بدأت الحياة تعود تدريجياً إلى مدينة القصير السورية التي استعادها نظام الأسد بدعم من حزب الله، بعد أن بقيت تحت سيطرة المعارضة حوالي عام، ويصلح أهالي المنطقة القليل من ما دمّرته الحرب، محاولين إعادة احياء منطقتهم.

القصير: تعود مدينة القصير الاستراتيجية في وسط سوريا بخفر الى الحياة، بعد نحو شهرين من انتهاء المعارك الضارية التي مكنت نظام الرئيس بشار الاسد من استعادة هذه المنطقة الاستراتيجية من أيدي المعارضة.
الى جانب الطريق الرئيسية في المدينة، يجلس شرطيان على كنبة، وهما يطردان الذباب، يتابعان بلا اكتراث سيارات قليلة تعبر شوارع المدينة التي استحالت أشبه بمدينة أشباح، بعدما هجرتها غالبية سكانها البالغ عددهم 50 ألفًا.

السكان ينفذون الاصلاحات
على الحاجز النصفي الفاصل بين جانبي الطريق، يعمل ثلاثة اشخاص على إزالة الحشائش الضارة، ويزرعون أشجار النخيل ويقلمون ورود الدفلى الزهرية اللون.
خلفهم، لافتة من الحديد زرقاء اللون كتب فيها بالابيض: quot;مصرف التوفير-فرع القصيرquot;، خرقها الرصاص. امامها، لم يبقَ من التمثال الاسمنتي للراحل باسل الاسد، شقيق الرئيس الحالي بشار، سوى هيكل حديدي.
ويقول فادي (50 عامًا)، وهو خياط تعرض متجره لدمار كامل: quot;ازرع هذه الاشجار لأنها ترمز الى الحياة والحب. الارهابيون دمروا مدينتنا ونحن سنعيد بناءَها لأنني أرغب في رؤية بلادي خضراء مجدداً وعودة السكانquot;.
ويستخدم نظام الرئيس الاسد عبارة quot;ارهابيينquot; للاشارة الى مقاتلي المعارضة الذين لا يحظون بمحبة كبيرة في صفوف الناس العائدين الى المدينة التي سيطر عليها المعارضون لاكثر من عام.
وفي الخامس من حزيران (يونيو)، سيطرت القوات النظامية مدعومة بعناصر من حزب الله اللبناني على مدينة القصير في ريف حمص، بعد معركة ضارية استمرت قرابة ثلاثة اسابيع.
آثار الحرب
وتبدو آثار المعارك بوضوح في كل انحاء المدينة التي استحالت مبانيها كتلاً اسمنتية خرقها الرصاص والقذائف، كما تضررت البنية التحتية في المدينة بشكل كبير.
ويعمل الموظفون في شركة الكهرباء على اعادة مد خط للتوتر العالي، وتثبيت خطوط جديدة وأعمدة انارة في quot;شارع الجلاءquot; الذي يحمل هذا الاسم احتفاء بمغادرة الجيش الفرنسي لسوريا في العام 1946.
وفي مبنى الاتصالات، تبدو الاضرار واضحة في التمديدات والسنترالات التي احرقت جميعها.
ويقول المدير الجديد للمركز مطانيوس الشاعر إن quot;الارهابيين دمروا كل شيء قبل 48 ساعة من تحرير المدينة، والاضرار تصل كلفتها الى مليار ليرة سورية (57 مليون دولار)quot;.
ويضيف هذا الموظف الذي عين حديثًا بعد فرار سلفه مع المقاتلين: quot;انتهينا للتو من تثبيت مركز اتصالات بسعة 1200 خط للسكان والخدمات الحكومية، و80 من هذه الخطوط هي عاملة. لكن قبل ذلك، كانت السعة اكبر بكثيرquot;.
ولا يملك المسؤولون المحليون ارقامًا دقيقة لأعداد السكان الذين عادوا الى المدينة. ففي حين يقدر الشاعر العدد بنحو ألفي شخص، تقول رئيسة البلدية شذا مراد إن العائدين لم يتجاوزوا 600 شخص حتى تاريخه.
وفي غرب المدينة حيث الاحياء ذات الغالبية السنية المتعاطفة اجمالًا مع المعارضة، لا تزال المناطق مقفرة في شكل كامل باستثناء ثلاثة اشخاص.

الحياة تعود تدريجيًا
ويستخدم محمود أحمد (74 عامًا) الموظف السابق في الدولة، دراجته الهوائية لينتقل الى احد الينابيع لملء دلوين بالماء.
لم يترك محمود وزوجته فتون المدينة سوى ليومين اشتدت فيهما المعارك بشكل غير مسبوق. وتقول الزوجة في مطبخها المظلم: quot;لا نملك المال لاستئجار منزل، لذلك عدنا، حتى في ظل عدم توافر الماء والكهرباءquot;.
ويأمل جارهما عبدالله مسرة الذي بقي في القصير بدوره، بأن تتمكن عائلته من العودة بعد عيد الفطر الاسبوع المقبل.
وتبدو الحياة في الاحياء ذات الغالبية المسيحية في شرق المدينة اكثر حركة. وبين طرفي المدينة، قرب ساحة الساعة وسط القصير، تبدو آثار الحرب ظاهرة على المسجد الكبير وكنيسة مار الياس للروم الارثوذكس.
وتملأ الثقوب القبة الذهبية لهذه الكنيسة التي بات جرسها غير قابل للاستخدام. وفي الداخل، تعرض المذبح الرخامي للكسر، في حين احترقت أجزاء من ايقونة تجسد القديس الياس.
وعلى الجدار الداخلي الاصفر، كتبت شعارات مثل quot;سوف ينتصر دين سيدنا محمد باذن الله على الطغاةquot;، وquot;حزب الله حرر هذه الكنيسةquot;.
ويقول جعفر نصور (40 عامًا): quot;نظفنا كنيستنا المتضررة ومعاً سنحاول اعادتها الى سابق عهدها بامكاناتنا المتواضعةquot;، مشيرًا الى أن المطرانية quot;لم تصب بأي أذى، ويقوم كاهن كل احد بترؤس القداسquot; في المدينة التي يشكل المسيحيون عشرة في المئة من سكانها.
وعلى الطرف الآخر من الساحة، يبدو المسجد في حال يرثى لها، بعد تدمير نصف مئذنته، وتكدس الحجارة والزجاج المتكسر في قاعة الصلاة.
ويقول المقدم رائد عبود المسؤول عن الامن في المدينة: quot;نحن في طور القيام بكل ما يجب لإعادة الامور الى سابق عهدها، لكن في ما يتعلق بإعادة الاعمار يجب الانتظار لأننا بلد في حالة حربquot;.