عُرِف العراق منذ القدم بروح الانسجام بين الطوائف والقوميات، تمخضت عن زيجات بين الشيعة والسنة، وبين مسلمين ومسيحيين وصابئة وأزيديين، وبين عرب وأكراد وتركمان، وقد عادت هذه العادات من جديد مع تزايد الزيجات المختلطة.


بغداد: يسجل المشهد اليومي العراقي العشرات من حالات الزواج المختلط بين أبناء الطوائف، في ظاهرة يشعر معها العراقيون بالفخر، لأن محاولات تمزيق النسيج الوطني العراقي لن تكتب لها فرص النجاح.

ويؤكد المحامي سعدون حسين، المتخصص في قضايا الأحوال الشخصية من المحمودية، أن الزيجات المختلطة طائفيًا باتت أمرًا مألوفًا من جديد في هذه المدينة، التي تسكنها طوائف مختلفة، بعد فترة انحسار أملتها الظروف السياسية والاقتصادية والمذهبية التي شهدتها المنطقة بعد العام 2003.

وبحسب حسين، سجّل العام 2012 أكثر من 50 ألف حالة زواج بين أفراد من الطائفتين السنية والشيعية، وهو يؤكد أن العاصمة بغداد شهدت في العام الماضي حوالى عشرة آلاف حالة زواج بين سنة وشيعة، بحسب معلومات استقاها من مصادر محكمة الأحوال الشخصية في بغداد، ومن محامين ورجال قانون.

وتؤكد الباحثة الاجتماعية والمحامية كوثر القيسي هذه الظاهرة، مشيرة إلى أنها تحدث في الغالب بين المتعلمين أكثر من سواهم، وفي العائلات المنفتحة ثقافيًا واجتماعيًا، لكنها تندر وتضمحل بين الأسر المتدينة.

تجاوز للكراهية
إحدى حالات الزواج المختلط كانت اقتران الطالب الجامعي السني توفيق عامر من زميلته الشيعية فاطمة حسن في جامعة بغداد، حيث وجدا نفسيهما في مشروع زواج باركته كلتا الأسرتان. وبحسب توفيق، حين التقى فاطمة لم يسألها عن طائفتها، وكذلك الأمر حصل مع فاطمة.

يشير توفيق إلى أن لقاء الأسرتين كان حدثًا طبيعيًا بين أسرتين عراقيتين، ولم تكن هناك أية حساسية طائفية أو تعصب مذهبي، بل إن كلًا من أفراد الأسرتين صاروا يتندرون على الأحاديث الطائفية والمذهبية التي يتداولها البعض ويسخرون منها.

وفي العام 2012، أعلن مجلس القضاء الأعلى عن إحصائية شاملة بعدد حالات الطلاق والزواج في العراق منذ العام 1995 لغاية العام الماضي، أفادت بارتفاع نسبة حالات الزواج خلال الأعوام المنصرمة من دون ذكرها بالأرقام.

زيجة أخرى حدثت بين الطبيب علي كامل من بابل وزميلته الطبيبة بيداء قادر من الموصل، بعدما التقيا أثناء فترة هجرتهما إلى العاصمة الأردنية عمّان، حيث تعارفا وتحابّا، وقررا الزواج، ثم العودة إلى العراق، والاستقرار في بابل.

تقول بيداء إن زواجهما ناجح، لأنه زواج عراقيين أولًا، ولأن علاقتهما طوال سنين لم تتأثر بما يدور من جدالات مذهبية وما يحدث على الأرض من عنف طائفي، مؤكدة أن التناحر المذهبي مهما تحدثت وسائل الإعلام عنه يبقى محصورًا بين الجماعات المسلحة المدعومة من السياسيين في صراعهم على الكراسي والنفوذ، quot;لكن الحب أقوى من الكراهية المذهبية أو العرقيةquot;.

وحدة النسيج العراقي
وبحسب دراسة أعدتها القيسي، فإن بغداد تأتي بالدرجة الأولى في عدد الزيجات، تأتي بعدها بابل والبصرة ثم الموصل. أما ديالى، فقد انحسر فيها الزواج المختلط طائفيًا بسبب الفوضى الأمنية، وسعي الجماعات الإرهابية المسلحة إلى تفتيت وحدة النسيج العراقي.

يؤكد ذلك أحمد الدليمي، ضابط الشرطة في ديالي، حيث تهدد الجماعات المسلحة الأشخاص الذين يتزوجون من طائفة أخرى غير طائفتهم. وتؤكد القيسي قائلة: quot;كانت ديالى على الدوام من أكثر محافظات العراق تسامحًا، ومجتمعها مزيج من طوائف وقوميات مختلفة، واشتهرت بتآلفها الاجتماعي، الذي أتاح الزيجات المختلطة، لكن ظاهرة الطلاق القسري لأسباب طائفية انتشرت بشكل ملحوظ بين العامين 2003 و2008quot;.

وتتوقع عودة اللحمة إلى النسيج الاجتماعي حالما تنحسر الأعمال الإرهابية والأجندة الطائفية. وتكشف القيسي عن أن معظم الناس لا يشعرون بتأثير الفتنة المذهبية على علاقاتهم مع بعضهم، لكن ذلك يظهر جليًا بين الناس المتعصبين، الذين يؤيدون الجماعات المتطرفة من كلتا الطائفتين الشيعية والسنية.

عادوا إليها
يقول ماجد الكلابي، الباحث في العشائر والأنساب العراقية، إن العراق عرف منذ القدم بروح الانسجام بين الطوائف والقوميات، تمخضت عن زيجات بين الشيعة والسنة، وبين مسلمين ومسيحيين وصابئة وإزيديين، وبين عرب وأكراد وتركمان.

من جهته، يقول الشيخ قادر الحلي من جامع الهيتاويين السني في محافظة بابل، إنه أتم عقود زواج هذا العام لأكثر من عشرة بين سنة وشيعة. وقال الحلي إن المسلم، شيعيًا كان أو سنيًا، ينظر إلى أخيه كإنسان، والاقتران بالشخص الآخر لا يرتبط بمذهب الإنسان أو دينه.

تابع: quot;معظم الذين انفصلوا عن شريكهم في الحياة بسبب ضغوط طائفية أو مخاوف من جماعات مسلحة أو اعتبارات مذهبية عادوا إلى الشراكة الزوجية من جديد، مؤكدين أن ما حدث كان نتيجة عوامل طارئة على المجتمع العراقيquot;. وفي حديث مع علي الموسوي، سادن الروضة الكاظمية في بغداد، فإن الزواج المختلط تجربة ناجحة في العراق، لأن أساسه التفاهم والتسامح وعدم التعصب.