وصل عدد قليل جدًا من أعضاء التيار المدني العراقي إلى مجالس المحافظات في الانتخابات الأخيرة، والكل متفق على أنهم يعجزون عن إحداث تغيير جذري في الوضع العام في العراق، إذ ما بيدهم حيلة أمام حيتان تمرّست لسنوات في نهب المال العام.

بغداد: أعرب العديد من المواطنين العراقيين عن أسفهم لكون التيار المدني الديمقراطي أو العلماني لم يستطع أن يحرز نتائج جيدة في انتخابات مجالس المحافظات، مؤكدين أن الوضع العام في البلاد باقٍ كما هو عليه، لأن التغيير صعب ما دامت الوجوه نفسها هي التي ستقوم على مسؤولية هذه المجالس.
ورأى عراقيون أن التيار الديمقراطي أو العلماني غير قادر على تغيير الواقع، بينما أكد البعض أن الفائزين من هذا التيار سيكونون شهود زور على واقع سيىء وظروف يتسيدها الفساد، على الرغم من أن البعض يرى أنهم سيحركون شيئًا من الجمود نحو شيء من التغيير.
ويمكن الاشارة هنا إلى ما كتبته الناشطة سلوى زكو على صفحتها في موقع فايسبوك قائلة: quot;من حق التيار المدني الديمقراطي أن يحتفل بصعود عدد من ممثليه إلى مجالس المحافظات، ومن حقنا أن نقلق على هؤلاء المنتخبين، لأنهم يعملون مع كواسر وحيتان تمرّست في نهب المال العام وعقد الصفقات المشبوهة ثم الصاق التهمة بالآخرين، نقلق عليهم لأنهم قلة قليلة قد يسهل عزلها عن مجريات الامور، ونقلق عليهم من توقعات جماهيرهم التي انتخبتهم، لكن يظل الامل معقودًا عليهم لأنهم يمتلكون مشروعًا واضح المعالم، وهم الأكفأ والأكثر معرفة والأشد اندفاعًا إلى العمل، وقلبي معكم ايها الأنقياءquot;.
وكانت القوائم الانتخابية التي اشترك فيها التيار الديمقراطي العراقي حصلت على 10 مقاعد فقط من بين 400 مقعد في مجالس محافظات بغداد والبصرة والديوانية والمثنى وواسط وبابل وكربلاء وذي قار.

الديمقراطيون عاجزون
اكد المواطن تيسير ما شاء الله، الموظف في وزارة التعليم العالي، أن الديمقراطيين واليساريين لا يمكنهم أن يغيروا لأنهم سيواجهون صعوبات كثيرة. وقال: quot;كنت اتوقع أن يكون عدد الفائزين من التحالف الديمقراطي اكبر، ولكن يبدو أن الطائفية ما زالت تنشب اظفارها في اصوات الناس، ولست متفائلًا أن يفعل اليساريون شيئًا مؤثرًا، لأن الاكثرية ليست على هواهم، بل يتقاطعون معها، والاكثرية ستحارب اليساريين، وستحاول التأثير عليهم بالمشاركة معهم في فسادهم، وإنني على يقين من أنهم لن ينحرفوا، ولكن المؤكد أن صوتهم سيضيع.
من جانبها، اشارت لميعة عبد الرضا إلى أن الشيوعيين قادرون على التأثير في الآخرين وتغيير سلوكهم. وقالت: quot;هذه خطوة أولى، وبالتأكيد وجود يساريين أو شيوعيين ضمن مجالس المحافظات سيكون علامة فارقة، اذ أن الاغلبية الفاسدة، لا تعمل لصالح المواطن، وهي التي سيكون لأصواتها صدى، وكلي أمل في أن يستطيع الشيوعي الوحيد أن يؤثر ايجابًا في الآخرين ويعلمهم معنى العمل والنزاهةquot;.
وأبدى المواطن ابو كريم الدراجي تشاؤمه من قدرة اليساريين على التغيير، لأن القضية اكبر من قدراتهم. وقال: quot;لا يمكن لواحد أو اثنين أو عشرة أو عشرين تغيير واقع سيطرت عليه الاكثرية من الاسلاميين، فهذا صعب جدًا، واعتقد أن وجود أي علماني وسطهم سوف يكون مجرد رقم عابر وغير مؤثرquot;.
شهود زور
على الصعيد ذاته، اقترح الدكتور كاظم المقدادي، الخبير الاعلامي والاكاديمي، أن ينسحب الفائزون اليساريون لأنهم سيكونون شهود زور. وقال: quot;أنا اعتقد أن المقعد سيكون فخريًا وليس سياسيًا، فمشكلة الاحزاب اليسارية أنها ما زالت متقوقعة داخل اطارات وآليات قديمة، وما زالت الشعارات للأسف هي نفسها، ولم يفهموا طبيعة التغيير الذي يحدث، واعتقد أنني قلت في احدى محاضراتي كيف تمت محاربة الماركسية، فقد حاربوها بالانسان الآلي الذي لا يتظاهر ولا يطالب بحقوقه، فمصنع رينو في فرنسا يوظف الانسان الآلي ويطرد من 50 إلى 100 عامل، فهم ما زالوا متمسكين بالمنظومة الفكرية التي لا علاقة لها الآن بالواقعquot;.
أضاف: quot;للامانة اقولها، هم من النزاهة ومن الاخلاص والعمل والوطنية مما يشهد لها، ولكن الواقع الآن يتحرك، لا اطلب منهم أن يكونوا عديمي النزاهة والوطنية، لكنهم لا يفهمون الواقع، ما زال علم المنجل والمطرقة مرتفعًا مع أن الاتحاد السوفيتي انهار، واصدروا لنا بيانًا في عيد العمال (يا عمال العالم اتحدوا)، في العراق صار النداء (يا عمال العالم صلوا على النبي)، أي أعطوا طابعًا دينيًا للحركة العماليةquot;.
وتابع المقدادي قائلًا: quot;يجب أن يكون هناك تغيير، وحرام أن يفوز من ليس لديه أي شيء ليقدمه، بينما يخسر اليساريون والشيوعيون، لذلك يجب إجراء مراجعة فكرية ونقدية كبيرة، ولا اعتقد أن اليساريين الذين فازوا بمقاعد في مجالس المحافظات سيفعلون شيئًا، بل سيكونون شهود زور ليس الا، والافضل لهم أن ينسحبواquot;.
طروحات قديمة
اما الكاتب والمحلل السياسي عبد الزهرة الطالقاني، فقد أشار إلى عدم القدرة على تقديم افضل مما قدمه السابقون، وقال: quot;لا اعتقد أن اليساريين قادرون على تغيير الواقع، لانهم ما زالوا يعتمدون على طروحات قديمة من انتاج الاربعينيات والخمسينيات، فلم يستطيعوا انتاج فكر جديد، ولم يطوروا الافكار التي اعتبرت اسسًا لأفكارهم كعلمانيين، لذلك لا اعتقد أنهم سيأتون بجديدquot;.
أضاف: quot;ليس هذا معناه أن الكتل التي فازت لم تقدم شيئًا للعراقيين، لكن المواطن العراقي لمس عن قرب انحسار الخدمات، وسجل ذلك بشكل واضح من خلال عدم مشاركته بالانتخابات، كون الذين رشحوا أنفسهم والذين كانوا في سدة المسؤولية لم يكونوا في مستوى الطموح، وانا شخصيًا لا اتوقع أن يقدم الشيوعيون أو أي حزب ليبرالي اكثر مما قدمه الاسلاميون، مع كثير من الملاحظات على الاحزاب الاسلاميةquot;.
من جهتها، اكدت الناشطة المدنية والسياسية شروق العبايجي أن التيار الديمقراطي سيعمل من أجل التغيير وتصحيح المسارات الخاطئة.
وقالت: quot;إن وصول عدد من التيار الديمقراطي إلى مجالس الانتخابات يشكل نقلة نوعية عن الانتخابات السابقة، فالتحدي الكبير هو في مواجهة المجموعة الأخرى من حيتان الفساد والطائفية، والكثير منهم يرتبطون بأمراء حروبquot;.
أضافت: quot;التحدي الاكبر أمام هؤلاء، وإن كانوا قلة قليلة، يكمن في أن يستطيعوا أن يحدثوا تغييرًا نوعيًا على الاقل في الأداء والتصريحات كنموذج، ولا يمكن أن نحملهم أكثر من طاقتهم، ونقول إنهم سيعملون على تغيير الوضع بأكمله، ولكن بالتأكيد يقع على عاتقهم تأسيس اللبنة الصحيحة، من أجل تصحيح المسارات الخاطئة الاخرىquot;.
اما محمد علوان جبر، عضو الحزب الشيوعي العراقي، فقال: quot;ستكون للشيوعيين واليسار التقدمي بشكل عام نظرة دقيقة باتجاه عقد الحاضر التافه بامتياز، إذا لم يتحولوا إلى شهود زور على واقع فاسد، فهم على الاقل سيحركون الجمود والتوجه العلمي والانساني والحضاري إلى فسحة التغيير المطلوب منهم كنواب في مجالس محافظات، بالرغم من قلة المقاعد التي حصل عليها الحزب الشيوعي العراقي، فهو خير لما فيه من الفائدة للعراق.