سوريا غير مهددة بالحرب وحدها، بل بجيل غدها، الذي يتوزع على مخيمات اللجوء في تركيا ولبنان والاردن والعراق، حيث صبية تخلوا عن أحلامهم للعمل من أجل قوت عائلاتهم، وحيث فتيات يهربن من دروب سماسرة التزويج بالأثرياء.


بيروت: تحولت سوريا ساحة حرب شعواء، فصارت خطرًا على حياة أطفالها الذين تربوا في كنفها. فالأهالي يشعرون بالخوف الشديد على أطفالهم، لا سيما أن الشبان منهم قد يُطلبون إلى التجنيد الإجباري في الجيش، وقد تكون الفتيات عرضة للإغتصاب أو الخطف.
وفيما تدخل الحرب الأهلية السورية عامها الثالث، ما يقرب من ثلث سكان سوريا، البالغ عددهم 22 مليونًا داخل سوريا بحاجة ماسة إلى مساعدة إنسانية، إلى جانب نحو 1.4 مليون سوري فروا إلى الدول المجاورة.
كان الأردن ملجأ لنحو 500 ألف سوري، أكثر من نصفهم تحت سن 18 عامًا. حمل هؤلاء الصبية متاعبهم وتركوا مقاعد الدراسة محملين بصدمات نفسية عديدة، بعد أن شهد كثير منهم مقتل أقاربهم، أو تعرضوا لاعتداء جنسي. انتقلوا إلى المخيمات التي قد تحميهم من الموت إنما لا تقيهم ذل الحياة التي ما زالوا صغارًا على تحملها.
وهذا الحال لا يقتصر على الأردن، فأقرانهم يكافحون من أجل البقاء على قيد الحياة في الخيام التي نصبت من أجلهم في كل من تركيا والعراق ولبنان، حيث شكلوا مجتمعات ممزقة وليدة الصراع السوري. وهؤلاء الأطفال، أو الجيل السوري الضائع، يثيرون قلقًا يعكس الأضرار الجانبية للحرب السورية، التي أدت إلى مقتل أكثر من سبعين ألفًا حتى اليوم.
عنف وأحلام متكسرة
حكايات صغيرة تروي جراحًا وآلاماً كبيرة. هناك أحمد العوجان (14 عامًا) الذي أراد أن يكون معلمًا، لكنه يقضي الآن أيامه في بيع الشاي في مخيم الزعتري في الأردن. وهناك مروة حتابة (15 عامًا) التي لا تزال تحلم في أن تصبح صيدلانية لكن تخاف أن يتم تزويجها اليوم إلى أحد الأغنياء، كما حصل مع زميلتها في المدرسة التي تبلغ 14 عامًا.
قالت كارولين مايلز، المديرة التنفيذية لمنظمة إنقاذ الطفولة: quot;عندما تتحدث معهم عن المستقبل، يقولون لك بصراحة إنهم لا يستطيعون معرفة ما تخبئه لهم الأيامquot;.
يعاني معظم الأطفال، الذين يتدفقون عبر الحدود السورية لأكثر من عامين، سواء برفقة ذويهم أو من دونهم، من صدمات نفسية عنيفة. ووفقًا لدراسة حديثة أجرتها إحدى الجامعات التركية، فإن ثلاثة من أصل أربعة شبان سوريين فقدوا أحد أفراد أسرتهم في القتال.
وفي الزعتري، يتفادى الأطفال الغاز المسيل للدموع في تظاهرات شبه يومية، ويتزاحمون أسفل صهاريج المياه لملء الدلاء التي بالكاد تسد حاجاتهم اليومية، أو يقذفون عمال الإغاثة بالحجارة. ويحاول هؤلاء مكافحة العصابات التي تنهب الأبواب والنوافذ من المقطورات.
قالت جين ماكفيل، منسقة اليونيسف لمخيمات الأردن: quot;هناك أطفال في التاسعة من العمر يأتون إلى المخيم وهم يحملون السلاح، وهذه مسألة خطيرة علينا أن نتعامل معها كل يومquot;، مشيرة إلى أن الأطفال يعانون تغيّرات نفسية ويفقدون قدرتهم على تقييم المخاطر بسبب الأضرار النفسية التي لحقت بهم جراء العنف في بلادهم.
اضافت: quot;ما يتعين علينا القيام به هو إعادة المسارات العصبية العاطفية لهؤلاء الأطفال إلى وضعها الطبيعي، وإلا فإننا ذاهبون إلى فقدان جيل سوريا المستقبليquot;.
معاناة الزعتري
يقبع اللاجئون السوريون في الأردن داخل خيام أو مقطورات في دوامة لا نهاية لها من المعاناة لإيجاد الغذاء والمياه والانتظار في الطوابير. وكأن ذلك لا يكفي، فتندلع أعمال الشغب عند توزيع الحصص الغذائية والمساعدات، لا سيما أن بعض الجماعات تأخذ الحصص وتبيعها بوقاحة أمام مراكز التوزيع.
وصل العوجان، الذي توفي والده قبل عقد من الزمن، مع والدته والعديد من الأشقاء قبل ثلاثة أشهر من درعا. في كل صباح، يتوجه إلى طابور الخبز حاملًا إبريقًا من الشاي الساخن، يبيعه للناس المتجمهرين للحصول على بعض الأرغفة.
quot;شاي بالهيل، شاي بالهيل!quot; ينادي بصوته الحزين. وكلما فرغ الابريق يتوجه إلى الخيمة لصنع آخر والعودة إلى الشارع من جديد. وهو يقدم النصائح للقادمين الجدد من أجل الاستمرار في الزعتري، مقابل حصوله على الأخبار من الخطوط الأمامية. ويقول: quot;أشعر بالفخر لأنني أساعد أسرتي، كلما فرغ الابريق أعد غيره لأحصل على المال لعائلتيquot;.
وصل زياد الحناوي (15 عامًا) إلى المخيم مع والديه وشقيقته البالغة من العمر 10 سنوات، في 23 آب (أغسطس) الماضي. في كل يوم، يستيقظ عند الخامسة صباحًا ليقف في طابور الخبز، بعدها ينطلق في مهام مختلفة كنصب الخيام مقابل خمسة دولارات، أو تنظيف الحمامات مقابل 12 دولارًا في اليوم، وجلب المياه، أوتسليك مياه الصرف الصحي.
هذه هي الحياة اليومية لأطفال الزعتري، حيث يضطر الفتيان الذين بالكاد بدأوا بحلاقة ذقنهم إلى إعالة أسرهم، والفتيات الصغيرات يشعرن بالذعر من إمكانية تزويجهن لأحد الأثرياء الكبار في السن.
تعيش حتابة هذا الكابوس يومًا بعد يوم. ففي أحد الأيام، أوقفتها امرأة سعودية لتقول لها إنها تبحث عن زوجة لابنها، فأجابتها بسرعة: quot;أنا صغيرة ولا أريد الزواجquot;.
وتقول: quot;أتمنى ألا أكبر، كلما كبرت كلما صرت هدفًا لهذه المحاولاتquot;.