لا شك في أن الأطفال في سوريا يدفعون ثمنًا غاليًا للنزاع الدائر منذ عامين، إذ تؤكد منظمة Save the Children أن نحو مليوني طفل بحاجة إلى مساعدات ماسّة وعاجلة، وتنبه إلى أن ثمة من يجنّد الأطفال محاربين ومن يستخدمهم دروعًا بشرية في الدفاع عن مواقعه.


إيلاف: منذ بدايات الأزمة السورية، واجه الأطفال الموت والاضطرابات النفسية والمعاناة والحرمان من المساعدات الإنسانية الأساسية. وتشير تقديرات منظمة Save the Children إلى أن مليوني طفل تقريبًا بحاجة إلى مساعدات عاجلة في سوريا.

من خلال عمل هذه المنظمة، شهد أفرادها العذاب الذي يعانيه الأطفال، وأدركوا أن الطريقة الوحيدة للحدّ من المعاناة تتمثّل في إنهاء الحرب. وفي بيان أصدرته المنظمة، أكدت أن العمل الإنساني ضروري للغاية، quot;وعلينا أن نعي أنه من دون حلّ سلميّ لن يكون هناك سوى المزيد من الموت والخراب للأطفال في سورياquot;.

يؤثر الصراع على كل جوانب حياة الأطفال السوريين. فالعائلات تكافح للعثور على مكان آمن للعيش، إذ تضرر أو دمّر ما يقارب ثلاثة ملايين مبنى جراء الحرب. وبينما تعمل معظم العائلات النازحة على مشاركة الشقق والبيوت المكتظة، ينام نحو ثمانين ألف شخص نزحوا داخل البلاد في الكهوف والحدائق والحظائر. كما تتغيّر خطوط القتال بشكل شبه يومي، فلا تعرف الأسر في كثير من الأحيان إذا كان مكان استقرارهم اليوم آمنًا في الغد.

استهدافات مختلفة للأطفال
مع فقدان أكثر من خمسة آلاف قتيل كل شهر، يؤثر القتال الجاري على الفئات كافّة. يقول بيان المنظمة إن ثلاثة من كل أربعة أطفال أجريت معهم مقابلات كجزء من دراسة جديدة قامت بها جامعة بهجيشهر التركية، فقدوا شخصًا عزيزًا عليهم. كما يُقتل الأطفال ويُشوّهون، عن طريق الاستخدام العشوائي للقذائف ومدافع الهاون والصواريخ. وقد استُخدمت الأسلحة الثقيلة في 247 حادثة سُجلت في شهر كانون الثاني (يناير) الماضي في إحدى المناطق في دمشق، التي كلنت عامرة بنحو 1.8 مليون منزل.

ويتعرّض الأطفال على نحو متزايد للأذية بشكل مباشر، عن طريق تجنيدهم في الجماعات والقوى المسلحة. وقد استُخدم أطفال لا تتجاوز أعمارهم الثماني سنوات في بعض الأحيان كدروع بشرية.

من ناحية أخرى، يهدد الصراع حياة الأطفال في سوريا منذ ولادتهم. فتواجه الأمهات وأطفالهنّ الرضّع مخاطر جمة ناتجة من المضاعفات التي تحدث أثناء الولادة من دون قابلات متمرسات. ويجري ذلك في موازاة تدمير شبكات المياه والصرف الصحي. في إحدى مناطق عمل منظمة Save the Children، لم تتوافر للأسر أية مراحيض نظيفة، ما ينذر بتزايد أعداد حالات إسهال الأطفال، وهو التهديد الأكبر على حياة الأطفال على الصعيد العالمي.

تهديد بسوء التغذية
يحتاج الأطفال رعاية طبية، لأن صحتهم مهددة باستمرار. لكن لا تزال هذه الرعاية الطبية بعيدة المنال بسبب استمرار النزاع والهجمات، ومعظمها من قبل القوات الحكومية السورية، على المستشفيات في المناطق المتنازع عليها. ففي محافظة دير الزور، تضررت المستشفيات كافّة. وفي محافظة حلب، توقف ثلثها عن العمل.

وقد رأى ناشطو المنظمة كيف تستمر المستشفيات بفتح أبوابها حتى عندما تكون التدفئة ضئيلة أو معدومة، والأطباء منهكي القوى، وإمدادات الكهرباء مقطوعة.

وتضررت ألفا مدرسة في سوريا، ماّ يجعلها مكانًا غير آمن للتعلم، كما يلغي إمكانية استخدامها، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى خوف الأطفال من العودة إلى المدرسة حتى في حال انتهاء القتال.

كما ألحِقت الأضرار بالمطاحن، والمصانع، والطرق، والأراضي الزراعية. وبالتالي، تتأثر معظم أنحاء البلاد بنقص في إمدادات الدقيق، ما يؤدي إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية لتصبح بعيدة عن متناول الفقراء. ويترافق ذلك مع انخفاض مثير للقلق في نسبة الأمهات المرضعات، مما يشير إلى أولى علامات سوء التغذية المتزايدة في سوريا.

مشقة المساعدة
بالرغم من الجهود التي تبذلها منظمة الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات غير الحكومية، لا تصل المساعدات الانسانية إلى الملايين من الناس. وإن حصلت بعض المناطق على كمّ قليل جدًا من المساعدات، لم تحصل مناطق أخرى على أيّ مساعدة على الإطلاق. ويبدو أن انعدام الأمن هو العائق البديهي، إذ فقد 15 عامل إغاثة حياتهم في العامين الماضيين في سوريا.

كما نتجت من الصراع آثار أخرى، منها التحكم في طرق الوصول مع التقلبات الميدانية في القتال. ونتيجة للتغير المستمر في السيطرة على الطرقات، يتوجب على الوكالات اجتياز أكثر من 20 نقطة تفتيش خلال رحلة واحدة في بعض الأحيان، فتستغرق المفاوضات وقتًا إضافيًا. وينتج من رفض أي واحدة من هذه النقاط السماح بمرور مساعدات المنظّمة عدم وصول المعونة وعدم حصول أي شخص على المساعدة.

كما يبرز نقص حاد في عدد المنظمات المحلية أو الدولية التي تمتلك المهارات والأنظمة اللازمة للاستجابة لهذا الكمّ الهائل من الاحتياجات. ولدى بعض الوكالات السورية، التي تقدم المساعدة انتماءات سياسية قوية لأحد جانبي الصراع، ولذلك فإنها لا تعمل وفقًا لمبادئ الإنسانية وعدم الانحياز للوصول إلى مَن هم في أمسّ الحاجة.

المطلوب إنهاء العنف
لتخطّي بعض هذه المعوقات، تدعو منظمة Save the Children مجلس الأمن الدولي إلى التضامن على خطة تضع حدًا للعنف، وتعمل على ضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى الأطفال في جميع أنحاء سوريا.

وتدعو المجتمع الدولي إلى الضغط على أطراف النزاع لإنهاء تجنيد واستخدام الأطفال في الأنشطة العسكرية، والتعاون مع الأمم المتحدة لضمان توثيق كل انتهاكات حقوق الأطفال حتى يمكن محاسبة المسؤولين عنها.

كما تطالب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية باستغلال وجوده في المنطقة من أجل رسم صورة كاملة عن سوريا، تتضمن الاحتياجات الإنسانية وأعمال الاستجابة، لتقدم إلى الجهات الدولية المانحة، المطالبة هي أيضًا بتسريع تحويل التعهدات إلى تمويل، وتقديم المساعدة على الأرض بناءً على الحاجات، وبطريقة مستدامة ومرنة ومنسقة.