تقبل الانتخابات الرئاسية الإيرانية محملة بالعديد من المفاجآت والرهانات، خصوصًا مع ترشح هاشمي رفسنجاني، الذي غيّر معادلة التنافس وأخرجه من الفريق المتشدد الواحد، إلى فضاء أوسع. وتتجه الأنظار إلى رد فعل أحمدي نجاد في حال استبعاد مرشحه ونسيبه أسفنديار مشائي.

لندن: يتوجه ملايين الايرانيين إلى صناديق الاقتراع الشهر المقبل لانتخاب خليفة لمحمود احمدي نجاد، الرئيس الشعبوي سليط اللسان الذي دعم المرشد الأعلى آية علي خامنئي ترشيحه في العام 2005، وفاز بولاية ثانية بعد أربع سنوات في انتخابات مطعون بنزاهتها. وما زال زعيم الحركة الخضراء مير حسين موسوي، الذي قال إن الرئاسة سرقت منه في العام 2009، تحت الاقامة الجبرية، وانصاره ما زالوا مشتتين في السجون أو المنافي.
وما لم تحدث مفاجآت، لن يُسمح لمرشح ينتمي علنًا إلى المعارضة بالترشح لخوض السباق الرئاسي. لكن تسجيل الرئيس السابق، البرغماتي ذي النفوذ الواسع، هاشمي رفسنجاني في اللحظة الأخيرة يوم السبت الماضي قلب الافتراضات القائلة إن السباق سيكون بين محافظين متشددين من لون واحد.
ويتسم المشهد بالتعقيد على الايرانيين بقدر تعقيده على المراقبين الأجانب. وقالت فرح، وهي امرأة مهنية متوسطة العمر: quot;المفاجأة ثابت من ثوابت انتخاباتناquot;. والثابت الآخر هو أن الايرانيين يبدون لامبالين ولكنهم يندفعون نحو مراكز الاقتراع والتصويت في اللحظات الأخيرة. وتسود البلبلة حتى بين الخبراء. واعترف صادق زيباكلام، استاذ العلوم السياسية في جامعة طهران، لصحيفة غارديان قائلًا: quot;إن اسئلة كثيرة ما زالت بلا إجابةquot;.
اتجاه إيران
لا شك في أن الرهانات كبيرة، للجمهورية الاسلامية وربما حتى للعالم. فمواجهة إيران مع الغرب بسبب برنامجها النووي والعقوبات الدولية والأزمة الاقتصادية الخانقة والآمال المعقودة على حدوث تغيير في الداخل يمكن أن تتأثر بنتيجة الانتخابات. وقال محمد علي شعباني، رئيس تحرير مجلة ايرانيان ريفيو اوف فورين افيرز: quot;إن معركة الرئاسة لا تتعلق بالسلطة التنفيذية فحسب، بل باتجاه ايران كلها في المرحلة المقبلةquot;.
وتتوقع وسائل الاعلام الرسمية نسبة عالية من المشاركة للتطبيل بها، كدليل على وجود نظام ديمقراطي كامل النضج. لكن تحت سطح الحماسة هناك احساس باللامبالاة لأسباب ليس أقلها الذكريات المريرة لسحق الاحتجاجات التي اعقبت الاعلان عن فوز احمدي نجاد عام 2009.
وقال موروارد، الذي يعمل مديرًا في شركة تأمين: quot;هذه الانتخابات ستُزوّر مثلما زُوّرت الانتخابات السابقةquot;، مستبعدًا أن يوافق مجلس صيانة الدستور على أي مرشح لا يتفق ايديولوجيًا مع المرشد الأعلى. ويقول آخرون يشكون مسبقًا في نزاهة الانتخابات إنهم سيدلون بأصواتهم تجنبًا للعقاب ولكنهم سيتلفون اوراقهم الانتخابية.

ريبة من النظام
يذهب الرأي الآخر إلى أن هذه الانتخابات التي تحولت إلى منافسة مثيرة يمكن أن تحدث تغييرًا حقيقيًا. وحذر محمد (25 عاماً) بالقول: quot;إذا لم نشارك سينال النظام أغلبية وسيواصل تنفيذ اجندتهquot;. لكن صديقته الجامعية باريسا قالت غاضبة: quot;ما حدث في الانتخابات السابقة أثبت شيئًا واحدًا هو أننا بلا أهميةquot;.
ونقلت صحيفة غارديان عن باريسا قولها: quot;إن اصدقاءنا تعرضوا للضرب والسجن والاغتصاب، من أجل ماذا؟ بعضهم غادروا البلاد والعديد قُتلوا أو ما زال مصيرهم مجهولاً، وإذا انتخبنا يعني ذلك اننا موافقون على كل ما حدث لنا ولأصدقائناquot;.
ويقول موالون للنظام إن من واجبهم الدفاع عن الثورة الاسلامية، بحسب تعبيرهم. علي انصاري من جامعة سانت اندروز في اسكتلندا قال إن الانتخابات السابقة تلقي ظلالًا كثيفة على هذه الانتخابات وهي تؤثر في سلوك الجميع. واضاف: quot;هناك ريبة عارمة من النظام والشعب لن يُخدع مرة أخرىquot;.
وسيختار الناخبون خليفة احمدي نجاد من قائمة مرشحين، بينهم سعيد جليلي كبير مفاوضي الملف النووي والموالي للمرشد الأعلى ولاء مطلقًا. لكن حسن روحاني، الذي تولى ايضًا مسؤولية الملف النووي في السابق، أقرب إلى الوسطية. ويجمع باقر قليباف عمدة طهران والقائد السابق في الحرس الثوري الايراني بين اجندة تحديثية وسمعة بوصفه اداريًا كفؤًا، على حد وصف صحيفة غارديان. ومن المرشحين المحافظين الآخرين وزير الخارجية السابق علي اكبر ولايتي.
شماس أو كاهن؟
من أشد التطورات اثارة للاهتمام كان ترشح رفسنجاني في اللحظة الأخيرة، الذي اعتبره احد المراقبين انتصار الأمل على الخبرة. ولدى رفسنجاني، البالغ من العمر 78 عامًا، سجل يعود إلى ما قبل الثورة الاسلامية في العام 1979، ويُحسب له إقناع آية الله الخميني بانهاء الحرب المدمرة التي استمرت ثماني سنوات مع العراق.
ولم يجاهر رفسنجاني، الذي انتصر عليه احمدي نجاد في العام 2005، بتأييد المعارضين الخضر في العام 2009، لكنه حث السلطة على معالجة قضايا المواطنين بعد ذلك. وبخلاف الاصلاحي محمد خاتمي، الذي تعتبر ولايته من 1997 إلى 2005 عصرًا ذهبيًا، فإن رفسنجاني أبقى قنواته مفتوحة مع المرشد الأعلى علي خامنئي.
وقال روبرتو توسكانو، سفير ايطاليا في طهران، حين فاز احمدي نجادللمرة الاولىإن المرشد الأعلى يريد مساعدًا مطواعًا منضبطًا، لكنه يحتاج ايضًا إلى رئيس يحل المشاكل الحساسة.
اضاف: quot;كان احمدي نجاد مفاجأة غير سارة للمرشد الأعلى بعد ما ظنه سيكون شماسًا، ولكن اتضح أن احمدي نجاد يريد أن يكون كاهنًاquot;.
سياسة واقتصاد
قال حامد رضا، وهو موظف حكومي متوسط العمر: quot;لا يهمني من يصبح رئيسًا، ولكن أرجو على بركة الله أن يكون شخصًا يستطيع حل مشاكل البلاد الاقتصاديةquot;.
واضاف انه سأم من القلق بشأن الأسعار اليومية والتضخم، لكن مورواردن المدير في شركة تأمين، أكد أن التغيير السياسي هو المهم، مفضلًا أن يفوز مرشح يستطيع تحسين الوضع السياسي على مرشح لاديمقراطي لكنه يفهم بالاقتصاد.
والاصلاحيون وحدهم يجرؤون على القول بصراحة إن القضايا التي تتعلق بظروف معيشة الايرانيين ترتبط ارتباطًا لا فكاك منه بالسياسة الخارجية.
وقال محمد كروبي، الذي خاض والده مهدي الانتخابات السابقة مع موسوي وما زال مثله تحت الإقامة الجبرية: quot;إن الايرانيين يشعرون بأنه إذا أمكن تحسين العلاقات مع الغرب سيطرأ تحسن على الوضع من الناحية الاقتصاديةquot;.
واشار إلى معاناة الايرانيين بسبب نقص الأدوية مثلًا، وقال إن لدى الجميع مشاكل بسبب العقوبات.

صانع الرؤساء
ما زال المجال مفتوحًا على تطورات مثيرة أخرى من الآن حتى يوم الانتخابات. ويرى مراقبون أن احد الأسئلة ذات الأهمية البالغة هو ما إذا كان مجلس صيانة الدستور سيوافق على اسفنديار رحيم مشائي، مدير مكتب احمدي نجاد السابق الذي يمقته الخامنئي وانصاره.
ويعتقد البعض بأنه إذا استبُعد مشائي فإن الرئيس المنتهية ولايته قد يدخل في مواجهة مباشرة مع الخامنئي خلال الايام الأخيرة من رئاسته، ربما بالكشف عمّا حدث فعلًا في العام 2009 أو برفضه تزوير الانتخابات مرة اخرى. ومن غير المعروف إذا كان رفسنجاني مرشحًا جديًا أم انه يعتزم أن يكون صانع الرؤساء.
في كل الأحوال، سيكون من الخطأ النظر إلى الانتخابات على انها بلا معنى، مثلما يقول خصوم النظام الراديكاليون. فتغييرات كبيرة حدثت في عهدي رفسنجاني وخاتمي. ونقلت صحيفة غارديان عن مراقب ايراني في المهجر قوله: quot;ايران ليست نظامًا ديمقراطيًا، ولكنها ليست نظامًا مركزيًا بالكامل على الطريقة السوفيتية أيضًاquot;.
اضاف: quot;هناك قدر من السجال السياسي حول توزيع الثروات والشفافية والادارة، وهذا السجال المحدود يمنح النظام مرونة كافية لتصحيح بعض اخطائه، كما أنه يجرد فكرة اسقاط النظام من طاقتهاquot;.