد الانتفاضة التي قادها الإخوان في حماة. ومنذ ذلك الحين، كان الانتماء إلى جماعة الإخوان جريمة يعاقب عليها بالإعدام في سوريا، فذوت الجماعة وذبلت تدريجياً لتختفي على أرض الواقع تقريباً.
الانتفاضة أعادت الاخوان
لكن منذ اندلاع الانتفاضة السورية في 15 آذار (مارس) 2011، انتقلت جماعة الإخوان ببراعة للاستيلاء على مقاليد السلطة من الفصائل المعارضة السياسية والعسكرية.
وفقاً لشخصية حضرت المؤتمر الأول لتنظيم المعارضة السياسية السورية، الذي عقد في أنطاليا في تركيا في أيار (مايو) 2011، كانت الجماعة مترددة في البداية للانضمام إلى هيئة سياسية معارضة للأسد، فالفريق كان قد علق رسمياً معارضته لنظام البعث في أعقاب الهجوم الاسرائيلي على غزة في عام 2009، وانسحب من التحالف مع عبد الحليم خدام، نائب الرئيس السوري السابق الذي انشق في العام 2005.
مع ذلك أرسلت جماعة الإخوان ممثلين عنها للمشاركة في المؤتمر، بما في ذلك ملحم الدروبي الذي أصبح عضواً في المكتب التنفيذي للمؤتمر. وفي الوقت نفسه، اتخذت خطوات لتشكيل مجموعات قتالية داخل سوريا، بتجنيد المقاتلين المحتملين واستغلال اتصالاتها الضئيلة نسبياً على الأرض في حمص، حماة، إدلب، وحلب.
بعد أن اكتسبت فكرة تشكيل مجموعة معارضة موحدة لقيادة الثورة الشعبية زخماً واسعاً في سوريا، زاد الإخوان انخراطهم وحضورهم، فبعد شهر من الاجتماع الذي عقد في أنطاليا، نظمت مؤتمراً في بروكسل، حضره 200 شخص، غالبيتهم من الإسلاميين، الذي كان المؤشر الأول على بداية تفكك المعارضة.
ونظمت جماعة الإخوان عدة مؤتمرات لاحقاً، لتشكيل جماعات معارضة تكون بمثابة واجهات لهذه الحركة، وتسمح لها بتعزيز وجودها في الهيئات السياسية.
بعد المؤتمر الذي عقد في بروكسل، تم تشكيل ثلاث مجموعات على الأقل لدعم الثورة السورية، واستمرت المنظمات بـ quot;التفقيسquot;. بعد بضعة أشهر من المؤتمر الأول على وجود هذه الهيئات، تم تشكيل المجلس الوطني السوري الذين ضم جماعة الإخوان وأعضاء إعلان دمشق، ومجموعة من الإصلاحيين أنشئت في عام 2005، لأن الإخوان كان لديهم مقاعد داخل الجماعة أكثر من إعلان دمشق.
خبرة تنظيمية
أصبحت الهيمنة السياسية لجماعة الإخوان المسلمين أكثر وضوحا في نهاية أيلول (سبتمبر) 2011، عندما اجتمعت شخصيات المعارضة في فندقين منفصلين في تركيا لتشكيل هيئة سياسية تمثل جميع قوى المعارضة.
في علامة مبكرة على مهارتها التنظيمية، قسمت جماعة الإخوان نفسها إلى مجموعتين، واحدة في كل فندق، للتأثير على الجانبين والسيطرة على كيفية بناء الهيئة: زعيم الإخوان المسلمين، رياض شقفة، كان في فندق بينما علي صدر الدين البيانوني في الآخر، وتنقل الدروبي ذهاباً وإياباً بين الاثنين.
أتت هذه الاستراتيجية بثمارها، إذ تم تغيير إحدى القوائم المتفق عليها سابقاً في أحد الفنادق، وأضيف أعضاء جماعة الإخوان والجماعات المتأثرة والتابعة لها قبل تشكيل المجلس الوطني السوري في 2 تشرين الاول (اكتوبر).
مع حلول شتاء عام 2011، توسع نفوذ الإخوان بشكل كبير، فإضافة إلى موقعهم القوي في المجلس الوطني السوري، حصلوا على عدد كبير من الأنصار في صفوف المنشقين من الجيش ولجان التنسيق المحلية في سوريا.
قبل مؤتمر أيلول (سبتمبر)، سافر نحو 100 من الناشطين الشباب إلى تركيا، حيث قدمت لهم الجماعة تدريبات على استخدام والظهور في وسائل الإعلام وقدمت لهم المعدات. وعندما عاد المتدربون إلى سوريا، وفقا لأحد المنظمين لاجتماعات المعارضة، عملوا على تشكيل لجان التنسيق في عشرات البلدات الصغيرة والمدن لدعم الحركة.
والتقى أعضاء جماعة الإخوان مع المنشقين من الجيش النظامي، فيقول احد الجنود المنشقين ان جماعة الإخوان طلبت ولاء عدد من زملائه، وفي المقابل وعدت بالضغط على تركيا لإقامة منطقة عازلة على طول حدودها مع سوريا. وعلى الرغم من أن هذا الوعد لم يتحقق، إلا أن الإخوان فازوا في وقت لاحق بولاء العقيد رياض الأسعد، الذي شكل الجيش السوري الحر، ليحل محل quot;حركة الضباط الأحرارquot; ذات الميول العلمانية.
منظمات بأسماء دينية
بعد تشكيل الجيش السوري الحر، ظهرت كتائب جديدة تتخذ لنفسها أسماء دينية، بدلاً من أسماء شخصيات وطنية أو المناطق التي تعمل فيها.
وواصلت جماعة الإخوان بتركيز وقتها ومواردها في بناء نفوذها داخل قوات الثوار. الفصائل المقاتلة التي تحظى بدعم الإخوان تضم لواء التوحيد، الذي يدعمه قادة الإخوان في حلب، تحديداً البيانوني ورمضان، وبعض العناصر القوية في كتائب الفاروق، هيئة حماية المدنيين، التي تعتبر الجناح العسكري للإخوان، وأنصار الإسلام، ومقرها دمشق والمناطق الريفية المحيطة بها. وينسق الإخوان أيضاً مع الجماعات المتشددة مثل جبهة النصرة وأحرار الشام، وفقا لمنشقين عن الجيش.
الأهم من ذلك، عارضت جماعة الإخوان بنجاح محاولات لتحديد كيفية إدارة الفترة الانتقالية، وهو غموض مجموعة لا شك في أنها تأمل في أن تكون قادرة على استغلاله للاستيلاء على دور القيادة بعد سقوط الاسد.
في حزيران (يونيو) 2012، تم تنظيم اجتماع في اسطنبول من قبل جامعة الدول العربية لإعادة هيكلة المجلس الوطني السوري، SNC. في ذلك الوقت، أبلغ السفير الاميركي في سوريا روبرت فورد المعارضة بأن المجلس يجب أن يخضع نفسه للجنة مستقلة من شأنها وضع الإصلاحات الداخلية إذا كان يأمل في كسب التأييد الأميركي.
اجتمعت اللجنة في القاهرة في تموز (يوليو) وقدمت وثائق المشروع الذي حدد الفترة الانتقالية، ووضع واجبات قوى المعارضة مع تفصيل مصير الفصائل المسلحة، كما شمل مادة هامة تجرم استخدام المال السياسي لشراء الولاء.
هذه الوثيقة التي تم التوقيع عليها في نهاية المطاف من قبل الجزء الأكبر من قوى المعارضة، كانت بمثابة ضربة قوية لاحتكار الإخوان للسلطة، فتحركت الجماعة بسرعة لمنع أي قيود تحد قدرتها على تشكيل نظام سياسي ما بعد الأسد.
وفقاً للذين حضروا الاجتماع، لم يعين المجلس الوطني السوري لجنة متابعة لضمان تنفيذ بنود الوثيقة، على الرغم من الضغوط من دول الخارج. وسددت جماعة الإخوان الضربة القاضية للوثيقة عندما نجحت خطتها في استبعادها من بيانات تأسيس الائتلاف الوطني السوري، الذي أنشئ في الدوحة في تشرين الثاني (نوفمبر) 2012.
تأييد لمعاذ الخطيب
بالإضافة إلى ذلك، استفاد الاخوان من نفوذهم في تركيا وقطر ومصر، فقناة quot;الجزيرةquot; القطرية الفضائية قامت بصقل وتلميع صورة الإسلاميين المناهضين للنظام في تغطيتها، كما أن الإخوان عمدوا ايضاً إلى اختيار القادة الذين يمكن السيطرة عليهم بسهولة أو الذين يملكون الحد الأدنى من المهارات القيادية.
وفقاً لعضو في ائتلاف المعارضة، أيد الإخوان تعيين زعيم الائتلاف الوطني السوري الحالي، معاذ الخطيب، لأنهم اعتقدوا ان باستطاعتهم quot;تحريكهquot; بسهولة لأنه quot;واعظ مسجد طيب القلبquot;.
لكن الخطيب أثبت أن الإخوان قللوا من شأنه لأنه لم يخضع لسيطرتهم، وأعلن من جانب واحد مبادرة للحوار مع النظام، فهبت الجماعة لتحديه في هجمات شرسة انتقدت اتخاذه quot;قرارات شخصيةquot;.
جماعة الإخوان المسلمين تعرف أن أمامها طريق طويل لتقطعه قبل أن تسيطر على سوريا. لكن قدرتها على لعب دور رئيس في إدامة الأزمة الحالية، لا يبشر بالخير لدورها في سوريا الجديدة ما بعد سقوط الاسد.
التعليقات