يشكو سكان القاهرة الحواجز العالية التي رفعها العسكر في وجههم، فغيرت نمط الشوارع النابضة وحولتها إلى أجزاء مقطعة غير قابلة للحياة، كما قطعت أوردة التواصل اليومية والاقتصادية بين المصريين أنفسهم.


لميس فرحات من بيروت: اقيمت الجدران تدبيرًا موقتًا من قبل الدكتاتورية العسكرية التي تلت سقوط الرئيس المخلوع حسني مبارك. ففي تشرين الثاني (نوفمبر) 2011، حاول المحتجون على الحكم العسكري شق طريقهم بالقوة من ميدان التحرير نحو الوزارات الحكومية القريبة.

وبعد أيام من المواجهات العنيفة، بنى الجيش الجدران لوقفهم. اليوم، خلت الشوارع من المحتجين من دون أن تخلو من الجدران التي تعيق حركة الناس اليومية.

العقلية الحاكمة نفسها

جورج حنا يملك محلًا لتنظيف الملابس كان يطل على طريق واسع، وهو الآن في الجزء السفلي من طريق مسدود موقتًا، وذلك بفضل الجدار في شارع فهمي. قال: quot;انها تؤثر فينا جميعًا، الناس الذين يعملون هنا والناس الذين يعيشون هنا لا يستطيعون التنقلquot;.

أضاف: quot;تراجعت الأعمال بشكل ملحوظ بعد بناء الجدار، لأن الزحمة المرورية الناتجة جعلت من الصعب على الزبائن الوصول إلى متجري، فزبائني الذين يتعاملون معي منذ سنوات طويلة يفضلون الآن المتاجر القريبة إلى منازلهمquot;.

بالنسبة إلى البعض، هذه الجدران أكثر من مجرد عائق في طريق تنقلاتهم اليومية. فهي أيضًا تذكير بصري بفكرة أن الحكومة الجديدة التي يقودها الاسلاميون غير مبالية بالشعب، تمامًا كما الدكتاتوريات التي سبقتها.

فحكومة الإخوان المسلمين لم تبق على الجدران القديمة فقط، بل بنت أخرى جديدة.

قال محمد الشاهد، رئيس تحرير كايرو اوبزرفر إن الجدران هي شكل آخر من أشكال الهوة الواسعة بين الحكام والمحكومين، مشيرًا إلى أن الإخوان هم مجرد غطاء مدني للعقلية نفسهاالتي حكمت مصر خلال السنوات الأربعين الماضية.

رمزية عاطفية

زفت اسم حركي لأحد الفنانين الذين خطوا كتابات ولوحات جدارية على عوائق الاسمنت. قال: quot;انه القمع الذي يمكنك أن تراه بأم عينيك، فالجيش استعمر مصر ، والآن يستعمرها الدين.quot;

وهو يرى في هذه الجدران رمزية عاطفية، quot;فأحيانًا أشعر أنني أرى شخصًا توفي هناك، أو أحدهم أصيب بالعمى بالقرب من هذا الجدار، كما أرى في الجدران ثقوبًا خلفها الرصاصquot;.

في البداية، كانت الصور على الجدران تعبر عن الأمل. فقد رسم أحد الفنانين لوحة لضواحي مصر، في محاولة لتذكير المارة بما كانت تبدو عليه هذه الشوارع قبل إقفالها، فيما رسم آخر قوس قزح يلعب تحته الأطفال. فيما بعد، توغلت الرسومات في اليأس والكآبة، فبرزت لوحة جدارية مروعة عن اعتداء على امرأة في ميدان التحرير، في إشارة إلى الموجة الأخيرة من التحرش الجنسي ضد المتظاهرات.

رائحة الغاز

كانت هذه الشوارع تعمر بالحيوية، وكان هناك دائمًا شخص يضحك ويمزح ويلقي التحية على الناس. هكذا تتذكر سارة يوسف شارع يوسف الجندي، حيث شقتها.

قالت: quot;بعد بناء الجدران، أصبح الشارع هادئًا جدًا ومملًا جدًا، ومخيفًا في بعض الأحيان، وأصبح مرتعًا للسطو والسرقة والنفايات والأوساخ، والغاز المسيل للدموعquot;، ما فاقم حالة الربو الصدري عندها، واضطرها للخروج وزوجها من شقتهما.

اضافت: quot;لثمانية أشهر، كان الأثاث في منزلنا يعبق برائحة الغاز المسيل للدموع، وأحد الجيران في المبنى بدأ بالسعال وبصق الدم بسبب ذلكquot;.

وهذه الجدران تحبط سائقي سيارات الأجرة أيضًا، إذ منعتهم من التنقل في القاهرة بحرية. فقال مهدي سيد إن الطرقات كانت تفيض بالحركة، أما الآن فالكثير منها مسدود وشبه مهجور بسبب العوائق الاسمنتية.

أضاف: quot;كنا نتنقل بين الشوارع بخمس دقائق، أما الآن فأحتاج إلى أكثر من نصف ساعة فقط للعبور من شارع إلى آخر، أضف إلى ذلك انخفاض عدد الركابquot;.