تعاني منطقة الشرق الأوسط من اعلى معدلات البطالة في العالم بسبب عدم الموائمة بين نظم التعليم واحتياجات سوق العمل، هذا ما يكشفه تقرير جديد اعتمد على مسح شارك فيه اكثر من الف وثلاثمائة طالب وطالبة من دول مجلس التعاون الخليجي.


يكشف تقرير اعدته شركة استشارات الإدارة بوز اند كومباني أن السبب المباشر لارتفاع معدلات البطالة في الشرق الأوسط يكمن في الخلل الحاصل بين المهارات والخبرات التي يتعلمها الطلاب في المدارس واحتياجات سوق العمل.

وبحسب التقرير الذي يعتمد على مسح شارك فيه أكثر من الف وثلاثمائة طالب من السعودية والكويت وقطر والإمارات فان هناك حاجة إلى إشراك الطلاب انفسهم في عملية إصلاح نظم التعليم وجعلها ملائمة مع متطلبات السوق.

كما يدعو التقرير حكومات مجلس التعاون الخليجي إلى خلق وظائف جديدة ونوعية مع العمل على تنويع خيارات التوظيف للفئات الشابة المتزايدة العدد في المنطقة.

وفي المعلومات فان نصف سكان الشرق الأوسط هم ما دون السن الخامسة والعشرين، وربع من هم بين السن الخامسة عشرة والرابعة والعشرين يقبعون في البطالة حالياً.

أظهر المسح الذي اعتمدت عليه الشركة في تقريرها أن الطلاب الخليجيين يدركون بقوة نقاط الضعف والقوة في نظم التعليم لديهم. والأهم أنهم عبروا في الدراسة عن رغبة واضحة في الانخراط والمشاركة في وضع تطوير نظم التعليم في بلدانهم.

معلمون غير مدربين

كما أن نقص الخبرات العملية للمعلمين واعتمادهم على التلقين في اغلب الأحيان وافتقارهم للطرق الابتكارية في التدرس والاستخدام المحدود للوسائل التكنولوجية في الصفوف وكذلك النقص في النصائح الأكاديمية أو الاستشارات الوظيفية المحدودة يؤدي إلى اتساع الهوة بين نظام التعليم في مجلس التعاون الخليجي واحتياجات سوق العمل.

وتبين ليلى حطيط، وهي مديرة في بوز أند كومباني، أنه quot;في حين أن غالبية حكومات مجلس التعاون الخليجي تدرك المشكلة وقد جعلت من تطوير الموارد البشرية مسألة أساسية في برامج السياسة الخاصة بها، ما زال هناك مشاكل في جودة التعليم في مجلس التعاون الخليجي وتلاؤمه. وتكمن الصعوبة الأساسية في الفجوة بين المهارات التي تحتاجها مؤسسات الأعمال وما تتعلمه الأجيال الشابة في المدارسquot;.

مسألة معقدة

لكن الربط بين مدخلات التعليم ومخرجاته ليس بالأمر السهل، بحسب دراسة اعدتها وحدة المعلومات التابعة لمجلة إيكونوميس، فالاكتفاء بضخ الموارد في نظام التعليم غير كافٍ لضمان النتائج. فمن أجل ضمان نجاح إصلاح التعليم، من المهم فهم مكان ومدى حسن توظيف هذه الاستثمارات عبر مختلف القنوات التعليمية. وبطبيعة الحال، يجب أيضاً أخذ العوامل الثقافية الخاصة بالبلدان في الاعتبار من أجل تحديد دقيق لكيفية بروز التغيير الفعلي والإيجابي في النظام التعليمي.

وهذا الأمر مهم بشكل خاص في المنطقة اليوم مع توقع ارتفاع أعداد الطلاب الخليجيين من 9.5 مليون في عام 2010 إلى حوالى 11.3 مليون في عام 2020 بمعدل نمو سنوي تراكمي يبلغ 1.8 في المئة، مع ارتفاع أعداد طلاب التعليم العالي خلال هذه الفترة بمعدل نمو سنوي تراكمي مقداره 5.5 في المئة.

إشراك الطلاب هو الأساس

وتعتقد منيرة جمجوم، أن نظام التعليم في دول مجلس التعاون الخليجي يشمل سلسلة طويلة من اصحاب العلاقة، كالمدارس والحكومات والاكاديميات والقطاع الخاص، لكن الطالب نفسه يبقى هو الأهم. وتقول جمجوم وهي كبيرة باجثين في مركز الفكر التابع لشركة بوز أند كومبان إن quot;إشراك الطلاب في عملية تحسين التعليم سياسة جيدة وممارسة فاعلة. ويظهر البحث أن صوت الطالب يحسن العلاقات بين الطلاب والمعلمين، والممارسات والإجراءات، والسياسات، والقوانين، والثقافة. بالإضافة إلى ذلك، فإن انخراط المزيد من الطلاب والثقة في عملية الإصلاح أساسيان لنجاح الإصلاحاتquot;.

ويستعرض التقرير تجارب عدة نجحت في إشراك الطلاب في عملية اصلاح نظام التعليم، ومنها مقاطعة البيرتا والصين والولايات المتحدة، ويقول إن المشاركة الحماسية للطلاب في هذه الإصلاحات هي على الأقل أساسية بمقدار مشاركة المعلمين ومدراء المدارس.
وكخطوة أولى لإشراك الطلاب في عملية الإصلاح، أجرت بوز أند كومباني أخيراً مسحاً شمل طلاب مدارس ثانوية وجامعات في مجلس التعاون الخليجي لمساعدة المعلمين وصانعي السياسة على فهم مقاربات الطلاب لنظام التعليم.

وبحسب المسح الذي اعدته الشركة فان طلاب مجلس التعاون الخليجي يقدرون تعليمهم ويفهمون وقعه على مستقبلهم ويريدون أن تكون مقاربة المحتوى والتعليم أكثر إيحاءاً ومتعة وابتكاراً.

والجيد بالنسبة إلى المعلمين وصانعي السياسة الذين يؤمنون بالإصلاح هو أن حوالى ثلثي من تمت مقابلتهم يثقون في القادة في قطاع التعليم لقيادة الإصلاحات التعليمية في بلدانهم. غير أنه عند طرح السؤال عن مدى الثقة في جودة التعليم، أجابت نسبة 44 في المئة بأنها quot;تثق إلى حد ماquot; فيها.

ومن النتائج الطيبة التي تم التوصل اليها ان الطلاب يقدرون عالياً قيمة التعليم، حيث أعرب 65 في المئة عن رغبتهم في العيش في مجتمع متعلم ومثقف. ورأت نسبة صغيرة من المجيبين في التعليم الثانوي وسيلة قائمة بذاتها، إذ تهدف الغالبية إلى أن تنال على الأقل شهادة بكالوريوس. وهناك نتيجة ملفتة أخرى هي أن النساء في المنطقة اللواتي يسعين إلى نيل شهادات دكتوراه هن أكثر من الرجال، إذ أن النسبة هي 15 في المئة في مقابل 11 في المئة.

وبالنسبة إلى وجهي التعليم اللذين يحظيان بأعلى تقدير من الطلاب فهما إيجاد مستقبل آمن على صعيد العمل ndash; 53 في المئة ndash; والإطلاع على معلومات مهمة. وأشار المسح إلى أن ثلث الطلاب يرغب بعد التخرج في العمل في القطاع العام، بينما يتطلع ثلث آخر إلى الانضمام إلى مؤسسة متعددة الجنسية.

ادراك المشكلة

ولانه يقال ان معرفة المشكلة نصف الحل، فان ادراك العديدم من الطلاب المواطنين والوافدين في المنطقة إلى حد بعيد نواقص أنظمة تعليمهم، يبشر بالخير، ويرى نحو ثلثي الطلاب إن الإصلاحات ستحسن أنظمة التعليم، وحوالى ربع الإصلاحات الكبيرة ضرورية على أربع جبهات أي المزيد من الخيارات المتنوعة للبرامج الأكاديمية والمزيد من المواد ذات الصلة، ومعلمين وطرق تعليم أفضل، واعتبار الأنشطة غير المنهجية أساسية في تعليمهم، وتحسين النصائح الأكاديمية والاستشارات الوظيفية.

في الواقع، خلص المسح أيضاً إلى أن الطلاب في الخليج يفتقرون إلى المعلومات الأساسية للإعداد للجامعة ومسيرتهم التعليمية، على غرار كيفية التقدم للمدارس والمقررات التي يجب متابعتها للإعداد لاختصاصات معينة. وهناك غالباً نقص في التعليم المرتبط بالوظائف في مجلس التعاون الخليجي، أو أنه ينفذ بشكل غير منظم من جانب الجامعات وعدد قليل من شركات القطاع الخاص التقدمية وبعض برامج وزارة العمل.

وسائل الإعلام الإجتماعي

ويؤكد نحو 60 في المئة من الطلاب الذين شملهم المسح أن وسائل الإعلام الاجتماعي سهلت عليهم مسألة التأثير الشخصي في إصلاح التعليم. وهذه النظرة سائدة خصوصاً لدى المقيمين في الإمارات العربية المتحدةquot;.

وأعطى الطلاب في جميع البلدان التي شملها المسح علامات متدنية لتفاعلهم مع إداريي المدارس. فبالنسبة إلى مستوى إشراكهم في القرارات التعليمية، قال 15 في المئة من الطلاب إنهم لا يملكون أي رأي في الموضوع، في حين قال 36 في المئة من الخريجين ndash; في مقابل 25 في المئة من الطلاب ndash; إن لديهم رأي محدد، بتوجيه من أولياء الأمور والعائلة.

وبشكل عام وغير مثير للمفاجأة، أشار الطلاب إلى مساهمتهم المتدنية جداً مقارنة بالخريجين، بما أن خياراتهم التعليمية تحددها العائلة أو الهيئات المعنية بالتعليم في بلدانهم. ير أن هناك وعي متزايد لدى المسؤولين الحكوميين وإداريي المدارس بأن التزام الطلاب مهم.

دراسات البلدان

حددت بوز أند كومباني خمسة متغيرات يتم بواسطتها قياس ومقارنة نظرات الطلاب إلى تعليمهم عبر البلدان وأنواع المدارس وهي المهارة الثابتة والمهارة المقدمة والبنية التحتية والثقة العلائقية والجدارة، في ما يتعلق بالاستعداد المستقبلي.

التفاعل مطلوب في الكويت

ويرى طلبة الكويت أن نظام تعليمهم جدير بالثقة، وحسب المسح فان 52 في المئة أظهروا ثقة معينة وكان 20 في المئة واثقين جداً من أنهم يحصلون على تعليم ذات جودة. كما أعطى الطلاب تصنيفات إيجابية جداً لتعليم اللغة الإنكليزية.
غير أن الطلاب الكويتيين وعلى عكس السائد أبدوا عدم رضاهم حيال التفاعل مع المعلمين وانتقدوا بشدة طرق تعليمهم.

في قطر الثقة مطلوبة

رغم أن الحكومة قد سعت إلى توسيع الخيارات المدرسية، فانها ركزت أكثر على مساهمات أولياء الأمور بدلا من الطلاب. وقالت نسبة كبيرة من الطلاب في قطر إنه ليس لها فعلياً أي مساهمة في القرارات التعليمية ndash; 40 في المئة مقارنة بنسبة عامة تبلغ 29 في المئة. وقد يتسبب هذا النقص في التأثير في حرمان الطلاب، إذ أبدى 21 في المئة منهم عدم ثقته في قادة التعليم لديهم.

بنية تحتية في السعودية

ويتضح من المسح أن طلبة المملكة العربية السعودية يريدون تحسين واقع التعليم في بلادهم، فقد نوهوا إلى نقص عام في المنشآت الأكاديمية والترفيهية. واشتكت نسبة من الطلاب بلغت 26 في المئة من عدم تأثيرها بأي شكل من الأشكال في الإصلاح المدرسي بشكل عام.
وقال حوالى 7 في المئة فقط من الطلاب السعوديين إنه يمكنهم الوصول إلى منشآت رياضية ذات جودة، مما قد يعكس واقع أن التعليم الرياضي ما زال يفتقر عند الفتيات في المدارس الحكومية. وهناك هاجس آخر للمملكة العربية السعودية يتمثل في مهارة المعلمين، إذ قال 43 في المئة فقط إن معلميهم quot;مدربين بشكل جيد جداًquot;. وتفترض النتائج أيضاً وجود نظرة عالية للمدارس الدولية.

وأعرب المجيبون في المملكة العربية السعودية غالباً عن ثقتهم الكاملة في قادة التعليم في بلدهم. والملفت أيضاً أن نسبة المجيبين في المملكة التي أعربت عن عدم ثقتها في قادة التعليم كانت هي أيضاً كبيرة، مما يعكس نوعاً من الاستقطاب في هذه المسألة. وقد تكون الاختلافات الكبيرة في النظرة بين طلاب المدارس الحكومية وطلاب المدارس الدولية أحد أسباب هذا الاستقطاب.

في الإمارات متفقون على الغرب

وينظر طلبة الإمارات للتعليم في بلادهم نظرة إيجابية بل يعتقدون أن نظامهم التعليمي متفوق على نظيره في الغرب، إذ قالت نسبة ملفتة تبلغ 57 في المئة منهم أن نظام تعليمهم أفضل بقليل أو بكثير من النظام المعتمد في البلدان الغربية. كما كان الطلاب الإماراتيون أكثر ميلاً للثقة بقادة التعليم، حيث أن 72 في المئة منهم يثقون بطريقة ما أو بصورة كاملة بقادتهم.

علاوة على ذلك، قال 22 في المئة من الطلاب إنه ليس لديهم أي تأثير في الإصلاح المدرسي.

وعلى نقيض البلدان الأخرى، يُنظر إلى المدارس الحكومية التابعة لوزارة التعليم في الإمارات العربية المتحدة نظرة إيجابية أكثر من المدارس الخاصة المحلية أو الدولية، لاسيما في ما يتعلق بالثقة العلائقية ومهارة المنهاج الثابت والبنية التحتية. وبالمقارنة مع بلدان خليجية أخرى، أبدت نسبة كبيرة من المجيبين المقيمين في الإمارات العربية المتحدة ndash; 18 في المئة ndash; رغبتها في نيل شهادة دكتوراه.