تريد تركيا تطويع الأكراد، من خلال السلام معهم في تركيا، وإدخالهم ضمن مجالها الاقتصادي المتنامي في سوريا والعراق، لكنّ مراقبين يرون في ذلك تقويضًا سريعًا لوحدة تراب العراق وسوريا، اللتين لن تستطيعا الصمود في وجه الرياح الطائفية العاتية التي تعصف بالمنطقة كلها.


لندن: أدى الاعلان عن خطط تركيا للاستثمار في ثروة اقليم كردستان العراق من النفط والغاز إلى اطلاق تحذيرات كانت اعلاها صوت التحذيرات الاميركية من أن انقرة تقامر بتفكيك العراق. لهذه التحذيرات أسباب وجيهة، لكن الرهانات أكبر من مجرد الخوف من تقسيم العراق.
ففي العراق، ما زالت حكومتا بغداد الاتحادية واقليم كردستان بعيدتين عن الاتفاق على طريقة توزيع عائدات النفط الضخمة توزيعًا عادلًا، برأي كل منهما، وأبعد من ذلك اتفاقهما على نموذج صالح لتقاسم السلطة في نظام فيدرالي. وفي هذا الشأن، فإن حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي، الشيعي المتحالف مع ايران، تضع الطائفة والفئة فوق الدولة والأمة، على حد تعبير صحيفة فايننشيال تايمز.
لكن مستقبل العراق يأتي اليوم في سياق نقاش أوسع حول امكانية تفكك دول أخرى في الشرق الأوسط، إزاء الأخطار المحيقة بوحدة سوريا تحت وطأة عامين من الحرب الأهلية الدامية. فقد أسفر النزاع السوري عمليًا عن انفصال المنطقة الكردية شمال شرقي سوريا، دافعًا تركيا إلى التصالح مع أكرادها، واستدراج أكراد العراق وسوريا إلى مجال تركي ديناميكي اقتصاديًا.

سايكس بيكو
وإن كان هذا النقاش في بدايته بعد، فإنما يشير إلى ما يتسم به وضع المنطقة من تعقيد، وما ينطوي عليه من تداعيات وآثار محتملة. فالمستهدف هو نظام الدولة الذي نشأ في سوريا والعراق، عقب انهيار الامبراطورية العثمانية قبل نحو قرن. ومن المشاكل التي تواجه هذا النقاش هو تحديد البداية. ويتساءل محللون ما إذا كانت البداية مكائد بريطانيا وفرنسا، اللتين تقاسمتا اشلاء الامبراطورية العثمانية في المنطقة العربية، وأعادتا تجميعها وفق مشاريعهما وطموحاتهما الامبراطورية، لا سيما اتفاقية سايكس ـ بيكو سيئة الصيت، التي وقعت في العام 1916؛ أم أن البداية هي الحرب الاميركية ـ البريطانية في العراق في العام 2003، التي دمرت بلدًا كان هش البناء على مستوى المجتمع والدولة، بحسب صحيفة فايننشيال تايمز.
يتحمل النظام الفرانكو ـ بريطاني الذي أُقيم بعد انتهاء السيطرة العثمانية مسؤولية تاريخية عما يحدث اليوم. فبؤر النزاع الآن هي المناطق التي جمعت فيها فرنسا وبريطانيا سنة وشيعة وأكرادًا وأقليات أخرى في اطار دول تحكمها اقليات. واقتطعت فرنسا لبنان من سوريا ذات الأغلبية السنية ليكون تحت سيطرة المسيحيين الموارنة، ناهيكم عن الانتداب البريطاني على فلسطين الذي يحتاج بحثه إلى مجلدات.

التداعي الطائفي
أدى غزو العراق إلى قلب ميزان قوى كان قائمًا بين الطائفتين السنية والشيعية منذ ألف سنة. واصبح البعد الطائفي الذي اصطدم بعنف في سوريا مع ثورات الربيع العربي هو القوة الرئيسية المحركة لما يجري، كما ترى فايننشيال تايمز، مشيرة إلى أن عملية التفكك في سوريا تتسارع بتأثير ضعف الطرفين وعجزهما عن حسم المعركة.
فقوات المعارضة المشتتة يدعمها لاعبون اقليميون لدى كل منهم اجندته، في حين يسبب تقاعس الغرب عن تقديم دعم فاعل وجدي للمعارضة في اكتساب الجماعات الاسلامية المتطرفة قوة عسكرية وتنظيمية كبيرة. ويعتمد النظام السوري على الميليشيات والشبيحة العلويين والحرب الطائفية وحرب الكانتونات اعتمادًا متزايدًا.
وهكذا، فبالاضافة إلى كردستان الكبرى التي تحاول تركيا استيعابها، هناك كيانان آخران على الأقل أخذا يظهران، احدهما هو منطقة الجزيرة الواقعة بين نهري الفرات ودجلة رابطة سنة غرب العراق المستائين بإخوتهم في الدين والطائفة وفي احيان كثيرة اخوتهم في العشيرة شرقي سوريا. وارتد سهم القناة التي فتحها الأسد ليتسلل منهاالجهاديون إلى العراق إلى نحره. فالشبكات الجهادية نفسها أخذت تعود إلى سوريا لاستهداف قواته عبر القناة نفسها.
أما الكيان الثاني فهو المنطقة الساحلية وجبال العمق في شمال غرب سوريا. فإذا نجح حزب الله اللبناني في فتح الطريق لنظام الأسد بين حمص والحدود اللبنانية، فإن هذا الجيب يمكن أن يؤول إلى الارتباط بمعاقل ذات أغلبية شيعية في سهل البقاع اللبناني، وهكذا دواليك.