أراد المصريون إسلامًا سياسيًا حاكمًا على الطريقة التركية، فأسقطهم الشعب المصري، ملهمًا الشعب التركي الاستمرار في حركته ضد إسلام أردوغان السياسي.


بيروت: حزب العدالة والتنمية التركي، الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، يعزل معارضيه، تمامًا كما فعل الإخوان المسلمون في مصر، وأدى بهم ذلك في نهاية المطاف إلى الإطاحة بالرئيس الاخواني المنتخب محمد مرسي.

هذا الانقلاب أثار خضة كبيرة ترددت أصداؤها لدى أنجح أحزاب الشرق الأوسط، أي حزب أردوغان. فما حدث في مصر كان بالغ التأثير على حزب العدالة والتنمية في تركيا، وتحديدًا على أردوغان.

أحبط الانقلاب المصري خطة العدالة والتنمية في تصدير نسخته من الإسلام الديمقراطي الشعبوي إلى الشرق الأوسط، بعدما رأى تراجع الأحزاب الإسلامية المنتخبة عقب الثورات في مصر وتونس، والتي كانت تسير على خطاه.

إرث القمع
بنى أردوغان لنفسه صورة قوية في الشرق الأوسط، فأصبح يغرّد على موقع تويتر باللغة العربية أكثر مما يفعل بالتركية. ومن جانبه، كان مرسي يعتبر حزب العدالة والتنمية قدوة لديمقراطية العالم العربي، خصوصًا أن دور أردوغان كان متسقًا مع رؤية العدالة والتنمية، التي أرادت سلطانًا عثمانيًا جديدًا، يجعل تركيا قوة إقليمية على الساحة السياسة الخارجية.

عمد حزب العدالة والتنمية أيضًا إلى الاستخفاف بقدرة المعارضة الشعبية على عزل مرسي، ثم اعتبر الانقلاب مؤامرة أعدها جنرالات مصر، حتى إنه استخدم كلمة انقلاب لتشويه حركة المعارضة التركية في حديقة غازي في ميدان تقسيم.

وربط بعض النواب الأتراك مباشرة بين ما يحدث في مصر وبين الاحتجاجات في شوارع تركيا. واعتبرت صحيفة غارديان البريطانية أن نظريات المؤامرة هذه تعود إلى إرث سنوات من القمع، تعرّض له الإسلاميون المصريون والأتراك على يد المؤسسات العلمانية المدعومة من الجيش.

لا إقصاء
لكن المشكلة بالنسبة إلى الإخوان المسلمين وحزب العدالة والتنمية هي جنون الارتياب الذي يشعرون به خارج قواعدهم، كما إن استخدام أسلوب الضحية لم يعد يثير أي تعاطف بمجرد وصولهم إلى السلطة. الحقيقة غير المريحة هي أن العدالة والتنمية لا يريد قبول حقيقة أن الاحتجاجات الضخمة التي سبقت الانقلاب في مصر عبّرت عن رفض واسع لسياسات مرسي، وبالتالي ينبغي على الحزب، الذي يمثل غالبية المجلس التشريعي التركي، الاعتراف بذلك، وإدراك أن المحتجين رفضوا تلك السياسات، ولكنهم لم يرفضوا الإسلام السياسي.

وعلى الرغم من عداوة كثير من المحتجين للتيار الإسلامي، إلا أن أحدًا لا يريد إقصاء الإسلاميين عن السياسة، كما إن المتظاهرين في حديقة غازي لا يطالبون بخروج الإسلاميين من المشهد التركي.

فما يرفضه الناس في مصر وتركيا هو الفهم الشمولي العنيف للديمقراطية، الذي يقول إن الفائز بالانتخابات يأخذ كل شيء، ويحق له فرض أجندته على بقية المجتمع. وتؤكد الحركة الاحتجاجية في المقابل أن المعارضة الفاعلة جزء مهم من الديمقراطية تمامًا كالحكومة المنتخبة، وأهم مطالب المحتجين هي أن تتعامل معهم السلطات بجدية وأن تستمع لهم. كما إن تصوير الإخوان المسلمين وحزب العدالة والتنمية التركي المعارضة وكأنها الشيطان، ليس طريقة لوصف المشكلة، إنما هو المشكلة بحد ذاتها.

لا أثر تونسي
أما في ما يتعلق بتونس، فلم تتأثر البلاد كثيرًا بما حدث في مصر، خلافًا لما يجري في أنقرة، على الرغم من أن حزب النهضة الإسلامي في تونس وصف ما حدث بأنه انقلاب. لم ينتهج حزب النهضة سلوكًا مشابهًا لسلوك إخوان مصر بمحاولة استغلال النصر الانتخابي الضئيل لتطبيق أجندة حزبية عنيفة. بدلًا من ذلك، شكل النهضة ائتلافًا ثلثيه من الأحزاب اليسارية والعلمانية.

وبالرغم من الانقسامات التي ظهرت حول دور الإسلام في الدستور التونسي، إلا أن حزب النهضة استطاع أن يبين قيمة الرؤية الشاملة في إحراز نجاح نسبي.

تهميش المعارضة وتخوينها واختزال الصراع السياسي وتقديمه على أنه صراع بين الإسلامية والعلمانية هو أسلوب الأنظمة القديمة في مصر وتركيا. لكن، في ظل انعكاس الأدوار، وعلى الرغم من أن الإسلام السياسي يظل قوة سياسية لها قاعدة كبيرة، إلا أن الأحزاب الإسلامية ستواجه صعوبة إذا حاولت إقصاء المعارضة حتى وإن حصدت الغالبية.