تهدد المعارك في سوريا الآثار التاريخية في البلاد نتيجة لتصاعد وتيرة أعمال العنف المتسمرة منذ نحو عامين. وكانت النيران التهمت أحد أقدم الأسواق المسقوفة في العالم الموجود في حلب. واندلعت أيضا حرائق في المسجد الأموي بالمدينة.


بيروت: أثار الصراع في سوريا مخاوف دولية على مصير المعالم التاريخية في البلاد. وتقول منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) إنها قلقة على مصير ستة من المواقع المدرجة في قوائم التراث العالمي منها المدينة القديمة في كل من دمشق وحلب وبصرى وقلعة الحصن الشهيرة.

وهددت عمليات التنقيب غير القانونية قبورًا في بلدة تدمر الصحراوية وموقع إبلا الأثري الذي يعود للعصر البرونزي.

خسارة الأسواق السبعة

ويقول المدير العام للآثار والمتاحف في سوريا مأمون عبد الكريم أن أكبر الخسائر لحقت بمجموعة من سبع أسواق قديمة في حلب لا نظير لها في الشرق الأوسط والتي التهمتها النيران التي ألحقت أيضا خسائر بالمسجد الأموي.

وقال quot;الأسواق السبعة خسرناها نهائياquot; لكن القتال المستمر حال دون قيام بعثة لتقييم الحجم الكامل للخسائر التي لحقت بالأساسات. وأصبحت المواقع التاريخية ساحة معارك بين مقاتلي المعارضة الذين يحتمون بها والقوات الحكومية التي تقصف بدون تمييز.

إفراغ متاحف سوريا

وقال عبد الكريم إنه تم افراغ المتاحف السورية من آلاف من الكنوز الأثرية لحمايتها من النهب والعنف. لكن واحدًا من أقدم أشكال التراث الثقافي في العالم ما زال معرضًا للخطر. وأكد لـquot;رويترزquot; خلال زيارة للأردن quot;المتاحف فارغة. تم إفراغ أغلب المتاحف التي أصبحت عبارة عن قاعات فارغة باستثناء بعض القطع الكبيرة صعبة الحركةquot;.

وتم نقل عشرات الآلاف من القطع الأثرية التي تغطي 10 آلاف سنة من عمر حضارة البلاد إلى مخازن خاصة لتجنب تكرار ما حدث في بغداد عندما نهب متحف العاصمة العراقية عقب الحرب الأميركية. وقال عبد الكريم ( 46 عامًا) الذي تولى منصبه قبل ستة أشهر إنه في حالة تمكن اللصوص من الوصول إلى كنوز المتاحف فإن هذا سيكون إيذانا بفناء سوريا.

فقدان تمثال يعود إلى نحو ألفي عام

وقال عبد الكريم إن أهم القطع الأثرية التي فقدت منذ نشوب الصراع تمثال مذهب من البرونز يعود إلى نحو ألفي عام سرق من مدينة حماة وأدرج قبل عام في قائمة الشرطة الدولية كأكثر القطع الفنية المطلوب العثور عليها وقطعة من المرمر سرقت من حديقة متحف افاميا.

سكان أنقذوا متحف معرة النعمان

لكن قطعا أثرية لا تقدر بثمن في بلدة معرة النعمان انقذت عندما حمى السكان المحليون لوحات الفسيفساء الشهيرة في متحف البلدة خلال اشتباكات عنيفة.

وقال عبد الكريم quot;في حماة حمى الشبان تماثيل رومانية وبيزنطية في المتحف من اللصوص إلى حين نقلها إلى مكان آمن مضيفا أنهم أغلقوا أبواب المتحف وتمكنوا من حمايته من كارثةquot;. ومضى يقول إن عمليات تنقيب غير قانونية واتجار استهدفت العشرات من المواقع الأثرية لكنها تمثل أقل من واحد في المئة من عشرة آلاف موقع أثري في أنحاء البلاد.

وفي مدنية افامية القديمة ظاهرة النهب لا ترتبط بالأزمة السورية لكنها سمحت للصوص بالتحرك بحرية أكبر. وتشتهر مدينة أفاميا بطريق للأعمدة طوله 1850 مترا.ويظهر في لقطات فيديو تعود إلى مارس (آذار) العام الماضي - والتي تم توثيقها في تقرير من ايما كانليف عالمة الآثار في جامعة ديرهام البريطانية - دبابات فيما يبدو تتمركز قرب أعمدة أفاميا.

مناشدة

وناشد عبد الكريم الأطراف المتحاربة عدم المساس بالقلاع التي تعود للحملات الصليبية وبعضها وقع في خضم الصراع بل تحول إلى ثكنات عسكرية أو مخابيء تابعة لمقاتلي المعارضة. وذكر أن خسائر محدودة لحقت بقلعة الحصن أبرز نماذج قلاع الصليبيين كما أن البوابة الرئيسية لقلعة حلب أصابتها تلفيات محدودة إلى جانب برجها الشمالي.

جماعات كردية حمت أثار في تل موزان

وتابع أنه في شمال شرق سوريا تمكنت جماعات كردية محلية سيطرت على المنطقة من حماية مواقع أثرية رئيسية في تل موزان قرب القامشلي.

وقال عبد الكريم إنه في جنوب سوريا تسبب قصف القوات الحكومية في إلحاق أضرار ببعض المنازل القديمة لكن لم تلحق أضرار بآثار بصرى التي تحتوي على أحد أفضل المسارح الرومانية الذي ما زال يحتفظ بحالته.

عملات وتماثيل مزيفة

هذا وأعادت الجمارك السورية أكثر من أربعة آلاف قطعة منها عملات وتماثيل ولوحات فسيفساء إلى المديرية التي يرأسها عبد الكريم لكن نحو ثلث القطع التي تم تسليمها اتضح أنها مزيفة. كما تتعاون المديرية مع اليونسكو والشرطة الدولية لمعرفة أماكن 18 لوحة فسيفساء تم تهريبها إلى لبنان.

وقال عبد الكريم إن إجمالي الخسائر حتى الآن ما زالت لا تمثل إلا النذر اليسير من آثار سوريا التي لا تقدر بمال لكنه أضاف أن العنف المتواصل والمتصاعد يمكن ان يؤدي لانتشار الفوضى وعمليات نهب أكثر جرأة.

وقال quot;عصابات ولصوص التنقيب السري هم لصوص صغار ووسطاء لمهربين وللآن لم تظهر عصابات دولية. لكن الخوف من أن العناصر المعمارية تسرق من المباني كالأعمدة وتيجان الأعمدة من مواقع مسيحية وبيزنطيةquot;.