تساقط المطر غزيرًا على العراق، ففاضت مدن ونفقت ماشية وغرقت أحياء وتلفت مزارع، وانكشف أيضًا فساد المسؤولين ومقاولي الصرف الصحي، وغياب أي خطط واضحة للانقاذ في الأزمات وحالات الطوارئ المشابهة.

بغداد: فاجأت الامطار في العراق المواطنين الذين لم يكونوا متهيئين لهذا التطور المناخي المفاجىء، لتتحول نعمة الشتاء التي طالما انتظروها إلى نقمة. فالخسائر التي سببتها الفيضانات فاقت المتوقع، لاسيما بين مزارعين طالما حلموا بأمطار غزيرة تروي مزارعهم التي تعاني من الجفاف.
ويعترف المزارع احمد حسين من الديوانية أنه لم يتوقع في يوم من الايام أن تجبره مياه الامطار على ترك بيته واللجوء إلى اقرباء له، بعدما بات عاجزًا عن صد كميات المياه المتدفقة إلى داخل البيت.
ويروي مندهشًا: quot;لم يحدث هذا من قبل، فنحن نعاني على الدوام من الجفاف وانعدام سقوط الامطار، حتى تشققت الارض، فأتت ساعات متواصلة من الأمطار الغزيرة، بقينا أمامها عاجزين لا نعرف ما نفعل، فلم استطع انقاذ حتى المواشي التي تركتها في المزرعةquot;.
متساقطات قياسية
يؤكد ضابط الشرطة احمد فاضل من الهاشمية في بابل انتشال جثتي طفلين من منزل طيني تهدّم جراء الهطول المتواصل للأمطار.
وبحسب هيئة الأنواء الجوية العراقية، بلغت كمية الأمطار المتساقطة 63 ملليمترًا، وهي الأكبر منذ ثلاثين عامًا.
لكن الاكاديمي في علوم الجغرافيا علي قاسم يؤكد أنه في بعض المناطق مثل البصرة والديوانية والسماوة، وصل معدل الامطار الساقطة إلى حوالي 70 ملليمترًا في أيام، في حين أن معدل الأمطار السنوي في العراق يتراوح ما بين 50- 200 ملليمتر.
وبالرغم من أن العراق يعاني من شح واضح في مصادر المياه، الا أنه لم ينجح عبر عقود، لاسيما بعد العام 2003، في اقامة مشاريع تخزين وارواء عصرية، تسهم في الاستفادة القصوى من المياه، بدلًا من ذهابها إلى البحر.

جرفت وعزلت الأحياء
نقلت وسائل الاعلام أن السيول القادمة من ايران تسببت بإتلاف مئات الدونمات من الأراضي الزراعية، ومحاصرة المزارعين الذين يجري اخلاؤهم بالطائرات المروحية لاسيما في المحافظات المحاذية لايران، مما تسبب بإتلاف الكثير من المحاصيل الزراعية مثل الحنطة والشعير اللذين تشتهر بزراعتهما تلك المناطق.
ويؤكد المزارع ابو عصام من الديوانية أنه فقد نحو عشرة من رؤوس الماشية بسبب تيارات الماء السريعة التي جرفت كل شيء معها.
إضافة إلى ذلك، تسببت الازمة في عدم تدفق المنتجات الزراعية، ما أدى إلى ارتفاع اسعارها.
وكانت السلطات المحلية في مدن الوسط والجنوب، اعلنت توقف المؤسسات والمدارس عن العمل بسبب الظروف الجوية الاستثنائية التي تسببت في مقتل عدد من الاشخاص وتسببت في هدم العديد من المنازل.
ويقول المهندس المدني عامر عبد الله من بلدية الحلة جنوب بغداد إن الامطار قطّعت أوصال المدن، وتسببت في مشاكل لوجستية حتى صارت احياء الكثير من المدن عبارة عن جزر متناثرة تحتاج إلى سفن للوصول إليها.
يضيف: quot;لا تتمتع مدن العراق بشبكات مجارٍ لتصريف المياه، والموجود منها لا يصلح للعمل بسبب التقادم، فقد فاضت مئات المراحيض، واختلطت بأنابيب مياه الشرب في الكثير من المناطقquot;.
وبحسب عامر، عرّت موجة مطر واحدة المسؤولين والمقاولين، الذين اسسوا لمشاريع مجارٍ وهمية، وكشفت للناس حجم الفساد الذي اختفى خلف كتل الاسمنت والإسفلت.
خسائر الفقراء
ينقل المرشد الزراعي حمزة حسن مشاهداته الميدانية عن تعرض مئات الهكتارات من مزارع الطماطم والقمح والفواكه إلى التلف. كما سجلت العشرات من حالات نزوح الفلاحين من قراهم إلى اماكن أخرى.
ويطالب فلاحون في القرى، ومواطنون في المدن مساعدتهم على تجاوز الازمة عبر تعويضات مادية تصرف لهم.
ويقول الفلاح ابو تحسين جنوبي الديوانية إن اغلب الفلاحين لن يستطيعوا الشروع بفعالياتهم الزراعية وإصلاح الخراب الذي حل بمزارعهم من دون المساعدات الحكومية.
ويؤكد المواطن صبري عبود أن اغلب المتضررين هم من الفقراء الذين تهدمت بيوتهم وتضررت ممتلكاتهم، quot;اما الاغنياء اصحاب الفلل والقصور الفخمة فكانوا يشاهدون ضحايا الفيضانات والسيول من ابراجهم العاجيةquot;.
إنقاذ إرتجالي
تنتقد الناشطة النسوية لمياء حسن القوى السياسية التي استعرضت عضلات مرشحيها في الانتخابات، لكنها اثبتت فشلًا ذريعًا في مساعدة الناس على التخلص من أضرار الفيضانات.
وتؤكد حسن، العاملة منذ 3 سنوات مع منظمات المجتمع المدني في اعمال الطوارئ، أن الازمة المناخية الاخيرة اثبتت أن مؤسسات الدولة ومن ضمنها مؤسسات الدفاع المدني لا تمتلك خطة واضحة لحالات الطوارئ ، quot;فأعمال الانقاذ في بعض المناطق كانت عفوية وارتجالية، ولو كانت هناك خطط طوارئ مجربة وتم التمرّن عليها من قبل، لكانت الخسائر أقلquot;.
وتتابع: quot;كان من المفترض أن تشكّل الاحزاب حملات تطوعية وفرق انقاذ لتساعد الناس والشرطة التي ساعدت الناس على تجاوز الازمة بإمكانيات محدودةquot;.
وتحث حسن المسؤولين على توفير المساعدة العاجلة لإيواء العائلات النازحة، لاسيما في المناطق القروية، وتوفير المياه والطعام لهم.