بعد قرار محكمة ميونيخ العليا تأجيل محاكمة الخلية النازية المعروفة باسم laquo;ان اس يوraquo; إلى الرابع عشر من الجاري، بعد دعاوى رفعها محامو اثنين من المتهمين بالتحيّز ضد القضاة، تم فتح ملف قضايا العنصرية واضطهاد الأجانب في ألمانيا من جديد.


ميونيخ: فجّر اكتشاف خلية quot;تسفيكاوquot;، في ألمانيا، والمنتمية إلى اليمين المتطرف، والمتهمة بالتورّط في سلسلة عمليات قتل راح ضحيتها تسعة تجار أجانب من الأتراك ويوناني واحد بغرض عنصري، ومن ثم شرطية ألمانية، وذلك خلال الفترة (2000 - 2007)... فجّر باب الجدل من جديد حول كراهية الأجانب في ألمانيا، وحقيقة فشل عمليات الاندماج، التي تدعمها الحكومة الألمانية، بالنظر إلى تنامي التيارات اليمنية المتشددة، والتي تعتقد أن الأجانب هم عالة على المجتمع، ويجب عليهم الرحيل.

إهمال متعمّد
وكشفت التحقيقات كذلك أن المحققين الألمان، الذين باشروا في التحقيقات في أمر الخلية، لم يأخذوا إطلاقًا فرضية دافع كره الأجانب على محمل الجدّ. وفي الإطار نفسه، وجّهت اتهامات إلى الاستخبارات الداخلية الألمانية بالإهمال، لا بل حتى العنصرية.

فقد تم على سبيل المثال إتلاف وثائق مهمة قبل إغلاق التحقيق. وتولت لجنة تحقيق برلمانية إلقاء الضوء على الثغرات في التحقيق الذي جري من قبل سلطات الأمن.

تغذية اليمين المتطرف
في ميونيخ، التي تجري فيها المحاكمة، وفي سنة 2010، أجرت صحيفة فوكس الألمانية لقاء مع هورست زي هوفر رئيس وزراء ولاية بافاريا، بعد فترة قصيرة من توليه رئاسة وزراء الإقليم، قال فيها إنه يطالب بوقف هجرة العرب والأتراك إلى ألمانيا، مؤكدًا أن الثقافة هنا مسيحية، ولا تتسع لثقافة المسلمين، إضافة إلى أن المهاجرين العرب والأتراك لا يستطيعون التكيّف والاندماج في المجتمع الجديد.

رغم أن هذا التصريح لقي معارضة شديدة، إلا أنه كشف عن إيمان عميق لدى السياسيين الألمان بأن هجرة الأجانب لا تمثل إضافة إيجابية إلى المجتمع الألماني، بل أكثر من ذلك، فهي تغذّي اليمين المتطرف، الذي يرى فيها تبريرًا لمعادة الأجانب.

من جهتها تري رسا بيكر ممثلة الشباب الليبرالي في البرلمان البافاري إن ألمانيا في حاجة مستمرة إلى المؤهلين تأهيلًا عاليًا من الأجانب وإلى خريجي الجامعات من المهاجرين. على سبيل المثال المهندسون الإيرانيون مطلبون هنا.

ويقول فولفجانج بوزباخ من الحزب المسيحي الاشتراكي نفسه، الذي ينتمي إليه زي هوفر، إنه لا يتفق مع تصريحات رئيس الوزراء، فالمحكمة الدستورية العليا أو المحكمة الأهلية لا يمكنها أن توافق على اقتراح كهذا.

من ناحية أخرى كان رئيس الجالية التركية في ألمانيا كينان كولات قد طالب رئيس الوزراء البافاري بالاعتذاز، والكفّ عن هذه التصريحات غير المقبولة في الوقت عينه الذي غاب فيه العرب تمامًا عن مطالبة رئيس الوزراء بالاعتذار!.

غير أن ماري بومر مسؤولة شؤون الاندماج في الحكومة الألمانية فترى أن مثل هذه التصريحات سببت صدمة في المجتمع، فلا يحق لزي هوفر أو أي شخص آخر بأن يضع أبناء الثقافات الأخرى موضع الاشتباه، وقالت إن تصريحاته تتعارض مع المساعي المبذولة لعملية الاندماج في ألمانيا.

اعتذارات حكومية متكررة
بعد الجدل الشديد، الذي رافق هذه التصريحات، عاد رئيس الوزراء البافاري مجددًا إلى التراجع عنها من دون الاعتذار، عندما قال إنه لم يطالب تحديدًا بوقف هجرة العرب والأتراك، إنما قال إننا لسنا في حاجة إلى المزيد من المهاجرين المنتمين إلى دوائر ثقافية أخرى.

كذلك، وبعد ضغوط دولية، وفي نهاية شهر أبريل/نيسان الماضي، قدمت ألمانيا رسميًا اعتذارات إلى الأمم المتحدة عن الأخطاء المرتكبة خلال التحقيق، الذي جري بشأن مقتل الأتراك واليوناني. وقبل بدء المحاكمة، أكدت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، التي عبّرت في العام الماضي عن شعور ألمانيا بـlaquo;العارraquo; لارتكاب هذه الجرائم، لصحيفة laquo;حرييتraquo; التركية، أنه سيتم كشف ملابساتها.

السؤال الآن الذي يحرج سلطات الأمن الألمانية هو كيف تمكن النازيون الثلاثة، المتهمين بالقتل، والذين كانوا مراقبين من جهاز الاستخبارات الداخلية منذ نهاية التسعينات، أن يستمروا في العيش بشكل عادي لفترة طويلة؟.

في هذا الإطار، يتساءل أولاد أنور شيمشيك، الذي قتل في عام 2000 أمام كشك الزهور الذي كان يملكه، laquo;هل ذلك يرجع لأن الأمر يطال المهاجرين أي الفئة الضعيفة من المجتمع؟raquo;. وتقول سامية وكريم شيمشيك: laquo;على الدولة الآن التحرك لوضع حد لهذا الخطر، وألا تلقي المسؤولية على عاتق العدالة وحدهاraquo;.

أسطنبول تراقب المحاكمة
في إسطنبول، طالبت لجنة حقوق الإنسان في البرلمان التركي بالتصدي بصورة أكثر صرامة للعنصرية ومعاداة الأجانب في ألمانيا، وذلك قبيل بدء وقائع المحاكمة.

وقال رئيس اللجنة، آيهان سفر أوستون، في تصريحات لصحيفة laquo;تودايز زمانraquo; التركية laquo;حان الوقت لإظهار أن الجرائم التي يرتكبها متطرفون، مثل خلية النازيين الجدد، لم تعد بمنأى عن العقاب بعد الآنraquo;.

ويرى مراقبون للمحاكمة كذلك أن المحكمة الألمانية التي تنظر القضية لديها مسؤولية إصدار laquo;حكم تاريخيraquo; ضد العنصرية والتمييز في المجتمع الألماني. ويقول أستون إنه يتعيّن على المؤسسات الألمانية الاعتراف بأن هناك مشكلة كبيرة في ألمانيا تجعل تلك العناصر العنصرية تظهر من جديدraquo;.

ويتساءل الكثير من المتعاطفين مع أهالي الضحايا كيف أن الجناة استطاعوا التحرك بحرية في البلاد لأكثر من عشرة أعوام، وهم يسرقون البنوك ويرتكبون جرائم قتل.

على ضوء هذا الجدل المحتدم، فإن المراقبين يطرحون سؤالًا مهمًا عن حقيقة هجرة المسلمين إلى ألمانيا؟، وكم هو عددهم الحقيقي؟. تقول سجلات مكاتب الهجرة الألمانية التابعة للحكومة الألمانية إنه بدء منذ عام 2005 رحل العديد من الأسر المسلمة المهاجرة عائدًا إلى بلاده.. بل إن الأمر لم يتوقف عند ذلك فقط، فقد سجلت مكاتب الهجرة زيادة أيضًا في عدد الألمان المتجهين إلى الهجرة في الخارج.

ويقول تقرير صادر من مركز الهجرة في الحكومة الاتحادية إنه في سنة 2008 رحل من ألمانيا 563 ألف أجنبيًا في الوقت نفسه الذي دخل فيه البلاد 573 ألف أجنبيًا.

عودة إلى الأوطان
لكن كيف يبدو الوضع في ولاية بافاريا، التي تجري فيها المحاكمة، والتي طالب رئيس وزرائها بوقف هجرة المسلمين إليها؟. في تقرير صادر من وزيرة الشؤون الاجتماعية في الولاية كريستينا هادرزور، يذكر أنه في سنة 2008 قدم إلى الولاية 99823 ألف أجنبيًا في الوقت نفسه الذي رحل فيه منها 99 705 أجنبيًا.

ومعروف أن الهجرة إلى ألمانيا منذ سنة 1973 من أجل العمل كانت تسير بشكل اعتيادي، وكان بإمكان العمال جلب أسرهم للعيش معهم، غير أن تشديد القوانين بدأ منذ سنة 2005.

لكن كيف يلتحق الأهل بالمهاجرين؟، طبقًا للقوانين الألمانية، فإنه يمكن للمهاجر الذي يعمل في ألمانيا ويستأجر مسكنًا أن يطلب ضم الزوجة أو الأبوين، وأن تكون هناك على الأقل مساحة في السكن للقادمين الجدد لا تقلّ عن 12 مترًا للفرد الواحد.

وكانت ألمانيا قد شددت قوانين اللجوء السياسي إليها بعد نهاية الحرب اليوغوسلافية. فعلى سبيل المثال في سنة 1992 كان يوجد 440 ألف طلب لجوء سياسي، وفي العام الحالي يوجد فقط 22 962 ألف طلب، منهم 3657 من أفعانستان، و3649 من العراق، و1655 من الصومال، و1390 من إيران. أما الطلبات من تركيا فلم يزد عددها على 913.

نعم للسياحة لا للإقامة
يشار إلى أن ولاية بافاريا لديها استثمارات كبيرة في الدول العربية، ودولة الإمارات هي أكبر شريك تجاري في الدول العربية لولاية بافاريا، ويحط سنويًا في الولاية آلاف السيّاح العرب من دول الخليج، ويقصدونها إما للسياحة أو للعلاج، ويضخّون سنويًا ملايين اليوروهات في خزائن الولاية.

وكان إقبالهم في صيف العام الماضي لافتًا، حتى إن وسط مدينة ميونيخ عاصمة ولاية بافاريا كان يغصّ بهم صباح مساء، مما دفع بصحيفة quot;تي تستquot; اليومية إلى الترحيب بهم على صفحتها الأولى، بذكر كلمة أهلًا وسهلًا بكم باللغة العربية، ورغم كل ذلك تحدث المضايقات والحوادث العنصرية للعرب والمقيمين في الولاية.