في غزة، ينتشر أطفال وأولاد على مفترقات الطرق، يبيعون البزر والترمس والسجائر، يوزعهم ذووهم صباحًا، ويلمونهم ليلًا، وقد حرموا من طفولتهم بسبب فقر يكافحونه بأعمال لا تناسب أعمارهم.

غزة: تتجدد المعاناة في كل صباحٍ في غزة، حيث لا يعرف الصغار طعمًا للحياة، ولا تسكن عيونهم إلا الدمعات. حكاياتٌ مختلفة وواقع أليم يعيشه أطفال غزة، الذين اختاروا قسرًا العمل لإعالة عائلاتهم، وحرموا اللعب أثناء إجازتهم الصيفية.
quot;أريد أن أتخلص من هذا العمل، فأنا لا أحب أن أعمل في بيع الدخان، لكن والدي محتاج ويدفعني لأبيع على مفترقات الطرقquot;. بهذه العبارات البسيطة بدأ الطفل أحمد سمير (9 اعوام) حديثه عن موسم الصيف الذي سيكون جديدًا هذه المرة لأنه أصبح عاملًا.
اضاف: quot;والدي يضربني ويجبرني على البيع كل يوم من الصباح الباكر، فأخرج في السادسة صباحًا، وأنا لا أحب عملي، فأنا أتنقل بين الشوارع، بحثًا عمن يشتري مني علبة سجائرquot;.
وسمير متفوق في دراسته، لكنه لا يجد الوقت لكي يدرس، quot;أقوم بحل واجباتي ليلًا، وفي الصباح بعد المدرسة أبيع البزر والدخان، وفي الإجازة الصيفية سأقوم بالبيع على شاطئ البحر، فالعائد المالي سيكون كبيرًاquot;.
وختم حديثه: quot;الحياة والموت واحد، فليس هناك ما أخشى عليه أبدًا، وفي العام الماضي كدتُ أموت حين قصفت إسرائيل سيارة لقيادي في حماس، وكل ما أتمناه أن أصبح طبيبًا حتى أعالج أمي المريضةquot;.

لا نحلم
ومحمد كشكو بائع صغير، لم يتجاوز 15 عامًا. قال: quot;أعمل في بيع الدخان والترمس والبزر منذ ثلاث سنوات، في البداية كان الأمر صعبًا، فأنا لم اعرف كيف أتعامل مع الزبائن، وكنت إذا حدثني أحدهم بنبرة عالية أجلس لأبكي طويلًاquot;.
اضاف: quot;مستحيل أن أعود إلى البيت من دون أن أبيع بضاعتي كلها، فوالدي يضربني ويضرب إخوتي إذا لم نحقق الربح المطلوبquot;.
تواجه كشكو صعوبات كثيرة، أهمها الشرطة التي تمنعهم من العمل لأنهم أطفال، والبلدية تخالفهم إذا وضعوا بضاعتهم في الطرق.
روى: quot;أبدأ عملي في السابعة صباحًا وانتهي مع حلول منتصف الليل تقريبًا، لكن في الأيام التي تشهد أوضاعًا ساخنة واجتياحًا إسرائيليًا فإننا لا نعمل، فنقوم بتعويض هذه الأيام بالعمل المكثف في الأيام العاديةquot;.
أحلامه بسيطة، يقول: quot;ليست لدينا -نحن البائعين- إجازة، كل يوم في الإجازة الصيفية نستغله في البيع والحصول على رزقنا، وأرى الأطفال يلعبون على شاطئ البحر أحيانًا، فأترك بضاعتي وأقوم باللعب، لكن أتذكرُ واجباتي ووالدي فأرجع بسرعة للعمل، فالحلم محرم علينا، ونحن خُلقنا لنكون باعةً لا لنحلمquot;.
أب وابنه
يتشارك الأب وابنه في بعض الأحيان مفترق الطريق، فيبيعون بضاعتهم للمارة والجالسين. جلس أبو أحمد يتابع ابنه أثناء تعامله مع الزبائن، وعبّرَ عن ذلك بالقول: quot;ابن البط عوامquot;.
وأبو أحمد (66 عامًا) يبيع في نفس المنطقة ولم يغادرها منذ عشر سنوات، quot;فقد أصبح لي زبائن كثيرون بسبب هذه المهنة الشريفة لأنها لا تخالف الدين والعادات والتقاليد، فأنا أبيع القهوة والشاي والترمس للسائقين والمارة، وأحضر أنا وأولادي الثلاثة كل صباح في الساعة الثامنة وأحيانًا قبل ذلك، وأجهز مكان البيع، ولا تواجهني أي مشكلات سوى مع البلدية التي تصادر بضاعتيquot;.
وعن عمل أبنائه وتركهم للدراسة يقول: quot;ليست هناك حاجة لكي يدرسوا، فهم يساعدونني في الدخل، وبالتالي وضعنا المعيشي لا يسمح مطلقًا لكي أقوم بإرسالهم إلى المدارس، فمستلزماتهم كثيرة، ودخلي لا يكفي لكي أحضر لهم الأكلquot;.
خلال الإجازة الصيفية، يرسل أبو احمد أبناءَه إلى أماكن متفرقة، ليعود فيلِمهم عند منتصف الليل، ويصادر ما أدخلوه.
اطفال الشوارع
يقول الدكتور فضل أبو هين، الأخصائي الاجتماعي والنفسي، إن الأطفال الذين يعملون، ونسميهم عادة أطفال الشوارع، يقضون 70 في المئة من يومهم خارج البيت، وبالتالي هم يتثقفون بلغة الشارع، بالإضافة إلى كسبهم الألفاظ غير مقبولة في كثير من الأحيان.
اضاف: quot;تبين إلاحصائيات أن ثلث الأطفال الغزيين يعملون باعة على الطرقات، وفي مهن مختلفة لا تليق بهم، مثل النجارة والحدادة وغيرهما، وأن هناك نسبة ليست ببسيطة تعمل في مهن متعبة كالنقل والتنظيف، لكن بدأت تطفح على السطح أخيرًا بعض المهن التي يعمل فيها أطفال غزة، مثل بيع الدخان وهو مخالف في البداية للقانون الفلسطيني، وكذلك لشروط الطفولة التي سيتأثر الأطفال بها من خلال خروجهم من المدارس والذهاب إلى الشارع حتى يساعدوا أهلهمquot;.
بالنسبة إلى أبو هين، أهم الأسباب التي تدفع بهؤلاء الأطفال إلى العمل في مثل هذه المهن هو الحرمان والفقر والظروف الصعبة التي يعيشونها بين ذويهم، فيخرجون إلى الشوارع يعملون في مهن لا تناسب الأطفال.
وختم قائلًا: quot;على الحكومة في غزة توفير بدائل لهؤلاء الأطفال حتى لا يضطروا لترك مدارسهم والذهاب للعمل في مهن لا تناسب أعمارهمquot;.