حوّلت الأزمة السورية البقاع اللبناني مسرحًا لعمليات خطف وخطف مضاد بين أهالي عرسال السنة وعشيرة آل جعفر الشيعية، بعد خطف حسين جعفر في يبرود السورية وطلب الخاطفين فدية قدرها مليون دولار لإطلاقه.
لندن: أثارت موجة من أعمال الخطف بين عشائر سنية وشيعية قوية في شمال سهل البقاع اللبناني خلال الأيام الماضية مخاوف من اندلاع نزاع طائفي، في منطقة تتقاطع التقاليد العشائرية الراسخة فيها مع تداعيات الحرب المستمرة في سوريا.
وكان حسين جعفر، سائق شاحنة شيعي يعمل في تهريب الديزل من لبنان إلى سوريا، خُطف في 23 آذار (مارس) الماضي قرب بلدة عرسال السنية، البلدة التي تحولت منذ اندلاع الانتفاضة السورية مركزًا لتقديم الدعم إلى المعارضة السورية المسلحة.
وإلا يُسحقون!
طالب خاطفو جعفر المجهولون بفدية قدرها مليون دولار للإفراج عنه. ورفضت عشيرة آل جعفر دفع الفدية، وردّت بخطف أكثر من اثني عشر شخصًا من أهالي عرسال نفسها، أُفرج عن بعضهم في بادرة حسن نية وبقي ست رهائن آخرين، تقول عشيرة المخطوف إنها لن تفرج عنهم إلا بعد عودة جعفر سالمًا إلى أهله.
نقلت صحيفة تايمز عن مهدي جعفر، شقيق المخطوف، قوله: quot;ليس لدينا سبب لمقاتلة أهالي عرسال وعليهم ألا يقدموا سببًا لقتالنا، وإلا فإنهم سيُسحقون، وعلينا أن نتوصل إلى حلquot;.
وآل جعفر من أسوأ العشائر الشيعية صيتًا في سهل البقاع، على حد وصف صحيفة تايمز، مشيرة إلى أنهم يتمسكون باستقلاليتهم وهم مسلحون تسليحًا حسنًا، وبعضهم حقق ثروات طائلة من زراعة الحشيش. وجاءت عمليات الخطف المتبادلة في أسوأ وقت بعد استقالة حكومة نجيب ميقاتي وغياب سلطة القانون عموما، وتصاعد المخاوف من انجرار البلد بشكل أعمق إلى أتون الحرب الأهلية في سوريا.
سنقتلهم جميعًا
لدى شيعة شمال البقاع وسنته تقاليد قتالية عريقة منها حسن الجوار الميداني، لكن توترًا كبيرًا اعترى علاقات الاحترام المتبادل تاريخيًا بينهم حين اختاروا دعم أطراف متناحرة في سوريا.
تدعم عرسال بقوة المعارضة السورية، حتى أن بعض سكانها انضموا إلى فصائل سورية مسلحة للقتال ضد نظام بشار الأسد، بينما يقاتل كثيرون من آل جعفر في صفوف حزب الله، الذي يخوض مواجهات مسلحة مع فصائل المعارضة في سلسلة من القرى قرب بلدة القصير السورية الحدودية.
وحرص المقاتلون الشيعة والسنة حتى الآن على إبقاء قتالهم داخل الأراضي السورية، لكن أعمال الخطف الأخيرة هددت بتوسيع الحرب عبر الحدود إلى شمال سهل البقاع. ودفن حسن رايد، الذي خطف آل جعفر نجله حسين قبل أيام، رأسه بين يديه وأجهش بالبكاء على أعتاب بيته الحجري في عرسال، وقال: quot;إذا قتلوه فإن آل جعفر سيقتلون ولدي انتقامًاquot;.
ويبدو أن خولة زوجة حسن صُنعت من طينة مختلفة ومعدن أصلب، حين صبت لعناتها على آل جعفر وهي تتقد غضبًا، واقفة فوق زوجها الجالس على اعتاب الدار. ونقلت صحيفة تايمز عن خولة قولها إن آل جعفر ليسوا إلا زارعي حشيش وتجار كوكايين، وإذا قتلوا ولدي سنقتلهم جميعًا.
قال علي الحجيري، رئيس بلدية عرسال، إن حسين جعفر خُطف في قرية نائية جنوب غربي بلدته قرب الحدود مع سوريا، وهو محتجز في بلدة يبرود السورية. وتابع الحجيري لصحيفة تايمز: quot;نحن أصدقاء آل جعفر، لكنهم ارتكبوا خطأ، ورد فعلهم على خطف ابنهم لم يكن جيدًا، فهم لا يستطيعون أن يعاقبوا عرسال بسبب ما حدثquot;.
أضاف الحجيري انه يريد إبلاغ آل جعفر بأنه الآن الوحيد الذي يمنع أهل عرسال من تصعيد الوضع، محذرًا: quot;على آل جعفر أن يفهموا أنه من السهل الضغط على الزناد ولكن ليس من السهل وقف الحربquot;.
وعلى بعد نحو 30 كلم، على أطراف بلدة القصر الشيعية الحدودية، جلست عائلة المخطوف حسين جعفر على كراسٍ بلاستيكية في حديقة منزلها الصغير ذي الجدران الاسمنتية. وأصر أفراد العائلة على أن حسين ليس محتجزًا في سوريا بل ما زال في عرسال، وأن رئيس بلدية عرسال يتحمل مسؤولية خطف ابنهم.
وقال مهدي جعفر إن اشخاصًا تربطهم صلة قربى بالحجيري خطفوا شقيقه حسين، وأن الرجال الستة من أهل عرسال الذين يحتجزهم آل جعفر ليسوا رهائن بل ضيوفا.
ولفت احد افراد العائلة إلى أن الخاطفين يطالبون بفدية قدرها مليون دولار مقابل الافراج عن حسين. أضاف: quot;حسنا، سنعطيهم مليون دولار مقابل حسين، وعليهم أن يعطونا ستة ملايين دولار مقابل أبنائهمquot;.
وباستثناء حاجزي تفتيش جديدين أقامهما الجيش اللبناني في شمال البقاع، فإن السلطات اللبنانية نأت بنفسها عن النزاع الذي فجرته أعمال الخطف على الرغم من مخاطر التصعيد، ربما لأنها تدرك أن لا وجود يُذكر لحكومة بيروت في هذه المناطق.
التعليقات