لم يعر أي أحد في الادارة الأميركية حتى الآن أي اهتمام لدروس هامة مستخلصة من التدخل الدولي في ليبيا قبل عامين، هذا التدخل الذي بدأ تحت شعار حماية المدنيين، وانتهى بمقتل العقيد معمر القذافي وسقوط حكمه.

بعد أن حوصر الرئيس الأميركي باراك أوباما في زاوية الخط الأحمر الذي تخطاه الرئيس السوري بشار الأسد، بالاستخدام الواضح للأسلحة الكيميائية في 21 آب (أغسطس) الماضي، وجدت الولايات المتحدة نفسها على وشك الدخول عسكريًا في مستنقع الحرب الأهلية في سوريا. وفي الوقت الذي تكثر فيه التحليلات والتوقعات حول ما سوف تقرر الولايات المتحدة وحلفاؤها القيام به في سوريا، اعتبرت مجلة فورين بوليسي الأميركية أن أحدًا لم يعر الاهتمام لبعض الدروس الهامة التي يمكن استخلاصها من التدخل العسكري المتعدد الأطراف في ليبيا قبل عامين.

دروس ليبيا
تقول المجلة إن ليبيا تعلم الأميركيين ثلاثة دروس. الدرس الأول، أي تدخل عسكري لا بد أن تكون له استراتيجية سياسية واضحة تحدد أهدافه، كما تتطلب استعدادًا لمواجهة عواقب غير مرغوب بها إنما من الطبيعي أن يؤدي إليها أي تدخل غربي. والدرس الثاني، التدخل المحدود الذي تتحدث عنه الولايات المتحدة في سوريا قد تكون له عواقب خطيرة جدًا، يحتمل أن تكون أكثر خطورة من التدخل غير المحدود. والدرس الثالث، الشرعية السياسية التي تمنحها الدول العربية والقوى الإقليمية، مثل تركيا أو قطر، أمر ضروري لنجاح العملية، لكنه أيضًا يخلق صعوبات ينبغي التصدي لها بفعالية. ففي ليبيا، قالت الولايات المتحدة وحلفاؤها منذ البداية أن هدفهم يقتصر على حماية المدنيين. وبناء على ذلك، لم يكن هدف البعثة العسكرية تغيير النظام، ولا الهدف من الغارات الجوية تدمير أصول معمر القذافي. ومع ذلك، استنادًا إلى كيفية حماية المدنيين، وجدت الولايات المتحدة وحلفاؤها في حلف الناتو أنفسهم متورطين بسرعة في حملة لتغيير النظام، فحماية المدنيين تعني أن عليهم وقف تقدم الجيش الليبي نحو معقل المتمردين في بنغازي، وهذا يعني ضرب كل مراكز القوة العسكرية للقذافي، واستهداف مراكز القيادة والسيطرة التي يرسل منها النظام الليبي أوامر لمهاجمة المدنيين.
لا هدف واضح
الاندفاع اللازم للتدخل لحماية المدنيين يعني أن منظمة حلف شمال الأطلسي أصبحت مشاركة من دون قصد في عملية تدخل عسكرية، من دون رؤية متماسكة، وبفهم محدود للسياسة والعلاقات العامة وأنشطة إعادة الإعمار التي ستكون مطلوبة من أجل تحقيق نتيجة مرغوبة. باختصار، غرقت الولايات المتحدة وحلف شمال الاطلسي في العمل قبل الإجابة على السؤال الأساسي: ما أن يتم القضاء على القذافي، من سيملأ الفراغ؟ وكيف سيساهم الغرب في تطوير المشهد السياسي والأمني في ليبيا؟ التدخل العسكري من دون هدف واضح مدروس على المدى الطويل، وإن كان من خلال توجيه ضربات محدودة تهدف إلى حماية المدنيين، قد يتحول بسلاسة إلى حملة عسكرية للإطاحة بالنظام. والنتيجة هي أنه بعد مرور سنتين، تواجه الحكومة الليبية الموقتة المزيد من العراقيل والتعثرات، في حين أن الجهات الفاعلة غير قانونية من المنظمات الإجرامية إلى الجماعات الجهادية تسيطر على مناطق واسعة من البلاد، وتهدد الحكومة وتزعزع استقرار البلاد. لكن الصورة في سوريا مختلفة تمامًا، فالكثير من السوريين ينظرون إلى الولايات المتحدة باعتبارها غير مكترثة، منافقة، أو تقف ضمنيًا إلى جانب الأسد، إذ مرت نحو السنتين على الصراع وبالكاد تحركت الولايات المتحدة لحل الأزمة. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تحدثت عن ضرورة إسقاط الأسد، إلا أنها في نظر معظم السوريين المناهضين للنظام لم تفعل ما يكفي لذلك.
أين الخطة الكاملة؟
الدرس الليبي الأكثر أهمية الذي ينبغي أخذهفي الاعتبار في سوريا هو أن التدخل يتطلب خطة كاملة، وهذا يعني أنه لا بد من الاستعداد ووضع استراتيجيات للدخول والخروج من سوريا على حد سواء، فالضربات المحدودة قد تتحول بسرعة نحو شيء أكبر من ذلك بكثير. والخط الأحمر الذي وضعته الإدارة الأميركية في سوريا يضغط على الولايات المتحدة للتصرف على أساس أخلاقي، ويكثف الضغوط من أجل التدخل العسكري في البلاد، لكن هذا لا يعني أن تتصرف واشنطن من دون خطة واضحة المعالم.
الدرس الثاني من ليبيا هو أن أي عمل عسكري، سواء أكان محدودًا أو واسعًا، قد يؤدي إلى تمكين فئات معينة على الآخرين، فمنطقة الحظر الجوي البسيطة صممت لمساعدة الثوار لكنها في نهاية المطاف عززت الجهات الفاعلة الأخرى التي تعمل وفق سياسات متطرفة. على سبيل المثال، في ليبيا كان من المفترض أن تعمل منطقة حظر الطيران على تعزيز قيادة الثوار من المجلس الوطني الانتقالي والجهات السياسية الفاعلة الأخرى في بنغازي. لكن في الواقع، أدت منطقة حظر الطيران إلى تعزيز قوة الميليشيات التي تشكلت في أماكن أخرى مثل الزنتان و مصراتة، لأنها كانت قادرة على قلب الطاولة على القذافي باستخدام منطقة حظر الطيران كما لو أنها سلاح جوي للمتمردين. من المؤكد أن الولايات المتحدة تهدف إلى دعم الجماعات المسلحة المعتدلة، لكن أي منطقة حظر طيران أو عملية تسليح ستفيد بسرعة الجهات العسكرية الأكثر ديناميكية، مثل جبهة النصرة والعناصر الإسلامية الأخرى المرتبطة بالقاعدة. ولذلك، إذا كانت الولايات المتحدة ستتدخل، فإنها تحتاج إلى مواصلة تدريب ومساعدة محاوريها أو على الأقل منحهم فرصة لتحقيق النجاح في المعارك قبل أن تتدخل بنفسها. كل هذا يعني نفقات مالية كبيرة واحتمال نشر طواقم تدريب إضافية في تركيا أو الأردن.
غطاء إئتلافي
الدرس الثالث من ليبيا يتعلق بالفوائد التي تجنى من وجود اوسع ائتلاف ممكن، مع الحذر من أن بعض الجهات قد تدفع لنتائج مختلفة. احد الجوانب الإيجابية في السيناريو الليبي كان النوايا الحسنة الإقليمية والشرعية السياسية الممنوحة للبعثة العسكرية من خلال مشاركة الحلفاء العرب وتركيا. ومع ذلك، فإن جهود الدول العربية لتدريب الثوار السوريين و تزويدهم بالأسلحة، تعود إلى خوفها من أن تتعرض لخطر إقليمي أكبر، كما أنها تحاول تفادي اتهامها بتقديم العطاءات للولايات المتحدة وإسرائيل. والعمل مع الحلفاء العرب في ليبيا أظهر أيضًا أن قطر أو تركيا، على سبيل المثال، كانت لديهما أجندة مختلفة بالنسبة لمستقبل ليبيا ما بعد القذافي، وأدت جهودهما إلى تحرك مقاومة اسلامية ومعادية للغرب. في حين أن الولايات المتحدة يجب أن تواصل العمل مع قطر أو تركيا في سوريا، إلا أنه لا ينبغي السماح لهما بفرض خياراتهما السياسية التي تمس خيارات الولايات المتحدة مع المحاورين والشركاء. الوضع السوري أكثر تعقيدًا من ليبيا. اذا تدخلت الولايات المتحدة في سوريا، فعليها أن تفعل ذلك بناء على مفهوم أن المشاركة المتسقة المتعددة والطويلة الأجل هي الأمر الوحيد الذي يمكن أن يؤدي إلى نتيجة ايجابية في البلاد. ومن الخطأ التدخل في البلاد بطريقة تزعزع استقرارها لأجل غير مسمى، لأن ذلك يؤدي إلى عواقب وخيمة على جيران سوريا، فضلاً على الأمن القومي للولايات المتحدة.