أرغمت الحرب المستعرة في سوريا مئات الآلاف من السوريين على مغادرة منازلهم هربًا من الموت والعنف، واللجوء إلى البلدان المجاورة حيث تنتظرهم معاناة من نوع آخر. لكنّ اللاجئين السوريين في لبنان يواجهون أزمة إضافية، وهي قلة المساعدات الحكومية بسبب رفض البلاد إقامة مخيمات رسمية للاجئين الأشقاء.
في أحد حقول بلدة شتورة البقاعية، التي تعتبر محطة في سهل البقاع اللبناني على الطريق من بيروت إلى دمشق، يعمل عدد من السوريين على حفر بئر يؤمن لهم بعض احتياجاتهم اليومية من الماء. quot;نحن مضطرون لفعل ذلك بأنفسنا، ونقدم الماء للعائلات السورية التي لجأت إلى لبنان مقابل أي مبلغ يتيسر عليهم تأمينهquot;، كما يقول أحد العمال، وهو لاجئ سوري يقيم في مخيم غير رسمي، لا تتوفر فيه الخدمات.
وعلى الرغم من أن الماء لا يصلح إلا للغسيل، فإنه بالكاد يكفي لسد حاجات اللاجئين في تلك المنطقة، إذ تنقصهم الكثير من أساسيات العيش. حتى فترة قريبة، لم تكن لدى السوريين في هذه البلدة البقاعية مراحيض، إلى أن تبرعت منذ ستة أشهر جمعية quot;وورلد فيجنquot; المسيحية الخيرية بتأمين 12 مرحاضًا لنحو 140 من سكان المخيم.
ويأمل اللاجئون في أن تتمكن quot;وورلد فيجنquot; أو أي منظمة خيرية أخرى من بناء إمدادات توفر لهم مياه الشرب النظيفة. لكن يبدو أن ذلك لن يحصل، أو سيتأخر قليلًا، ما دفعهم لجمع عدد من الرجال للبدء بحفر الآبار الخاصة بهم.
فوضى لبنان
يعيش أربعون في المئة من اللاجئين السوريين في لبنان في مخيمات البقاع، ويقولون إن عمال الإغاثة يقومون بزيارتهم لتسجيل أسمائهم وأحيانًا لتقديم مبالغ نقدية صغيرة، لكن بعد ذلك تختفي مساعداتهم لفترات طويلة من الزمن. مصدر المساعدات التي تصل إلى اللاجئين في معظم الأحيان هو مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وهي هيئة تنسيق المعونات الرئيسية لمساعدة اللاجئين.
لكن صحيفة كريستيان ساينس مونيتور تحدثت عن الفوضى في لبنان، التي تجعل من مهمة تقديم المساعدات إلى اللاجئين السوريين أكثر صعوبة مما هي عليه في البلدان الأخرى المجاورة لسوريا مثل الأردن وتركيا، حيث يعيش عشرات الآلاف من اللاجئين ويتلقون الخدمات في مخيمات اللاجئين الرسمية. فالمخيمات التي يلجأ اليها السوريون داخل الاراضي اللبنانية غير رسمية وهي أشبه بتجمعات، لا سيما قرب شتورة، حيث يقوم بضع مئات من السوريين باستئجار مساحة من الحقول من مالكي الأراضي اللبنانية.
ويعيش هؤلاء في المنازل التي بنيت من الخردة التي تم جمعها أو من قطع الخشب والبلاستيك التي تم التبرع بها، لأن الحكومة اللبنانية منعت المفوضية حتى الآن من إقامة مخيمات رسمية للاجئين السوريين خوفًا من تكرار التجربة الفلسطينية ووجود مجموعة أخرى من اللاجئين على أراضيها إلى أجل غير مسمى.
موقت؟
الآلاف من الفلسطينيين النازحين الذين فروا إلى لبنان موقتًا بعد حرب العام 1948، ما زالوا يقطنون المخيمات اللبنانية حتى اليوم، وهي مخيمات تمولها الأمم المتحدة وبنيت لتوفير مأوى موقت تحول اليوم إلى دائم. تقول جويل عيد، المتحدثة باسم المفوضية في لبنان: quot;يتوزع اللاجئون السوريون في لبنان على 1400 موقع مختلف، مما يجعل من مهمة تسجيلهم واحدة من العمليات الأكثر تعقيدًا في المناطق الحضرية في العالمquot;. هناك أكثر من 50 منظمة إنسانية تعمل على خدمة اللاجئين السوريين في لبنان، وذلك من خلال التنسيق مع البلديات والسلطات المحلية، ونقاط الاتصال وعمال الإغاثة والتوعية.
وقدرت منظمات الإغاثة حاجة السوريين إلى المساعدة بمبلغ قدرة 1.7 مليار دولار، لكن لم يتم تأمين سوى 24 في المئة فقط منه، بالكاد يكفي لمساعدة أكثر من مليون لاجئ سوري في لبنان خلال العام 2013.
وتقول عيد: quot;بالمقارنة مع احتياجات المجتمعات المضيفة على حد سواء واللاجئين المقيمين في لبنان، فإن مستويات التمويل منخفضة للغايةquot;، مضيفة: quot;ونتيجة لذلك، يكون على المنظمات اتخاذ خيارات صعبة من حيث معايير توزيع المساعدة، فيتم إعطاء المنح النقدية للأسر اللاجئة الفقيرة للغاية، وبعض الأسر المضيفةquot;.
إنقسام
مسألة إقامة مخيمات رسمية للسوريين تثير الكثير من الخلافات والانقسامات في الحكومة اللبنانية. في وقت مبكر من شهر تشرين الثاني 2011، عندما سجلت مفوضية شؤون اللاجئين 3.643 لاجئًا سورياً في لبنان فقط، حثّ تيار المستقبل الحكومة على إقامة المخيمات، وسرعان ما انضم زعماء السنة والجماعات الإسلامية الأخرى المعارضة لنظام بشار الأسد لهذا الموقف.
أما حزب الله، الذي يؤيد ويدعم الأسد وانضم عسكريًا إلى القتال إلى جانب القوات الحكومية في سوريا، فقد رفض وحلفاؤه إقامة هذه المخيمات. وفي حزيران 2013، قال الرئيس اللبناني ميشال سليمان إن المخيمات يجب أن تقام داخل سوريا، إنما تحت حماية منطقة حظر الطيران التي يقودها الغرب.
وفي الشهر ذاته، بدأت المفوضية بالضغط على الحكومة اللبنانية بشأن رفضها المستمر لإقامة المخيمات، وطلب من الحكومة اللبنانية السماح لها بإقامة مخيمات رسمية. وقالت المفوضية إن التكلفة العالية والموارد المحدودة لخدمة أكثر من مليون لاجئ سوري في جميع أنحاء البلاد مهمة صعبة وغير مستدامة.
قالت عيد: quot;في بداية الأزمة السورية، استقر معظم اللاجئين الذين جاؤوا إلى لبنان مع أسر مضيفة، اما اليوم، بعد عامين على الأزمة في بلادهم، فإن أغلبية اللاجئين يعيشون في مساكن مستأجرة. وفي ظل ارتفاع الإيجارات على نحو متزايد، هناك كثير من اللاجئين المعرضين لخطر الإخلاءquot;.
التعليقات