مئات آلاف الفرنسيين لا يرغبون في ممارسة الجنس، اجتمعوا في جمعية الظهور اللاجنسي، وأحيوا يومهم، للتوعية على أن الجنس ليس واجبًا، وعلى وجود من يرغب فعليًا في علاقات غير جنسية، مؤكدين أن لاجنسيتهم مختلفة عن البرود الجنسي.


لندن: باريس مدينة الأضواء التي لا تنام، والرومنسية التي لا تنطفئ، هي نفسها باريس التي أحيت الجمعة يوم اللاجنس الوطني. إنها إحدى مفارقات العاصمة الفرنسية، التي تفخر دومًا بأنها عاصمة الحب الأزلية وملتقى العشاق الأبدي. وليس غريبًا إحياء هذا اليوم، طالما أن الحكومة الفرنسية جادة في تشريع زواج مثليي الجنس. فكلٌّ في الغرابة سواء.

ليس في الأمر تطاولًا على تاريخ الفرنسيين الرومنسي، لكن الدراسات أثبتت أن مئات الآلاف من الفرنسيين لا يشعرون بأي رغبة في ممارسة الجنس، أو يشعرون بها قليلًا جدًا، وفي أوقات متباعدة.

ومئات الآلاف طبعًا ليس بالعدد القليل، لذا قامت بينهم رابطة تحاول أن تطفو على وجه ماء المجتمع الغارق في متعته الجسدية.

علاقة لاجنسية

جوليان مهندس معلوماتية واحد من هؤلاء. لم يكن يعرف أن ما فيه مشابه لما في غيره، حتى شاهد برنامجًا توعويًا متلفزًا عن اللاجنس. وهو أخبر وكالة الصحافة الفرنسية أنه كان يشعر بأنه غير طبيعي، فما أفشى سره لأحد، وكانت له عشيقة ومارسا الجنس، لكن همه كان أن يمتّعها لا أن يتمتع هو باللذة الجنسية.

يقول: quot;اكتشفت أن هذه الحال ليست خاصة بي وحدي، ولا هي نادرة الوجود، فاستشرت مختصين في الموضوع، يطرحون حلولًا عبر الانترنت، وتعرفت بفتاة تشاركني اللاجنس، وأنا اليوم سعيد بعلاقتي غير الجنسية بهاquot;.

وجوليان هذا عينة واحدة من عينات كثيرة في المجتمع الفرنسي الذي لا يتنبه إلى هؤلاء، في زحمة مواضع الجنس الكثيرة والصور العارية في الصحف وعلى أغلفة المجلات، وعلى الملصقات الاعلانية الكبيرة.

بين اليأس والارتباك

من هؤلاء أيضًا بول، نائب رئيس جمعية الظهور اللاجنسي Association for Asexual Visibility، التي تنظم يوم التوعية باللاجنس.

بالنسبة إليه، اللاجنس مختلف عن البرود الجنسي أو عن الامتناع عن الممارسة الجنسية. ويقول لوكالة الصحافة الفرنسية: quot;مجتمعنا يقدم لنا الجنس على أنه أمر واجب، وهذا مقلق، لكن القلق يتضاعف عندما يصنف هذا المجتمع غياب النشاط الجنسي أو غياب الرغبة الجنسية في باب المرض أو الاضطراب الذي يتوجب علاجه، وهو ناتج من أسباب مختلفة، كالكبت الجنسي مثلًا، أو التربية الصارمةquot;.

لكن الوعي اللاجنسي الذي يتمتع به بول ليس متوافرًا في آخرين. فعلى أحد منتديات الافتراضية حول اللاجنس، يمكن تصنيف التعليقات بين يائسة ومتعاطفة وإيجابية... ومرتبكة.

فأحدهم من مدينة ليون كتب: quot;التقيت امرأة منذ خمسة أشهر، وتبادلنا الحب، ولكن غياب الرغبة الجنسية يدفعها إلى الابتعاد عني يومًا بعد يوم، بالرغم من أن ذلك صعب عليها ايضًا... إنها ذروة المعاناة في العلاقات الانسانيةquot;.

علاقات مفتوحة

يلتقي بعض اللاجنسيين في علاقات تدوم، كما حصل لجوليان سعيد الحظ. وقد لا يحصل ذلك لآخرين، فيتشاركون الحياة مع شركاء يتلهفون للتلذذ بالجنس. ويقول بول إن هذه العلاقات تنتهي بالافتراق، أو بأن تتحول إلى علاقات مفتوحة، تتاح فيها شراكات جنسية خارجية لمن يريدها.

واللاجنسيون ليسوا صنفًا جديدًا من البشر، ولم يكتشفهم العلم لتوه. ففي أربعينيات القرن الماضي، كان عالم الجنس ألفرد كينسي يصنف العلاقات الجنسية وفق سلم، صفره مرادف لقمة النشاط الجنسي غير المثلي، والسبعة فيه مرادفة لقمة النشاط الجنسي المثلي. وفي خضم دراساته، عثر للاجنسيين على تصنيف خاص بهم، سماه الفئة X، ووجد أن النساء بين هؤلاء أكثر من الرجال... حينها.

وفي العام 2004، نشر الأستاذ الكندي أنتوني بوغارت دراسة قال فيها إن واحدًا في المئة من البشر لاجنسيون. وفي كتابه Understanding Asexuality، يقول: quot;ثمة ما يدلنا إلى وجود تأثير هورموني ما قبل الولادة، يدوم طويلًا في الانسان، ويجعله في ما بعد مثليًا أم غير مثلي أولا جنسياً، بمعزل عن التبدلات الهرمونية التي تحدث اثناء البلوغquot;.

يفضلون الاختباء

قد تكون جمعية الظهور اللاجنسي بوابة هؤلاء اللاجنسيين إلى العالم الواقعي. نقول، لأن دراسات بوغارت لم تحتم في أن اللاجنسيين وجدوا لهم حيزًا مريحًا في هذا العالم.

يقول: quot;ثمة براهين على أن غير المثليين ينظرون بإيجابية إلى المثليين أكثر مما يفعلون إزاء اللاجنسيين، لكن قد يرد ذلك ايضًا إلى أن اللاجنسيين يفضلون الاختباء وإخفاء حقيقتهم أكثر مما يفعل مثليو الجنسquot;.

لا شك في أن ثورة الاتصالات والانترنت ساعدت اللاجنسيين على أن يجد بعضهم بعضًا على خريطة هذا العالم، وبدأوا التجمع في العام 2010، حيث يحيون أسبوعًا لاجنسيًا دوليًا في دول عدة، بينها الولايات المتحدة. إلا أنها المرة الأولى التي يظهرون فيها في بلد أوروبي.