تحول حلم الكثير من الأفارقة بالهجرة إلى أوروبا عبر بوابة المغرب إلى أمل بالعودة إلى بلادهم بعد أن عايشوا مستويات عالية من العنصرية والعنف الذي وصل إلى حد القتل، وتعتبر المغرب محطة انتظار قد تطول الإقامة فيها لعبور أوروبا.

الرباط: داخل غرفة ضيقة ومظلمة وسط حي شبه عشوائي في العاصمة الرباط، تجمع مهاجرون غير شرعيين للحديث عن سنغالي قتله مواطن مغربي طعناً بسكين قبل أسبوعين، ما أعاد المخاوف من تنامي العنف والعنصرية.
ويبدو على وجوه ستة من شباب ينحدر أغلبهم من الكاميرون حزن وأسى على ما حدث للشاب اسماعيلا فاي قرب المحطة الطرقية للرباط عندما كان يستعد للسفر الى مدينة فاس وسط المغرب، حيث الزاوية التيجانية محج السنغاليين.
واصيب الشاب بطعنات أردته قتيلاً وأعادت الحديث عن تنامي quot;العنف والعنصريةquot; تجاه المهاجرين ذوي البشرة السوداء من طرف السلطات المغربية وبعض المغاربة.
ويقول ايريك وليامز، وهو كامروني يقيم في المغرب منذ عامين ويرأس جمعية quot;إضاءة على الهجرة السرية في الدول المغاربيةquot;، إنه quot;لو لم تكن هناك مشكلة صديقنا اسماعيلا لما تذكر أحد ما يحدث لنا. وضعنا هنا سيىء جدًا، فخلال أسبوع اعتدي على ما يقرب من 15 مهاجراًquot;.
ويوضح ايريك: quot;عندما تقوم الشرطة بحملاتها التمشيطية تطلب من شباب الحي كسر أبوابنا وإخراجنا عنوة من أجل اعتقالنا، وبعد ذلك يدخل الشباب الى غرفنا ويسرقون كل ما اشتريناه، فيما يتم رمينا على الحدود الجزائريةquot;.
ويضيف متسائلاً بحرقة quot;هل كوني مهاجراً في بلد ما هو جريمة؟ حينما تركت بلدي وجئت الى المغرب كنت أعلم أني لا اهاجر في أفريقيا وإنما أذهب عند جاري، وهو يأتي عندي ونعيش في تناغم، لكن حينما تصل ينعتك المغاربة بالأفريقي، ويمارسون سلوكيات عنصرية تصل حد الاعتداء والقتلquot;.
وأثار موت الشاب السنغالي غضب المهاجرين السنغاليين الذين يوجد أغلبهم في وضعية قانونية في المغرب، خاصة يوم نقل جثمانه من مشرحة وسط العاصمة الرباط من اجل ترحيله ليدفن في بلده.
يومها قالت أنا باينس التي تتابع دراستها في المغرب لوكالة فرانس برس: quot;نلاحظ تزايدًا في الاعتداءات التي تستهدف السود (...) أقل ما تسمعه من مغربي حين تمر من قربه هو: أيها الأسود او أيها الصرصورquot;.
يومها أيضاً رفض سفير السنغال لدى الرباط التعليق على الحادث، فيما اعتبر جوب أداما، أحد ممثلي الجالية السنغالية أن الأمر quot;حادث معزول (...) لا يمكن التحدث معه عن تصاعد للعنصريةquot;.
لكن 15 جمعية حقوقية وناشطة في مجال الهجرة ومن بينها جمعية المواطنين السنغاليين في المغرب، عبرت مساء الثلاثاء في بيان لها عن quot;إدانتها الشديدة للأعمال العنصرية والمقيتةquot; ضد المهاجرين.
ويظل وضع السنغاليين القانوني أفضل بكثير، رغم وفاة اسماعيلا، مقارنة بالمهاجرين السود غير الشرعيين في حي التقدم شبه العشوائي، الذي يوصف بالخزان الانتخابي للعاصمة، ومن بين هؤلا المهاجرين الكامروني جون ماري ميجونجي.
داخل الغرفة المختنقة والرطبة نفسها، حيث تحوم عشرات الصراصير على الحيطان وتختلط رائحة البول بالعرق، يصف جون ما يحصل لأصحاب البشرة السوداء بكونه quot;مثل معاملة العبيد.. فلا يمكنك أن تمر في الطريق دون أن تسمع كلمة أسود أو تسمع عبارات السب والقذف..quot;.
ويضيف متسائلاً quot;تصور معي لحظة أن جميع الجنسيات التي يمثلها المهاجرون المتواجدون على الأراضي المغربية، رجعت الى بلدانها بالنظرة السيئة والسلبية نفسها عن هذا البلد، فهل سيكون بإمكان أي مواطن مغربي أن يتجول في أفريقيا بسلام؟quot;.
وتقدر الجمعيات العاملة في مجال الهجرة في المغرب عدد المهاجرين غير النظاميين بأكثر من 20 ألفًا يتوزعون على كبرى المدن المغربية في انتظار فرصة العبور الى quot;الإيلدورادوquot; الأوروبي.
وتتهم هذه الجمعيات السلطات المغربية بـquot;الترحيل القسريquot; للمهاجرين وممارسة العنف ضدهم.
ويشرح ستيفان جوليني، المكلف ببرنامج حقوق الأجانب والترافع داخل quot;مجموعة مناهضة العنصرية ومرافقة الأجانب والمهاجرين والدفاع عنهمquot;، لفرانس برس أن السلطان المغربية تلجأ الى quot;توقيفات جماعية عشوائية للمهاجرين، بدون التأكد من حالات الموقوفينquot;
ويضيف جوليني الذي ترفض السلطات المغربية منح الجمعية التي ينتمي إليها وضعاً قانونيًا بسبب كلمة quot;مناهضة العنصريةquot; في تسميتها رغم وجودها في الميدان منذ عدة سنوات، quot;التوقيف يتم على أساس لون البشرة السوداء دون تمييزquot;.
وممارسات السلطات quot;التي تقلل من إنسانية المهاجرينquot; حسب جوليني quot;لا يمكنها الا أن تشجع العنصرية وأفعال العنف لدى الساكنة التي يفعل بعضها الشيء نفسهquot;.
لكن بالنسبة لخالد الزروالي، مدير الهجرة ومراقبة الحدود في وزارة الداخلية المغربية فإن quot;هذا كلام مردود عليه، وإن كانت هناك استثناءات فهذا يتم التعامل معه بشكل قانونيquot;، مؤكدًا أن quot;المغرب ليس بدركي لأحد بل دولة مسؤولة تقوم بحماية حدودهاquot;.
ويوضح المسؤول المغربي أنه quot;من الضروري حماية مواطنينا والمساهمة في استقرار وسلم المنطقة (..) فمنظمتنا الأمنية موجهة ضد الشبكات الإجرامية، وفي استراتيجيتنا لا نخلط بين الضحية وبين المهربquot;.
ويوضح الزروالي أنه quot;بفضل سياسة مراقبة الحدود، صار من المستحيل اليوم مثلاً العبور من الشواطىء المغربية الى الشواطىء الإسبانية، فإحصائيات السنوات الخمس الماضية تظهر تقلص عدد المهاجرين ب90% فيما تقلصت السنة الماضية ب76%quot;.
والحل بالنسبة للمغرب هو quot;الرجوع الطوعي باعتباره أداة فعالة لحماية الضحية، ومحاربة غير مباشرة للذين ينشطون في تهريب البشر، عن طريق تحدث الضحايا عن معاناتهمquot;.
وبلغ عدد الذين تم ترحيلهم بشكل طوعي وبتعاون مع الشركاء ومن بينهم المنظمة الدولية للهجرة، 14 ألف شخص الى حدود اليوم، حسب المسؤول المغربي.
ويقول الزروالي إن quot;ما نطلبه من الناس المشتغلين في هذا الميدان هو العمل من أجل هدف واحد هو الضحية، وليس من أجل المزايدات وخدمة اجندات معينةquot;، دون أن يحدد ما هي هذه الأجندات.
ورغم ان الزروالي يعتبر quot;أن الإخوان الأفارقة مرحب بهم لكن بطريقة شرعيةquot;، لكن ابراهيما فال، الشاب السنغالي (29 سنة) الذي جاء للرباط قبل تسعة أشهر بطريقة شرعية، حيث يبيع ديكورات خشبية وسط العاصمة، يقول لفرانس برس: quot;هناك عنصرية في المغرب، وأنا أقول هذا لأنه حقيقةquot;.