تستمر روسيا في لعب دور المورد الرئيسي للسلاح إلى أفريقيا، لكن هذا الدور أخذ منحى مختلفًا عما كان عليه أيام الاتحاد السوفياتي. فلم يعد السلاح مساهمة إيديولوجية في نشر الشيوعية بل وسيلة لجني المال وترسيخ النفوذ الروسي في القارة السوداء.


بيروت: تعتبر موسكو أهم الدول المصدرة للأسلحة، وأفريقيا هي المنطقة الأكثر طلبًا لها، ما يجعلها سوقًا مزدهرًا في الوقت الذي يزداد فيه الطلب على السلاح. وفي بداية شهر نيسان (أبريل) الجاري، وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية ساحقة على معاهدة تجارة الأسلحة الجديدة. وتطلبت المعاهدة 20 عامًا من العمل لتخرج إلى العلن، وهي تسعى إلى تنظيم التجارة الدولية للأسلحة التقليدية التي يبلغ حجمها نحو 70 مليار دولار.

وعلى الرغم من عناد كوريا الشمالية وإيران وسوريا، وهي الدول التي صوتت ضد المعاهدة، تم تأييد المعاهدة على نطاق واسع، فحصلت على موافقة 154 من 193 دولة، بينما امتنعت 23 دولة عن التصويت. والجدير بالذكر أن العديد من البلدان الأفريقية كانت الأكثر تأييدًا ودعمًا لوضع معاهدة لتجارة الأسلحة، في حين امتنعت روسيا، وهي الدولة الأكثر تصديرًا للأسلحة بعد الولايات المتحدة، تعتبر أكبر مصدر للأسلحة في أفريقيا.

صفقات سلاح

وعززت السلطات الروسية التعاون العسكري التقني مع عدد من البلدان الأفريقية، ويشمل هذا التعاون تدريب الضباط وبيع المعدات العسكرية، إلى جانب تفاصيل أخرى غير معلنة.

في العام 2012، تجاوزت مبيعات روسيا للأسلحة في الخارج 14 مليار دولار، وكانت حوالي 80 بالمئة من هذه المبيعات تتم عبر وكالة روسوبورون اكسبورت. وذكر مركز ستوكهولم الدولي لبحوث السلام في ديسمبر (كانون الأول) 2011 أن روسيا تمثل 11 بالمئة من حجم الأسلحة الرئيسية التي تزود بها أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.

وتتعاون وكالة روسوبورون اكسبورت مع مستوردي الأسلحة الروسية وتحديدًا في الجزائر وأنغولا وبوركينا فاسو وبوتسوانا وإثيوبيا وغانا وليبيا والمغرب وموزامبيق وناميبيا والسودان وجنوب أفريقيا وأوغندا. كما يمكن أن تمتد لتشمل أيضًا روابط مع زيمبابوي في المستقبل غير البعيد.

مجرد تجارة

منذ نهاية الحرب الباردة، تغيرت صادرات الأسلحة من حيث التركيز والدور الذي تقوم به. وقال ديفيد شين، السفير الأميركي السابق لدى إثيوبيا وبوركينا فاسو: quot;عمليات تصدير السلاح الروسي إلى أفريقيا حاليًا لا يمكن أن تفسر بالطريقة ذاتها التي اعتمدت في عهد الاتحاد السوفياتيquot;.

وأضاف: quot;الاتحاد السوفياتي قدّم كميات ضخمة من الأسلحة إلى دول عميلة له مثل إثيوبيا وأنغولا خلال الحرب الباردة، كما وفّر قدرًا كبيرًا من التدريب العسكري لعدة دول أفريقية، مركزًا على مواجهة المصالح الغربية في أفريقيا.quot;

أما اليوم، فالتحويلات العسكرية والتدريب تحول إلى صفقات تجارية باعتبارها وسيلة لكسب المال. ويقول شين: quot;لم تعد الإيديولوجيا عاملا مهمًا في تجارة الاسلحة الحاليةquot;.

وقال ديمتري بوندارينكو، نائب مدير معهد الدراسات الأفريقية التابع للأكاديمية الروسية للعلوم في موسكو: quot;الهدف الأساسي لتجارة الأسلحة الروسية في افريقيا هو استعادة القدرة التنافسية في تجارة الأسلحة العالمية، وما يهم اليوم هو أن النهج عملي للغاية بغض النظر عن الأيديولوجيا، فأفريقيا تدفع المال والروس يشحنون السلاح، الأمر بهذه البساطةquot;.

المعدات العسكرية هي واحدة من المزايا التنافسية لروسيا، كما يقول تشارلز روبرتسون، كبير الاقتصاديين في رينيسانس كابيتال، مضيفًا: quot;من سوء الحظ روسيا أن تجارة الأسلحة صارت أقل قيمة مما كانت عليه، لكن المعدات العسكرية هي بعض العلامات التجارية القليلة المعروفة في روسياquot;.

استراتيجية أوسع

ويرى بعض المحللين أن تجارة الأسلحة الروسية مع الدول الافريقية هي جزء من استراتيجية أوسع للحصول على الروابط الاقتصادية وبسط النفوذ في المنطقة.ف تجارة الأسلحة في حد ذاتها مزدهرة، لكنها يمكن أيضًا أن تكون طعمًا لترتيبات خارجية أخرى.

فقد قال سكوت فيرسينغ، المحاضر في الدراسات الدولية في جامعة موناش في جوهانسبرغ: quot;أحيت روسيا الاتصالات مع قادة أفريقيا الذين كانوا يشترون الأسلحة التقليدية السوفياتيةquot;، لكنه اعتبر أن روسيا اليوم تعتمد سياسة مغايرة، بمعنى أنها تستخدم الديبلوماسية العسكرية مرة أخرى من أجل الحصول على مكانة ونفوذ في بعض البلدان.

ووفقًا لفيرسينغ، تلعب هذه العلاقات العسكرية دورًا كبيرًا في العلاقات الروسية الأفريقية والشراكات الاقتصادية في الصناعات الأخرى، quot;فروسيا تفكر استراتيجيًا وتتخذ النهج الصحيح باستخدام خبراتها في كل شيء من الاسلحة إلى الطاقة النووية لتكنولوجيا الأقمار الصناعية، من أجل ضمان التعاون المتبادل النفع مع الشركاء الاستراتيجيين الأفارقةquot;.