غضب المصريون من مصادقة البرلمان الأثيوبي على بناء سد النهضة، لكن الأثيوبيين يقولون إن النيل ليس ملكًا لمصر وحدها، وإن السد حق من حقوق إثيوبيا، إحدى دول المنبع.
بيروت: اشتعلت موجة من الغضب في الشارع المصري، بعد أن صادق البرلمان الإثيوبي على اتفاقية الإطار التعاوني لنهر النيل، وسط توتر بين البلدين بسبب مشروع سد النهضة، الذي تقيمه إثيوبيا على النيل، والذي سيؤدي إلى تحويل مياه النيل إلى سد كهرمائي ضخم. وتتخوف مصر من أن ينتج عن السد انخفاض حصتها في مياه النيل، التي توفر أغلب احتياجات المياه في هذه الدولة الصحراوية.
وقال إبراهيم عبد العزيز، وهو مزارع يبلغ من العمر 45 سنة: quot;النباتات والحيوانات والبشر تعتاش من هذا النهرquot;، مشيرًا إلى نهر النيل الذي قد يؤدي شح مياهه إلى زعزعة توازن الطبيعة التي تعود آلاف السنين إلى الوراء.
أزمة جديدة
سد النهضة الذي تسعى أثيوبيا لبنائه سيكون واحدًا من أكبر السدود في العالم، ويعد بتوفير الطاقة للبلاد التي غالبًا ما تحتل أدنى درجات مؤشر التنمية البشرية في العالم. لكن بالنسبة إلى مصر، فإن العواقب ستكون وخيمة: نقص المياه على الصعيد الوطني في أقل من عامين، ما سيسبب تلف المحاصيل وانقطاع التيار الكهربائي، وبطبيعة الحال المزيد من انعدام الاستقرار في البلاد التي تحارب شرارة الفتنة يوميًا.
وبالنسبة إلى دولة تواجه أزمات محلية يومية، في أعقاب ثورة 25 يناير، يعتبر سد النهضة بمثابة تهديد خارجي لا تستطيع مصر تحمل كلفته. ويقول المحللون إن اثيوبيا تستغل الهشاشة السياسية والأمنية في مصر، لتمضي قدمًا في الخطط التي ظلت لفترة طويلة على الخرائط، وكان يحبطها الرفض المصري دائمًا.
اعتاد المصريون اعتبار بلادهم قوة كبرى في العالم العربي، لذلك فإن فكرة الركوع لمنافسها الافريقي الأضعف تاريخيًا، كانت بمثابة صفعة أعادتهم إلى واقع تقلص نفوذ أمتهم، وشكلت اختبارًا مبكرًا لحكومة الرئيس محمد مرسي التي تلقى اعتراضات وانتقادات لسوء إدارتها شؤون البلاد.
أخطاء مصرية
quot;الخيارات قليلة جدًاquot;، كما قال طلعت مسلم، لواء متقاعد في الجيش المصري، لصحيفة نيويورك تايمز، مضيفًا أن البلاد وصلت إلى الحضيض، والأمل الوحيد هو الديبلوماسية، quot;لكن إذا فشلت المحادثات، فقد يقرر قادة الجيش المصري الموت في المعركة بدلًا من الموت من العطشquot;.
في الواقع، أصبح احتمال نشوب حرب من أجل المياه سمة منتظمة في نشرات الأخبار المصرية والصفحات الأولى في الأسابيع الأخيرة، منذ أن أعلنت إثيوبيا تحويل مسار النهر مباشرة بعد لقاء بين رئيس الوزراء الاثيوبي هيلي ماريام دسالنغ والرئيس مرسي في أواخر أيار (مايو) الماضي.
واعتبر المراقبون هذا الإعلان، الذي يمثل تقدمًا في عملية السد، بمثابة صفعة مهينة وإشارة إلى أن إثيوبيا لا تنوي التفاوض حول بناء السد. وأتى رد مرسي الأسبوع الماضي عن طريق عقد اجتماع طارئ للقادة من مختلف أنحاء الطيف السياسي في مصر، وهي الخطوة التي أتت بنتائج عكسية، بعدما قررت الرئاسة بث النقاش على الهواء من دون إبلاغ معظم المشاركين. فبعد أن اعتقدوا انهم كانوا يتآمرون في السر، بدأ السياسيون بحياكة خطط لتسليح المتمردين الإثيوبيين، وإطلاق حملة تهديد باللجوء إلى الحل العسكرية وإرسال طائرات مقاتلة لضرب السد.
حفلة جنون
مرسي لم يكن صريح جدًا، لكنه حذر في خطاب الاثنين بأن جميع الخيارات مفتوحة لحماية النهر الذي يمثل 95 بالمئة من احتياجات مصر المائية. وقال أمام حشد من مؤيديه إن بلاده مستعدة للتضحية بالدم لضمان ألا تفقد قطرة واحدة من مياه نهر النيل.
من جهته، قال رئيس الوزراء الإثيوبي إن بلاده أصبحت مادة للمتصارعين في مصر لمواجهة أزماتهم الداخلية، متهمًا الحكومة المصرية بتوظيف السد لمواجهة خصومها والهروب من أزماتها الداخلية. واعتبر أن إعلان مصر الحرب على بلاده من أجل مياه النيل أمر أشبه بالجنون.
والمواجهة بين البلدين تعكس الأهمية الحاسمة للسيطرة على موارد المياه في المنطقة، في وقت يتزايد فيه عدد السكان. لدى كل من مصر وإثيوبيا أكثر من 80 مليون نسمة، أي ضعف عدد السكان الذي كان موجودًا منذ 30 عامًا فقط.
وبحلول العام 2050، من المتوقع أن يرتفع عدد السكان إلى 100 مليون، ما سيضع المزيد من الضغوط على إمدادات المياه للسكان ناهيك عن عوامل تغير المناخ. مع ذلك، قالت اثيوبيا مرارًا إن سد النهضة لن يسبب مشكلة لمصر. ويقول مسؤولون اثيوبيون إن السد سيستخدم لتوليد الكهرباء وليس لري الحقول، وهذا يعني أن المياه سوف تصل في نهاية المطاف إلى مصر.
سدّ تصحيحي
ينظر المسؤولون الأثيوبيون إلى السد باعتباره فرصة لتصحيح خطأ الحقبة الاستعمارية التي أعطت معظم مياه النيل لمصر من دون ترك فائدة تذكر لدول المنبع. فصحيح أن مصر هبة النيل، كما قال المؤرخ اليوناني هيرودوت، لكن هذا لا يعني أن النيل ملك لمصر وحدها، فهناك إحدى عشرة دولة تشترك في حوض النهر الأطول في العالم، والذي يلتف من شرق أفريقيا قبل أن يصب في البحر الأبيض المتوسط في شمال مصر.
وقد فازت إثيوبيا بدعم غالبية تلك البلدان، بعد أن وعدتهم بصادرات الكهرباء التي تشتد الحاجة اليها. كما عرضت بيع 6000 ميغاوات من انتاج السد إلى مصر. ومع ذلك، أصيب المصريون بالذعر ما أن تم الإعلان عن بناء السد - ولسبب وجيه - وفقًا لوزير المياه المصري السابق محمد نصر علام.
وقال علام إن مصر ستفقد ربع احتياجاتها من المياه إذا قررت إثيوبيا المضي قدمًا في خططها لبناء السد على النيل الأزرق. أضاف: quot;بناء السد سيكون كارثة لمصر، فمناطق واسعة من البلاد ستتوقف ببساطة عن الإنتاجquot;، مشددًا على ضرورة أن تحاول مصر إقناع إثيوبيا بخفض ارتفاع السد الذي يبلغ 550 قدم.
التعليقات