حينما يستسلم سُكان الطوابق السياسية العليا في الأردن للشائعات، ويبدأون بملاحقة الصحافيين بحثًا عن معلومات وإجابات شافية، فهذا يعني أن التغيير قد اقترب، لكنه لا يزال مجرد أفكار في ذهن الملك، وهو ما يُخيف المعنيين.
تقول أوساط سياسية أردنية إن العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني قد أصبح قاب قوسين من تغييرات مهمة وصادمة للرأي العام الأردني، لكنه يُقلب منذ أيام عدة خيارات تبدو كلها صعبة، ولها محاذيرها السياسية، وهو ما قد يؤخر تظهير هذه التعديلات الى الشهر المقبل، التي قد تفاجئ أقرب المقربين للملك الأردني.
غضب مكتوم
ويستشعر كبار المسؤولين الأردنيين هذه الأيام قلقًا عميقًا بسبب غضب مكتوم للملك من الأجواء السياسية في بلاده، خصوصًا وأن الملك قد غادر المملكة الأردنية في الثلث الأخير من رمضان الى وجهة غير معلومة، قبل أن يظهر في أحد مصليات مدينة العقبة الساحلية في الساعات الأولى من أول أيام عيد الفطر السعيد لأداء صلاة العيد، لكن الملك سرعان ما توارى عن الأنظار مجددًا، في ظل معلومات مؤكدة لـquot;إيلافquot; أن الملك رفض مقابلة أي من المسؤولين، بل وطلب من العاملين في مكتبه الإعتذار عن أي لقاءات طلبها نواب معه.
ويفتح هذا الإجراء شهية فقهاء السياسة الأردنية للقول إن المؤسسة البرلمانية لن تنجو من قرارات الإطاحة والتغيير، وأن الملك يشعر بإحباط سياسي جراء تقاعس مسؤولين كبار، إضافة الى أقطاب برلمانية كبيرة عن مساعدته في قيادة البلاد بعيدًا عن نهج تَصيّد الأخطاء، والمناكفات السياسية.
عُقدة عبدالله النسور
فالمؤسسة البرلمانية التي جاءت في شهر يناير هذا العام، وكان مأمولاً ملكيًا وشعبيًا أن تُشكّل رافعة سياسية مهمة لإنضاج إصلاحات سياسية وإقتصادية قربها القصر الملكي مراراً من قرص النار، فشلت على الأرجح، وتحولت منذ أسابيعها الأولى الى البحث عن الشعبية، وإنشاد ما يطرب له الشارع الأردني، قبل أن يُقلص البرلمان قائمة أهدافه الإستراتيجية لإختراع أهداف أسرع وأسهل، إذ إنشغل البرلمان في الهجوم على الحكومة بقيادة الدكتور عبدالله النسور، إذ منذ تكليفه برئاسة حكومة في شهر مارس الماضي، فقد تحركت أطراف برلمانية للإطاحة به.
إستياء ملكي
ووفقًا لأوساط عارفة ومطلعة فقد عبر الملك مرارًا عن إستيائه من أداء البرلمان، ونقل هذا الإستياء شخصيًا خلال لقاءات مع أقطاب برلمانية، وذكّر نوابًا عدة بأن من اختار النسور لم يكن الملك بل البرلمان عبر الكتل فيه، متنازلاً طوعًا عن حقه الدستوري في تسمية رئيس الحكومة.
لكن أكثر ما أزعج الملك هو إستغلال النواب للقاءات الملك من أجل تحريضه سياسيًا على حكومته، والإطاحة بها، وهو تصور يرى الملك أنه بعيد المنال، وأن الدول لا تُدار بهذا الإرتجال العبثي، إذ ينسب الى الملك قوله لأحد النواب في لقاء خاص إن البرلمان يجب أن ينتبه لتطوير قانونه الداخلي، والتشريع للناس، بدلاً من الإنشغال في معارك جانبية قد لا تصل نتيجتها الى إقصاء النسور.
تقول أوساط أردنية بارزة لـquot;إيلافquot; إن قرار العاهل الأردني بالتغيير العميق لن يتأخر كثيرًا، وأن بعض الإشارات والمعطيات بشأنه قد أصبحت واضحة تمامًا، إذ تتوقع مصادر سياسية أردنية عليمة أن تطال تغييرات الملك مؤسسات وشخصيات مهمة، بل ربما يطال التغيير المؤسسة البرلمانية نفسها، عبر إصدار الملك أمرًا بحل البرلمان، وهو أمر يستتبعه وجوبياً تنحية الحكومة الأردنية خلال أسبوع طبقاً للنص الدستوري، وهو ما قد يفرض خيارات صعبة جدًا.
حل قضائي؟
وتعتقد أوساط أردنية أن الشهر المقبل ربما يشهد حدثاً سياسيًا نادرًا قد يعيد خلط الأوراق السياسية في البلاد التي يسكنها نحو 9 ملايين فرد، أكثر من 2 مليون منهم غير أردنيين، في إشارة ضمنية الى قرار قضائي مرتقب بإعتبار قانون الإنتخاب، الذي أجريت وفقًا له آخر إنتخابات برلمانية، باطلاً، وهو ما يستدعي دستوريًا وقانونيًا الى إعتبار البرلمان الحالي باطلاً أيضاً، لكن المحكمة الدستورية المناط بها قرار من هذا النوع لا تُعلق على المعلومات، وأن الثابت الوحيد أن قضاة هذه المحكمة يدرسون بعناية بنود القانون الإنتخابي بنداً بنداً.
نطاق التغيير
لا يستطيع أحد في الداخل الأردني حسم شكل التغيير السياسي المقبل أو حجمه، لكن مصادر quot;إيلافquot; تتحدث عن أكبر عملية تغيير متزامنة لمسؤولين كبار، إضافة الى إعادة تشكيل مجلس الأعيان، ووضع رئيس جديد له خلفًا للسياسي العريق طاهر المصري الذي يقود المجلس منذ ديسمبر 2009، كما أن التغييرات يمكن أن تطال أيضًا مناصب عليا وخاصة في القصر الملكي الأردني، إذ يتردد أردنيًا أن التغييرات في القصر الملكي ربما تسبق أي تغييرات أخرى.
مخاوف ملكية
يأتي إستعداد الملك للتغيير العريض في مملكته التي إرتقى على عرشها في فبراير عام 1999 متزامنًا مع أوجاع وأزمات سياسية وإقتصادية أردنية، إذ بدأت المديونية الأردنية القاصمة لظهر الأردن في ملامسة الخطوط الحمراء، كما يبدي الملك في لقاءاته الدولية قلقاً عميقاً من إندلاع معارك عسكرية في الإقليم، وتحديداً توجيه ضربات عسكرية لسوريا وإيران سيجعل من الأردن الخاسر الأكبر، وستفضي هذه المعارك الإقليمية حسب التقدير الأردني الى تدفق مئات الآلاف من السوريين الى أراضيه، إضافة الى مفاقمة أزمة الأردن الإقتصادية، خصوصاً مع توقعات بصعود سريع ورشيق لأسعار النفط عالميًا في حال إندلعت مواجهة عسكرية في المنطقة.
التعليقات