ما إن تسرّبت معلومات قبل أيام عن لقاء أجراه وزير الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية في الأردن الدكتور محمد نوح القضاة في النجف مع المرجع الديني الشيعي آية الله علي السيستاني، حتى قامت الدنيا ولم تقعد في الأردن، عبر مقالات وتعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي ضد الرجل، وكأنه مارس الكفر أو تجاوز حدود الشرع الحنيف.


نصر المجالي: كانت جميع التعليقات تحمل نفَسَاً طائفياً بغيضاً تجاه الشيعة، وكأنهم ليسوا من الإسلام في شيء، والغريب أن مثل هذا الموقف بات يسيطر على الساحة الأردنية، مع العلم أنه لا تواجد للشيعة في الأردن، اللهم إلا بعض العراقيين اللاجئين لديه وليست لديهم ممارسات علنية في أداء فرائضهم.

بادر وزير الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية في الأردن الشاب للدفاع عن منجزات زيارته للعراق ولقائه بالمرجع الديني السيستاني، وقال القضاة إن مشاركته في المؤتمر الإسلامي الدولي للحوار والتقريب، الذي عقد في بغداد في الأسبوع الماضي، جاءت تلبية للدعوة الموجّهة إليه، بصفته الرسمية وزيرًا للأوقاف، من الجهة الراعية للمؤتمر، وهي رئاسة الجمهورية العراقية.

يذكر أن الوزير (44 عامًا)، وهو أصغر وزير يحمل حقيبة الأوقاف في الأردن، هو نجل المرحوم الشيخ نوح علي سلمان القضاة، الذي يعتبر أحد أبرز علماء أهل السنة والجماعة في المملكة الأردنية الهاشمية ومفتيها العام سابقاً والمفتي العام للقوات المسلحة، كما عمل سفيرًا لدى ايران من العام 2001 إلى 2005.

القضاة يستنكر
استنكر الوزير القضاة الهجمات التي شنّت ضده غداة الزيارة، وقال: أستغرب أن يسيء البعض فهم هذه الزيارة وهذه الأنشطة وإخراجها من سياقها الصحيح، ومحاولة تحميلها ما لا تحتمله، وكأن زيارة بلد مسلم شقيق من أقرب الأشقاء لنا تعدّ مدخلاً للتشهير في من يقوم بها، وكأن ذلك يعدّ فتوى ضد ارتكاب محرّم، أو دعماً لظلم، يعانيه إخواننا في سوريا، أو إقراراً لظلم يعانيه بعض مكونات المجتمع العراقي، ولا نعلم ما هو المنطق، الذي وصل إلى مثل هذه النتيجة، متناسياً حقائق الدين، ومصالح الوطن وأبناء الوطن. مذكرين بوصية الله تعالى لنا (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا) وقوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ).

ويعتبر الوزير القضاة أحد أبرز الدعاة السنة في الأردن، حاصل على شهادة الدكتوراه في الفقه وأصوله، ومعد ومقدّم برامج على التلفاز، ورئيس جمعية الشيخ نوح للرفادة.

وهو كان شَغَلَ منصب وزير الشباب والرياضة، في حكومة عون الخصاونة، ويشغل حالياً منصب وزير الأوقاف في حكومة عبد الله النسور. وهو يحمل شهادة الدكتوراه في الفقه والأصول، تخصص المعاملات، عام 1998، من الجامعة الأردنية في الأردن والماجستير في الفقه وأصوله، تخصص الأحوال الشخصية، عام 1993، من الجامعة الأردنية في الأردن والبكالوريوس في الفقه والتشريع، عام 1991، من الجامعة الأردنية في الأردن.

وفي معرض استهجانه الهجمات ضده، قال الدكتور القضاة إن زيارته العاصمة العراقية بغداد كانت quot;حكومة لحكومةquot;، مدافعًا عن أهداف زيارته، التي جاءت للمشاركة في مؤتمر هناك.

زيارة ناجحة
وقال القضاة في حديث لأحد البرامج الإذاعية الصباحية إن زيارته تكللت بالنجاح، وأثمرت عن أربعة أمور لم تكن على جدول أعماله، كالطلب من الحكومة العراقية الإفراج عن المعتقلين الأردنيين، وفتح العراقيين أبواب العمل للأردنيين quot;خاصة وأن معدل رواتب العراقيين يصل إلى 1500 دولارquot;.

وأضاف أن زيارته أثمرت كذلك عن فتح أبواب استثمار أردني في العراق، تمثل في إعطاء الأولوية للمقاولين الأردنيين من قبل الحكومة العراقية، التي تنوي بناء شقق سكنية ومشاريع للإشراف عليها.

القضاة أوضح أن زيارته للنجف والإمام السيستاني أتت بعد لقائه رئيس الوزراء نوري المالكي وتوقيعه على ورقة للإفراج على المعتقلين الأردنيين، لكنها كانت بحاجة إلى موافقة رئيس الجمهورية، ورئيس الجمهورية العراقية جلال الطالباني، في إشارة إلى مرضه، الأمر الذي استدعى اللجوء إلى نائبه.

تابع القضاة أنه عندما تعرف إلى نائب الرئيس سأل عمّن quot;يمون عليهquot;، لأن اللقمة وصلت إلى الفم، فقالوا له إن السيستاني أهل للموضوع، لكنهم نصحوه بعدم الذهاب إليه، لأنه يقطن في النجف، والطريق إليها ليست آمنة، ومليئة بالقناصة، وهناك احتمالات أن تحدث انفجارات، لكنه أصرّ على الذهاب إليه، بعد زيارة المقامات هناك.

وزاد القضاة أن السيستاني طلب منه السماح بالزيارات الدينية للأردن، فوافق القضاة، على أن يلتزم بمذاهب أهل السنة والجماعة من عدم التمسح بالقبور وغيرها من هذه الممارسات، ودافع عن وجهة نظره بالموافقة، quot;ضيف يريد القدوم إليّ فكيف أطردهquot;.

وشدد القضاة على أن كثيرين quot;يغيظهمquot; النجاح، وبعضهم يكنّ الحسد، لكن 99.9 بالمائة من الأردنيين، لا يتمتعون بضيق الأفق الذي يعانيه الباقون.

مؤتمر الحوار الاسلامي
وبيّن القضاة في تصريحات صحافية أنه تقدّم بكلمة في المؤتمر الإسلامي الدولي للحوار، مشيرًا إلى أن برنامج الزيارة تضمن زيارة بعض المواقع الدينية والتاريخية، مثل ديوان الوقف السني، وديوان الوقف الشيعي، ومسجد الإمام الأعظم أبي حنيفة رضي الله عنه، ومسجد الإمام موسى بن جعفر، الذي دفن فيه مع حفيده الإمام محمد بن علي بن موسى الجواد، وزيارة المرجع الشيعي السيد علي الحسيني السيستاني.

من جهتها، أصدرت وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية إيضاحات عن زيارة وزيرها للعراق واللقاءات التي أجراها هناك، وهي جاءت على النحو الآتي:

أولاً: إنه مما لا يخفى على أحد أهمية العلاقة التاريخية بين الدولتين الأردن والعراق، في شتى المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، وتأتي تلبية هذه الدعوة متسقة مع طبيعة هذه العلاقة، وتوطيد دعائمها، التي تعود بالنفع على الشعبين.

ثانياً: جاءت كلمة الوزير لتؤكد المفاهيم المتفق عليها بين المسلمين بعمومهم، ومنها أنّ استقرار العراق ونهضته وعودته ليحتل المكانة اللائقة به في وسطه الإسلامي والعربي هو ما يهمّ جميع المسلمين، وشدد على حرمة دماء المسلمين، وأنه يجب على علماء المسلمين أن يربأوا بأنفسهم أن يساهموا في الفتن التي تستباح بها دماء المسلمين، مثلما إنّ الدين الإسلامي كان دائماً عاملاً من عوامل الوحدة بين المسلمين، والفرقة فرضت على مجتمعات المسلمين من خارجهم، وأن علماء المسلمين يجب أن يعززوا هذه الوحدة، لتوجيه جهود المسلمين لما فيه مصلحتهم العامّة، بدلًا من أن تكون خلافاتهم سبباً لترك مهمتهم الأساسية وشرخاً يضعفهم في مواجهة أعدائهم المشتركين.

ثالثًا: إن زيارة الوزير للمساجد المذكورة جاءت ضمن الضوابط المشروعة، قال تعالى (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا)، وقد نص علماء أهل السنة على جواز زيارة المساجد والقبور بشرط أن لا يكون فيها طواف ولا تمسح بالقبور. إن مكانة الإمام أبي حنيفة النعمان لا تخفى على أحد من أهل السنة، ولكن الذي يغفل عنه البعض أن علماء أهل البيت هم محل احترام وتقدير عند أهل السنة، كما هم محترمون عند الشيعة، ولو رجع الناس إلى ما كتب علماؤنا في فضلهم لعرفوا ذلك، فقد ترجم الإمام الذهبي للإمام موسى الكاظم فقال: إنه الإمام القدوة السيّد، وذكر بمناقبه وكيف كان يحلم على من يسيء إليه، وينهى تلاميذه عن ردّ الإساءة بمثلها، وهل أمتنا بحاجة إلى غير ذلك اليوم؟، إن مسجد الإمام أبي حنيفة يمثل رمزاً لمدرسة أهل السنة في العراق، كما يمثل مسجد الإمام الكاظم رمزاً لمدرسة الشيعة هناك، وما كان هذان العلمان في يوم من الأيام إلا دعاة وحدة بين المسلمين، وواجب المسلمين أن يقتدوا بمثل هؤلاء، فهم رمز للعصر الذهبي للإسلام، قبل أن يدخل بيننا من يريد استغلالهما للتفرقة بين المسلمين.

رابعًا: إن زيارة الوزير لديواني الوقف السني والشيعي، وهي التي تمثل نظير وزارة الأوقاف، تأتي ضمن بحث القضايا والاهتمامات المشتركة بين البلدين.

هذا يقع ضمن الترتيبات البرتوكولية بأن يزور الوزراء والمسؤولون نظراءهم، والدول ndash; والأشقاء من باب أولى - يتعاملون مع بعضهم على أساس الأخوة والمصالح المشتركة، لا على أساس الطوائف أو الأحزاب، وإلا كان ذلك من باب تعزير الطائفية وتعميق الخلافات بين المسلمين، وهو ما لا يجوز شرعاً، ولا يقبل في العرف السياسي.

خامسًا: وفي إطار بحثه قضية الإفراج عن المعتقلين الأردنيين في السجون العراقية، وإيصال رسالة الأردن بالمطالبة بالإفراج العاجل عنهم لإنسانية قضيتهم، وأهمية إنهاء هذا الملف، تم إعلام الوزير بأن للمرجع الشيعي السيستاني سلطة أدبية على بعض المسؤولين عن هذا الملف في الحكومة العراقية، حيث إن أهل العراق ndash; باختلاف طوائفهم - يجلون علماءهم، فقام الوزير بزيارة السيستاني - رغم أن هذه الزيارة لم تكن ضمن البرنامج المعدّ سلفاً- وطلب منه التدخل شخصياً لحل هذه المشكلة، وهو ما لاقى استحساناً من مسؤولي الحكومة العراقية، وستكون له مساهمة في حل هذه القضية في القريب العاجل، فهي قضية تهم كل أردني، ومن الواجب الشرعي والوطني العمل على حلها، مهما كان الثمن.

سادساً: وفي إطار هذه الزيارة طلب الجانب العراقي من الأردن تسهيل استقبال السائحين من الأخوة العراقيين في الأردن، حيث بيّن لهم الوزير أن الأردن يرحّب بأشقائه جميعاً وبكل ضيوفه، وأنه يسرّنا استقبال إخوتنا العراقيين، الذين يرغبون في السياحة الدينية بزيارة مسجد سيدنا جعفر رضي الله عنه في الكرك، ولكن بشرط الالتزام بالضوابط الشرعية، فلا لطم ولا طواف بالقبر، ولا تمسّح، ومع احترام الخصوصية الدينية والثقافية للمجتمع الأردني بعدم الدعوة إلى مذاهب غير أهل السنة، وهو ما تفهمه الإخوة في الجانب العراقي.