laquo;في جنح الظلامraquo;، هو الفيلم الرئيسي الثاني الذي تخرجه كاثرين بيغالو عن الأحداث السياسية في العالم الإسلامي بعد laquo;خزانة الأذىraquo; عن laquo;حرب العراقraquo;. لكن يبدو أنها خففت وطء الفيلم الجديد سداداً لدين مستحق عليها من laquo;سي آي ايهraquo;.


لندن: ألقت وكالة الاستخبارات الأميركية laquo;سي آي ايهraquo; بثقلها كاملاً للضغط على كاتب سيناريو الفيلم Zero Dark Thirty laquo;زيرو دارك ثيرتيraquo; عن عملية مقتل زعيم laquo;القاعدةraquo; أسامة بن لادن.

عنوان الفيلم يعني laquo;بين منتصف الليل والفجرraquo; أو laquo;في جنح الظلامraquo; إذا أردت المقصود منه بالضبط. وهو من ثمرات كاثرين بيغالو، حائزة الأوسكار في 2009 لأفضل مخرج عن فيلمها The Hurt Locker laquo;خزانة الأذىraquo; عن حرب العراق.

غسل الأقذار

الواقع أن laquo;في جنح الظلامraquo; صُوّر وسط أضواء إعلامية ساطعة وقيل وقتها إنه laquo;أفضل دعاية ممكنة للاستخبارات الأميركية ولإدارة الرئيس باراك أوباماraquo;. وعُلم أن سي آي ايه تبرّعت له بأسرار دفينة عن كيفية التخطيط لاغتيال بن لادن والأدوار الخفية التي لعبها مختلف العملاء والجواسيس.

ولكن، تبعًا لموقع Gawker الأميركي الإخباري - والصحف الأميركية والبريطانية التي نقلت النبأ عنه - فقد رضخ كاتب سيناريو الفيلم، مارك بوال، ومخرجته بيغالو لضغوط هائلة من وكالة الاستخبارات فعدّلا - أو حذفا بالكامل - الكثير من المشاهد التي تحوي العنف والتعذيب فلا تلقي بظلال داكنة على الأسلوب الأميركي في محاربة الإرهاب.

قراءة وتوجيهات

يقول الموقع إنه حصل - بفضل قانون الحق في الحصول على المعلومات - على رزمة كبيرة من الوثائق التي تكشف هذا الأمر. ومن بين هذه مذكرة صادرة في 2012 وتحوي تفاصيل خمسة اجتماعات بالفيديو في أواخر 2011 بين بوال (كاتب السيناريو) ومكتب الشؤون العامة في سي آي ايه. وكان بوال يقرأ خلال هذه الاجتماعات أجزاء من سيناريو الفيلم ويتلقى ردة فعل مكتب سي آي ايه الصحافي عليها من قبول أو توجيه بالتعديل أو الحذف.

عميلتنا ليست جلّادًا

كان بين ما عدلته سي آي ايه أحد مقاطع الفيلم الأولى عن عملية تعذيب أحد الأسرى، وتظهر فيها بطلته العميلة الأميركية laquo;ماياraquo; (تؤدي دورها الممثلة جيسيكا تشيستين). وفي النسخة الأصلية صُورت هذه العميلة، والعميلة تشارك بنفسها في التعذيب، كالإغراق الوهمي waterboarding (الأسلوب المفضل في غوانتانامو) وحشر السجين في صندوق ضئيل الحجم... وهكذا دواليك.

لكن سي اي ايه اعترضت على هذا المشهد. وجاء في وثائقها أنه laquo;لا يعكس الواقع. يسرنا أن مارك بوال أبدى استعداده لعلاج هذا الأمرraquo;. ورغم أن الكاتب لم يحذف هذا المشهد بأكمله، فقد وافق على عدم إشراك العميلة مايا في تعذيب السجين شخصياً واكتفى ndash; مع سي آي ايه - بأن تكون شاهدة فقط.

حذف بالكامل

يرد في وثيقة أخرى أن من ضمن الذي اعترضت عليه سي اي ايه مشهداً يظهر فيه كلب وهو يتحرّش بسجين آخر. ووفقًا للوكالة فإن laquo;هذا النوع من الترهيب عمل لا نلجأ اليهraquo;. وتحتفي هذه الأخيرة بأن بوال laquo;وافق في كانون الثاني (يناير) الماضي على حذف سائر المشاهد التي تُستخدم فيها الكلاب لانتزاع الاعترافات من السجناءraquo;.

ويقول موقع laquo;غوكرraquo; إن حرص الوكالة الأميركية على هذا الأمر بالذات ينبع في ما يبدو من إدراكها للحساسية التي تتعامل بها الثقافة الإسلامية مع الكلاب. ومع ذلك فالمعروف أن استخدام هذه الحيوانات أسلوب للتعذيب ابتدعه الجيش الأميركي ووظفه خصوصًا وسط سجناء غوانتانامو، وظهر ايضاً في صور التعذيب التي تسربت من سجن ابو غريب العراقي.

تنسيق منذ البداية

الوثائق التي أماط اللثام عنها موقع laquo;غوكرraquo; هي في الواقع حلقة في سلسلة تكشف حجم التنسيق الذي تم بين سي آي ايه والقائمين على شؤون فيلم laquo;في جنح الظلامraquo;. فقد سلطت الصحافة الأميركية في يناير الماضي على أن السلطات الأميركية - وخاصة الوكالة الاستخبارية - وفرت لبيغالو وبوال ما سُمي بـlaquo;خارطة الطريقraquo; لتخطيط العملية الحربية التي أدت الى مقتل زعيم القاعدة في أبوت اباد، شمال باكستان، في آيار (مايو)2001.

وأُكملت هذه في اجتماع لمدة 45 دقيقة مع مايكل فيكرز، أعلى مسؤول استخباراتي مدني في عموم الولايات المتحدة. كما تلقى كل من بوال وبيغالو معلومات مفصّلة عن العملية من كبار مسؤولي سي آي ايه وكبار الضباط في وحدة laquo;سيلraquo; الخاصة التابعة للبحرية الأميركية، والتي اوكل اليها تنفيذ العملية.

نقد حاد

كل هذه المعلومات طفت الى السطح بفضل جماعة تسمى Judicial Watch laquo;جوديشيال ووتشraquo; المعنية بحرية الحصول على المعلومات في الولايات المتحدة. وكان رئيسها، توم فيتون، قد وجه انتقادات حادة الى البيت الأبيض واتهمه بسوء التصرف لإعطائه معلومات تتصل بأمن البلاد القومي الى صنّاع السينما في هوليوود.

وقالت هذه الجماعة نفسها إن الغرض من ذلك سياسي، فاتهمت طاقم البيت الأبيض بأنه ساعد بوال وبيغالو حتى يرفع اسهم الرئيس باراك أوباما خلال حملته الانتخابية وسعيه لولاية رئاسية ثانية وقتها.