وسيم باسم

تحول كل شيء في العراق إلى طائفي، فحتى الجيش والشرطة متهمان بحماية طائفة دون أخرى، ما يهدد النسيج الاجتماعي العراقي الهش بالانهيار الفعلي، خصوصًا مع دخول فضائيات على الخط، ولعبها على الوتر الطائفي الحساس.


بغداد: يعتبر عراقيون ما يحدث اليوم في بلدهم من تظاهرات واحتجاجات ومناوشات بين جيش ومتظاهرين نتيجة طبيعية لتصاعد نبرة الخطاب الطائفي، بان جليًا مع تعليق رخصة عمل فضائيات عراقية تتهمها الحكومة بتبني خطاب طائفي يعمق الازمة السياسية التي تشهدها البلاد.
لكن الكثير من العراقيين لا يردون ما يحدث إلى الخطاب الاعلامي وحده، والذي اصبح متداولًا على مستوى النخب مثلما هو الشارع، بل إلى الصراع السياسي الملتهب بسبب فشل النخب السياسية في تجاوز أزمة مرت عليها أشهر طويلة شهدت اعتصامات واحتجاجات لم يسبق لها مثيل منذ العام 2003، كما يقول المدرس علاء حسن.
يضيف: quot;انتقل الخطاب المتشنج بين القوى السياسية إلى المواطن ليصبح ظاهرة يومية، فالكثير من المواطنين يتبنون اليوم خطابًا طائفيًا عالي النبرةquot;.

الوتر الطائفي الحساس
وأحد الامثلة على هذا الخطاب الطائفي قول سعيد حسن، من المحمودية، إن على ابناء المناطق الوسطى والجنوبية تشكيل ميليشيات استعدادًا لأي تطورات عسكرية في المنطقة الغربية من العراق.
فبحسب حسن، ابناء المناطق الغربية لا يستهدفون الحكومة فحسب، بل لهم اغراض طائفية، ويتجسد ذلك عبر الشعارات التي يرفعونها وتتضمن كراهية لطائفة معينة.
يضيف: quot;يدقون على الوتر الطائفي، ونحن مضطرون للعزف على نفس الوتر بعدما قتل المتظاهرون الجنود في الرمادي، فهؤلاء لم يقتلوا لأنهم عسكريون بل لأنهم ينتمون إلى طائفة معينةquot;.
وللمرة الاولى في العراق، يلمح المراقب في البلاد استقطابًا طائفيًا واضحًا على ألسنة الناس في الشارع، ما يدل على أن تحولات اجتماعية مقلقة يتمخض عنها هذا الخطاب، الذي قد يؤدي إلى حرب أهلية حقيقية اذا لم يتدارك السياسيون ورجال الدين ووجهاء العشائر الوضع سريعًا.
وتؤكد الباحثة الاجتماعية والناشطة النسوية بتول الجبوري هذه الانعطافة في الحياة الاجتماعية العراقية، حيث يسود قلق كبير في الاوساط الشعبية من تكرار الاقتتال الطائفي في الاعوام 2005 إلى 2007، مشيرة إلى أن quot;هناك من المواطنين من يتحدث علانية بعبارات وجمل تدل على تبرم طائفي من وجود الآخر، ودعوات إلى مقاطعة الطائفة الأخرى أو إلى استخدام السلاح ضدهاquot;.

زيت الفضائيات على نار المذهبية
في محاولة منها للجم الخطاب الطائفي كما تقول، قررت هيئة الاتصالات والإعلام العراقية الاحد الماضي تعليق رخص عشر قنوات فضائية بعضها عراقية، وأخرى عربية بسبب تحريضها على العنف الطائفي في البلاد.
ويقول الاعلامي محمد طالب من بابل إن هذا احد مظاهر تنامي الخطاب الطائفي في المجتمع، quot;فالجمهور يستمع إلى قنوات معينة تنتمي إلى طائفة معينة، بينما جمهور آخر يصغي إلى أخرى بحسب انتمائه الطائفيquot;.
ويرى طالب أن الخطاب الطائفي لا تسمعه في الفضائيات التي تم تعليق بثها فقط، بل تجده في اغلب الفضائيات العراقية العاملة اليوم، quot;فإذا لم تكن محرضة طائفيًا، وتتبنى خطابًا معتدلًا، فانها على الاقل تتبنى وجهة نظر طائفية تجاه الاحداثquot;.
والقنوات الفضائية التي تقرر تعليق رخصها هي الشرقية وبغداد والجزيرة وصلاح الدين والانوار 2 والتغيير والفلوجة والبابلية والغربية.
يعتقد التاجر حليم الاسدي أن التظاهرات في المناطق الغربية تريد عودة البعث أو عودة الحكم إلى طائفة بعينها، ولا يبدو مقتنعًا بأن لدى المتظاهرين مطالب دستورية مشروعة. أما التاجر محمد عبد الله من المسيب فيرى أن سياسة الحكومة العراقية هي السبب في تصاعد الفتن الطائفية.
يضيف: quot;طيلة اشهر، لم تستجب الحكومة لمطالب المحتجين، فمثل هذه المظاهرات لم تحدث في وسط وجنوب العراق لأن الحكومة تحرص على تلبية حاجات الناس هناكquot;.

اتهامات للشرطة والجيش
تقول الجبوري إن أبرز الظواهر أن الناس تعتبر الجيش والشرطة ممثلين لطائفة معينة، ما يتوجب الوقوف معهما طائفيًا في حين يحدث العكس في المناطق الغربية حيث يتوجب مقاتلتهما أو الحذر منهما. فالمعلم علاء عبد القادر من بغداد يتهم القوات والشرطة العراقية بالطائفية، ويقول إن اكثر من 90 في المئة من أفرادها ينتمون إلى طائفة معينة.
يضيف: quot;استُغِلّت القوات الاعمال المسلحة لتنظيم القاعدة بغرض اعتقال وقتل الكثير من ابناء طائفة معينة، على اعتبار أنها تشكل بيئة حاضنة للقاعدة والبعث كما تزعم الجهات الرسميةquot;.
ويلفت إلى أن التطوع في سلك الشرطة اليوم ليس متاحًا للجميع، quot;فالجهات المسؤولة تفضّل ابناء طائفة معينةquot;.

طائفية مغلفة بالوطنية
بعيدًا عن آراء الناس، يعزو عمار طعمة، عضو لجنة الامن والدفاع النيابية ورئيس كتلة الفضيلة، تدهور الوضع الامني إلى إرتفاع نبرة الخطاب الطائفي المحرض على العنف.
ويؤكد الباحث الاكاديمي والاعلامي هاشم منهل من بابل هذه الحقيقة التي يحاول البعض تجاهلها عبر البيانات العاطفية الوطنية، التي اصبحت للأسف محاصرة بالخطاب الطائفي.
يضيف: quot;حتى الاحزاب ورموز الدولة ترفع شعارات وطنية، لكن أفعالها طائفية في ما يتعلق بالوظائف والأجندة السياسية والاقتصادية والإعلامية، وبالمقابل تبني المتظاهرين شعارات متطرفة أو طائفية شوّه الغرض الحقيقي للاحتجاجاتquot;.
ويعترف منهل بأنه يسمع البعض يقول إن الوقت قد حان لتقسيم البلد، من أجل وضع النقاط على الحروف والتخلص من المزايدات على الوطنية والوحدة في خطابات الكثيرين.

الحديث الافتراضي
على صفحات فايسبوك الخاصة، يمكن مراقبة ملاحظات وتفسيرات طائفية ملموسة للتطورات في الرمادي والمناطق الغربية والشمالية من العراق. فهناك من المدونين من يطالب الدول بحماية أهل السنة، في حين يرى البعض الآخر أن ما يحدث مؤامرة اقليمية على الشيعة.
فقد كتب الصحافي العراقي فلاح المشعل على صفحته أن الحكومة العراقية تقرر منع عشر قنوات فضائية من العمل بسبب مخالفتها لقواعد العمل المهنية، quot;فإن هذه التهمة الجاهزة اصبحت علامة على انغلاق أفق الذهنية السياسية المتسلطة وأزمتها الحادة التي صارت تضيق بوسائل الأعلام، وتمنعها بسبب اختلافها بالرأي مع ماكنة اعلام الحكومة الدعائية الخاويةquot;.
يضيف المشعل: quot;هكذا تنحاز الحكومة وعلى نحو سافر إلى منهج واسلوب النظام الشمولي الدكتاتوري الذي لا يؤمن بالرأي الآخر، وانما يستخدم سلطاته لمنع وتقييد حرياته وقمعهاquot;.
وكتبت نجلاء العبيدي على صفحتها أن النظام الشمولي يعيد انتاج نفسه في العراق. لكن بعض الحلول يمثلها رأي الاكاديمي العراقي احمد عبيد من جامعة كربلاء، الذي يدعو الناشطين المدنيين إلى إشراك المثقفين في تعزيز الخطاب الوطني لإبعاد شبح الحرب الطائفية عبر فعاليات ثقافية وفنية تعزز روح المواطنة وتنتقد الاجندة السياسية التي تسبب الفتنة، سواء داخلية ممثلة بالأحزاب أو خارجية تدفع بها دول اقليمية.