هربن من الموت والدّمار فعايشن الذلّ والمعاناة والعار في دول النّزوح. هذا باختصار ما تتعرّض له اللاجئات السّوريات في لبنان، لهذا وقفن وأضأن الشّموع، يطالبن بالعودة إلى وطنهن، وتأمين حريتهن وصون كرامتهن إلى حين تمكّنهن من ذلك.
فيفيان عقيقي من بيروت: لأنهنّ برسم الإنسانية، وليس برسم البيع، لأنهنّ حرائر، ولسن تابعات، لأنّ لبنان موطن نزوح، وليس موطن استغلال، لأنهنّ لم يهربن من الموت ليعشن بالذلّ، لأنهنّ يُرغمن على الزّواج قسرًا، وليس طمعًا بقصّر، لأنّ المَهر حبل مشنقة، وليس حبل نجاة، دعا مؤسّسات من المجتمع المدني اللّبناني إلى وقفة مساء الجمعة تضاء فيها الشّموع لإنارة الظّلمة التي تعيش فيها اللاجئات السّوريّات في لبنان، بعدما نزحن هربًا من الحرب السّوريّة التي اندلعت منذ عامين، وألقت بظلالها على المقيمين والنّازحين ودول النّزوح على حدّ سواء.
وصمة عار
تتعرّض النّساء السّوريات والأطفال السوريون يوميًا لشتّى أنواع العنف والاستغلال، من تحرّش جنسي وعنف زوجي واغتصاب وإتجار بالبشر وزواج القاصرات، حتى بتن ضحايا لتداعيات الحرب. باتت هذه الظّواهر وصمة عار على جبين الإنسانيّة، بعدما تغذّت المشاعر اللبنانيّة بروح العنصريّة تجاههن، وساد الامتناع عن تقديم أقلّ قدر من المساعدة والدّعم.
الخوف يظهر على وجوههن، إضافة إلى الحذر وقلّة الثّقة والتردّد. فكثيرات يرفضن التّصريح عمّا يواجهنه من عنف وذلّ، فيما كان المطلب الأبرز quot;نريد العودة إلى سورياquot;. وردّدت بعض الفتيات شعار quot;أريد العيش بحريّة والخروج إلى الشّمسquot;.
تقول إحدى المشاركات في وقفة الشموع: quot;نعيش في خوف دائم، ممنوع علينا الخروج بسبب ما نسمع عن تحرّشات تتعرّض لها النّساءquot;. تضيف أخرى: quot;لا يريد أهلي تزويجي، لأنني ما زالت صغيرة، لكنني أفتقد صديقات لي تزوّجن، ولم أعد أسمع عنهن خبرًاquot;.
الضّحية واحدة
في حديث إلى quot;إيلافquot;، تقول غيدا عناني من مؤسّسة أبعاد، التي دعت إلى الوقفة الاحتجاجية، إن هذه الوقفة تأتي بمناسبة مرور سنتين على اندلاع الأزمة في سوريا، للتضامن مع النّساء والأطفال السّوريين، الذين يتعرّضون لأنواع مختلفة من العنف، جسديًا أو نفسيًا أو جنسيًا.
تضيف عناني: quot;واجبنا نحن كمواطنين ومواطنات لبنانيين أن نقف إنسانيًا مع اللاجئين واللاجئات، وأن نعبّر عن رفضنا لكل انتهاكات حقوق الإنسان، خصوصًا تلك الموجّهة ضدّ النّساء اللّواتي يجدن أنفسهن في وضعيّة استضعاف، فيكنّ أكثر عرضة للعنف، كونهن نساء وفاقدات القدرة على حماية أنفسهنquot;.
وعن الإجراءات المتّبعة لمكافحة أو الحدّ من المشاكل التي تتعرّض لها النّازحات السّوريّات في لبنان، تشير عناني إلى أن مؤسّسة أبعاد طوّرت برنامجًا خاصًا لحمايتهن من العنف، ولهذه الغاية افتتحت مراكز لها في عرسال وبرقايل والجنوب والبقاع ووادي خالد، لتقديم الدّعم النّفسي والاجتماعي والخدمات المتخصّصة إلى نساء كنّ ضحايا عنف بكل أشكاله.
كما يتمّ العمل على افتتاح ثلاثة مراكز إيوائيّة جديدة، تقدّم الدّعم من خلال برامج وخدمات نفسيّة وصحيّة واجتماعيّة وقانونيّة.
الإتجار بالبشر مرفوض
بفضل العمل الميداني الذي تقوم به المؤسّسة، رُصد العديد من الانتهاكات بحقّ لاجئات تعرّضن لشتى أنواع الذّل، وتمثّلت بشكل كبير في العجز عن الحصول على الخدمات الصّحيّة والتربويّة والرعائيّة، إضافة إلى العنف الجسدي والزّوجي والجنسي، والتحرّش الجنسي، والإرغام على الزّواج كنوع من الحماية، إلى جانب بروز ظاهرة الإتجار بالبشر وبيع النساء والإرغام على امتهان الدعارة.
من هنا، طوّرت دراسة للنظر في كل أوجه الانتهاكات، ويُعمل حاليًا على تمكين هذه النسوة اقتصاديًا للحدّ من هذه الأعمال، إضافة إلى التّدخل الوقائي والعلاجي عبر حثّ كل امرأة على التبليغ بمّا تتعرّض له. وتضيف عناني: quot;بالرّغم من المواقف اللّبنانيّة العدائيّة والعنصريّة وغير الدّاعمة، إلّا أن الوزارات المعنيّة تعاونت على إيجاد الحلول وتقديم المساعدات، ولو كان دعمها ضعيفًا لعوامل عديدة، ونحن تعرّضنا لمواقف مماثلة، ولم نعامل بالمثل، ولكن خيالات الماضي ما زالت تكبّل الضّمائر، وتمنع العديد من اللبنانيين من ممارسة العمل الإنسانيquot;. وتشير إلى أن المطلوب الآن هو العودة إلى الحس الإنساني لا أكثر.
الإعلام منشغل بالحرب
من جهة أخرى، تقول سارة بركات، من جمعيّة أوكسفام، إن الوقفة التي أقيمت بمناسبة مرور سنتين على اندلاع الحرب السّوريّة ساهمت فيها منظّمات دوليّة ومحليّة عدّة، وهي تقام في عشرين بلد لإلقاء الضّوء على معاناة المرأة اللاجئة وأطفالها ومعرفة حقيقة ما تتعرّض له.
تضيف: quot;الإعلام يغطّي العمليّات العسكريّة والحروب الدّائرة والصّراعات، فيما يغيب عن واقع اللاجئات اللواتي هربن من سوريا ويعشن أوضاعًا إنسانيّة صعبة ومأساويّةquot;.
وتشير إلى أن جمعيّة أوكسفام تعمل مع جمعيّات دوليّة ومحليّة عدّة لمساعدة هؤلاء اللاجئات، وتوزيع الأموال بقدر المستطاع لتلبية حاجات العائلات اللاجئة، إذ تعمل أصلًا في مخيّمات اللاجئين الفلسطينيين في طرابلس ونهر البارد ومخيم البرج الشّمالي ومخيّم البصّ في صور، التي أوى إليها نحو 25 ألف فلسطيني، هربوا من مخيّمات سوريا.
مساعدات قليلة
وتلفت بركات إلى أن التقارير تفيد بتعرّض اللاجئات للعديد من المشاكل من عنف زوجي واغتصاب ومنع من الخروج من المنزل ومن تزويج قسري وللمتعة مقابل مهر مادي وفقدان الخصوصيّة، إذ يعيش أكثر من 20 شخص في منزل واحد.
تقول: quot;يقف العديد من المعوقات أمام العمل الإنساني، خصوصًا أن المساعدات قليلة جدًا، والدول المانحة، التي وعدت بدعمنا في مؤتمر الكويت في كانون الثاني (يناير) الماضي، لم تف بكل وعودها، فلم يصل سوى 37 بالمئة من المبالغ المرصودة حتى الآن.
وتخوفت بركات من السيناريو الأسوأ، أي أن يتخطى عدد اللاجئين المليون. وأضافت: quot;الأمم المتحدة متخوفة من وصول عدد اللاجئين السّوريين في المنطقة إلى المليون بحلول شهر حزيران (يونيو) المقبل، بينما تخطّى عددهم المليون في آذار (مارس) الحاليquot;.
التعليقات