الكمائن الذكية التي ينفذها الجيش السوري، وضعف التنسيق بين المجموعات المقاتلة، وغياب الوحدة بين صفوف المقاتلين، عوامل تضعف المعارضة وترجح كفة النظام السوري في الحرب المستعرة منذ عامين.


بيروت: نضال الثوار للسيطرة على إدلب صورة مصغرة عن المعارك التي اندلعت بهدف حسم الصراع بين المعارضة السورية ونظام الرئيس بشار الأسد، الذي أدى إلى مقتل ما لا يقل عن ثمانين ألف شخص وتشريد الملايين. وعلى الرغم من أن مساحات شاسعة من البلاد، وخاصة في الشمال، أصبحت خارج نطاق سيطرة الأسد، إلا أنها لا تزال في متناول المدفعية والطائرات الحربية التابعة لقواته. ويبدو أن القوات الحكومية تركز على استعادة أو الحفاظ على سيطرتها على الطرق والبلدات بالقرب من الطرق السريعة الاستراتيجية، بدلًا من محاولة استعادة جميع الأراضي التي فقدتها، وعلى تعزيز قبضتها في البلدات والمدن التي لا تزال تسيطر عليها.
في الوقت ذاته، يحاول قادة الثوار تعلم الدروس من وراء فشل طموحاتهم بشنّ هجوم على نطاق المحافظات. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: لماذا فشلت مساعي الثوار في السيطرة على محاور واسعة بعد مضي نحو عامين على الثورة؟

الامكانات هزيلة
الأسباب بسيطة وفقًا لصحيفة تايم، التي اعتبرت أن هناك أخطاء تم تكرارها في العديد من محاور القتال في سوريا التي مزقتها الحرب غير المتكافئة، إلا أنها تسلط الضوء أيضًا على تعقيد الصراع، مثل صعوبة توحيد صفوف الثوار والتناقض في إمدادات الأسلحة والذخيرة وتكتيكات الجيش السوري الذكية.
quot;لقد فعلنا ما في وسعنا، وبما نملك من قدرات وإمداداتquot;، يقول العقيد عفيف سليمان، رئيس المجلس العسكري الثوري في ادلب التابع للجيش السوري الحر، من مكتبه في مدرسة في إدلب. يضيف: quot;ضعف الدعم الذي نتلقاه يعني ضعف النتيجة التي نتوصل اليهاquot;.
الخطوة الأولى في الهجوم متعدد الجوانب في إدلب، والذي استغرق 50 يومًا لإعداده وفقا لسليمان، اعتمد على قطع الطريق الرئيس في حيش، التي تبعد 17 كلم من وادي ضيف. فهذا الطريق هو شريان حياة رئيس للجيش السوري من أجل الحصول على الإمدادات، ويربط دمشق بالمدن الوسطى كحمص وحماة وادلب، وشمالًا إلى حلب. وعلى الرغم من أن مساحات من الطريق تدمرت جزئيًا بعد أن فجرها الثوار وصارت غير سالكة، فقد أصرّ الثوار على تدمير الطريق بالكامل فعملوا في أواخر كانون الثاني (يناير) على دخول مواقع على عمق بضع مئات من الأمتار من الطريق السريع، حيث حفروا الخنادق لتوفير غطاء للثوار للوصول إلى أقرب نقطة من الطريق السريع لتدميرها تمامًا. وكان الهدف هو تعزيز الحصار الذي استمر شهرًا على وادي ضيف ونقاط التفتيش المرتبطة به.

ضربة ذكية
في البداية، جرى تنفيذ الخطة بشكل جيد، وحققت المعارضة عدة انتصارات رئيسة. كانت الطرقات حول حيش مزروعة بالقنابل في حين تم تفجير أخرى في أوائل شباط (فبراير) لخنق الإمدادات إلى القوات الحكومية في وادي ضيف والمناطق المرتبطة بها، ما اضطرها إلى الاعتماد بشكل أكبر على طائرات الهليكوبتر.
اعترض الثوار تعزيزات الجيش القادمة من الجنوب من الدبابات، كما عمدوا إلى تدمير قوافل المركبات المدرعة التي تنقل الذخيرة. ودارت المعركة حول اثنين من الدفاعات الرئيسة في وادي ضيف، وهما حاجز الزحلاني بالقرب من قرية مرشمشة، وفي الحميدية بالقرب من مدينة معرة النعمان.
وتحدث الثوار عن حدوث عدة انشقاقات في صفوف القوات الحكومية، بما في ذلك ضباط وجنود في وادي ضيف. وشددت المعارضة حصارها على مطار أبو ضهور العسكري القريب.
بعد ذلك، في ليلة 13 نيسان (أبريل)، تغيرت الأمور إلى حد كبير بعد حيلة نفذها جنود الحكومة. كان النصف الشرقي من سحيان في أيدي الثوار، بينما القسم الغربي تحت سيطرة النظام. تقدم جنود الحكومة تحت جنح الظلام وأحاطوا بشرق البلدة بعد أن غيروا ملابسهم العسكرية إلى الزي المدني القريب من ملابس الثوار، حتى أن البعض منهم عصبوا رؤوسهم بعصبات سوداء كتب عليها quot;لا إله إلا اللهquot;.
quot;عندما شاهدهم الثوار اعتقدوا انهم منهم أو من مجموعة مقاتلة أخرىquot;، قال سليمان، مشيرًا إلى أن هذا الكمين أدى إلى مقتل جميع الثوار شرق سحيان، أي نحو 40 أو 50 رجلًا. وفي الحرب السورية، يعتبر فقدان هذا العدد من المقاتلين في مكان واحد بمثابة ضربة كبيرة للثوار.

أخطاء متكررة
بعد الكمين، انتقلت القوات الحكومية المتنكرة نحو بابلين، وهي بلدة صغيرة يسيطر عليها الثوار على بعد بضعة كيلومترات من حيش، حيث انتظروا حتى الفجر، قبل إعداد كمين مماثل.
ويقول سليمان إن صفوف المقاتلين ضد النظام فقدت أكثر من 100 قتيل، مضيفًا: quot;لا أعرف كم جندي قتل من الجيش لكن المعركة استمرت ثلاث أو أربع ساعاتquot;.
بحلول 15 نيسان (أبريل)، سيطر الجيش على بابلين واستعاد الطريق حول حيش، وكسر الحصار عن وادي ضيف، ما سمح بوصول التعزيزات إلى الزحلاني والحميدية وغيرها من النقاط.
بعد هذه الخسارة، ترنحت قوى الثوار. وبدلًا من توحيد صفوفهم وإعادة تقييم الأمور، بدأوا بإلقاء اللوم على بعضهم البعض، بما في ذلك الوحدات التي كلفت بتأمين الجزء الشرقي من سحيان التي اتهمت بالتراخي.
غياب الوحدة بين صفوف ثوار سوريا مشكلة أساسية تؤثرفي معاركهم، وتمتد إلى ما بعد هذه المعركة في إدلب، إذ تشكل تحديًا أساسيًا لقوى المعارضة ككل. وهذه الأخطاء المتكررة تعتبر مؤشرًا واضحًا على غياب التنسيق والتخطيط بين الجماعات المقاتلة، كما أن معركة إدلب تعتبر نموذجًا مصغرًا عن مجريات الصراع العام بين الثوار والنظام. فهل تتعلم المعارضة من أخطائها أو تستمر المعارك في ما يشبه حرب استنزاف غير متكافئة؟