بعد حادث سبتمبر 2001 روجت حكومة إسرائيل بقيادة أرييل شارون بأنها والولايات المتحدة يقفان فوق ظهر قارب واحد ، وكان ذلك إيذاناً بتوسيع إطار حملة دعائية داخل أمريكا تركز علي أن quot; الحضارة اليهودية في الشرق الأوسط مُعرضة للإرهاب علي نفس المستوي الذي تعرضت له الحضارة المسيحية في أمريكا quot; ، وتلي ذلك توقيع الكثير من الاتفاقات والبروتوكولات التى منحت إسرائيل المشاركة بالتخطيط والتنفيذ في quot; حرب أمريكا ضد الارهاب العالمي quot; .. ومنذ اوليها المسئولية في مارس 2009 تروج حكومة إسرائيل الحالية برئاسة بينامين نتنياهو لحملة دعائية تتمحور حول quot; ضرورة التعاون والتنسيق لمنع إيران من بلوغ مطمع استكمال ملفها النووي ، لأن طهران لا تكتفي بأنكار تعرض اليهود لمحرقة النازية ، بل تهدد بإزالتها كلية من الوجود..


فشلت إدارة الرئيس باراك أوباما منذ منتصف العام الماضي في وضع أجندة شرق أوسطية تتمسك بأولية العمل علي حل قضية الصراع الإسرائيلي الفلسطينية ، يليه العمل علي وقف طموحات إيران النووية .. وها هي تجد نفسها بعد تجربة عام ونصف مضطرة ndash; كما تفيد التقارير ndash; إلي تقديم الحالة الإيرانية علي ما سواها تحت وطأة إنتخابات الكونجرس النصفية في شهر نوفمبر القادم ، التى تتنبأ إستطلاعات الرأي أن تأتي بأكثرية جمهورية من شأنها أن تؤثر علي سياسات البيت الأبيض في المنطقة بشكل مباشر ..
تنبؤات المراقبين بنيت علي أمرين.


الأول .. أن الدعوة التى وجهت لرئيس الوزراء الاسرائيلي ( حملها إليه يوم 26 مايو رام إيمانويل رئيس طاقم موظفي البيت الأبيض الذي كان في زيارة لإسرائيل للإحتفال بتعميد ابنته ) لم تكن متوقعة ، بعد أن تعمد هو وأعضاء المجلس الوزارء المصغر وضع سلسلة من المعوقات في طريق التسوية التى يحمل مسئوليتها الأمريكي جورج متشيل منذ عدة أسابيع والذي قيل له اكثر من مرة ان نجاحه السابق علي مستوى ملف المشكلة الأيرلندية لا يُسوغ له النجاح في الشرق الاوسط.


الثاني .. أن بعض المحللين ربط بين هذه الدعوة المفاجئة والإجتماع الذي ضم الرئيس الأمريكي ndash; الأسبوع الماضي ndash; ورابطة اليهود الديموقراطيون بالكونجرس ، حيث صرح لهم كما تناقلت وسائل الإعلام أنه quot; إرتكب بعض الأخطاء حين إقتحم حقل ألغام الشرق الأوسط دون تروي ، مما افقده بعض اصابعه quot; الأمر الذي توقع بعضهم في ضوء ان يسعي البيت الأبيض إلي تنقية الاجواء بينه وبين نتنياهو..


من هنا تتوقع صحيفة الديلي تلجراف ( 27 مايو ) أن تبين هذه الزيارة عن قدر اكبر من الصداقة لنتياهو الذي ربما ndash; في رأيها - لم يكن ليقبل الدعوة لو لم يوافق الكونجرس علي توصية الرئيس أوباما بدعم نظام الدفاع الصاروخي لإسرائيل بـ 205 مليون دولار quot; ضد الصواريخ قصيرة المدي التى تهددها من قطاع غزة والجنوب اللبناني quot; التى تؤكد تقارير أجهزته الأمنية انها مدعومة من إيران مادياً ومعنوياً..
نتنياهو في حقيقة الأمر لن يتنازل عن تشدده الذي أتي به إلي مقعد رئيس وزراء إسرائيل ، فهو رغم دعايته الإنتخابية التى بلغت قمتها في شهر فبراير 2009 وقوله للفلسطينين quot; ستجدونني أكبر صديق لديه استعداد صادق لدفع عملية السلام quot; ووعده لهم بالمساهمة في تغيير واقعهم الإقتصادي لأجل quot; تحسين أوضاعهم المعيشية quot; ، إلا أنه حرص طوال عام ونصف منذ توليه المسئولية علي.


-رهن مخططه وبرنامجه السياسي ، كما لو كان يجلس علي طاولة داخل كازينو للقمار .. فمنذ بدأ في تشكيل حكومته ndash; الأكبر في تاريخ إسرائيل ndash; وهو حريص علي الغموض والضبابية ، مما جعل أقواله نهباً للتفسيرات والتأويلات دون أن يكلف نفسه او مكتبه مشقة قول ما يعنيه علي وجه الدقة ..
-تحويل جلسات المجلس الوزاري المصغر والكبير إلي نادي للنقاش يساهم في زيادة الأنشقاقات الحزبية المفتعلة التى تؤخر الحسم علي مستوي القضايات الإستراتيجية ذات الحساسية الخاصة إلي أجل غير محدد ..


-نادي النقاش هذا ، نجح إلي حد كبير في التشويش علي كل المبادرات السياسية التى سعت لوضع أطار عمل ملزم لتنفيذ خارطة الطريق ومن ثم قيام دولة فلسطينية مما جعل شالوم يروشالمي يتوقع في صحيفة معاريف ( 8 مايو 2009 ) ان ثير سياسات نتنياهو الكثير من اللغط quot; دون أن يحقق أي شئ في مصلحة الشعب الإسرائيلي quot; ..
-التركيز علي أن الشعب الإسرائيلي لن يسمح لكائناً من كان أن يفتح الباب لقيام دولة أرهاب في ( يهودا والسامرة ) الضفة الغربية ، ومن هنا كرر هو وأقطاب حكومته رفضهم التام لدعوة تجميد البناء في المستوطنات لمدة عشرة أشهر فقط والتى طرحها الإدارة الأمريكية quot; لتوفير جو من حسن النوايا quot; ..
-التمسك بأولوية التعامل بجدية مع الملف النووي الإيراني لأنه مصدر التهديد المباشر لوجود إسرائيل وللمصالح الأمريكية معا ، ورفض كافة الدعاوي الأمريكية التى تؤكد أن وضع برنامج لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطينى هو المقدمة المنطقية والعملية quot; لوضع نهاية لمعظم الصراعات في الشرق الأوسط quot; ..
-الإصرار في كل مناسبة علي أن السلام الإقتصادي الفلسطينى المتدرج ndash; الذي يتبناه نتنياهو بشكل شخصي ndash; سيساهم بشكل إيجابي في إزدهار المجتمع وسيساعد السلطة بقيادة أبو مازن علي فرض حلولها السلمية المتوائمة مع أفكار اليمين الإسرائيلي الحاكم ..


-مواصلة التنسيق الأمني مع قيادة حماس في غزة ، لأجل توفير نسبة عالية مضمونة من الهدوء ولو علي حساب ملف الجندي الأسير جلعاد شليط ، مع أخذ المبادرة لشن هجمات بالطيران علي شمال القطاع وجنوبه كلما دعت الحاجة ..
قبل أن يشكل نتنياهو حكومته هذه ، لخصت صحيفة الفينانشيال تايمز اللندنية ( 10 فبراير 2009 ) الاشكالية التى بلغتها إسرائيل فيما يلي ..
أ - أنها أصبحت تفتقر لزعامة حقيقة يمكنها أن تتعامل مع الإدارة الأمريكية الجديدة ..
ب - فقدان الثقة بين المجتمع الإسرائيلي وحكومته لسنوات طوال سيفرز حكومة غير قادرة علي quot; جلب السلام له quot; ..
ج - المشهد السياسي تحول quot; إلي فسيفساء بلقانية شديدة التعقيد quot; ..
وتوقعت بناء علي ذلك أن يأتي زعيم الليكود نتنياهو علي رأسها وهذا يعني من وجهة نظر الصحيفة وقوعها ndash; إسرائيل ndash; في شباك التحدث إلي نفسها ..
سيذهب نتنياهو إلي واشنطن بعد أن يكون قد ألقي كلمة ( 27 مايو ) في باريس أمام مندوبي الدول أعضاء منظمة التعاون والتنمية الإقتصادية OECD ( أنشأت عام 1961 كذراع لمنظمة التعاون الإقتصادي الأوربي التى تأسست عام 1948 ) بمناسبة إنضام إسرائيل لعضويتها بعد صراع طويل مع لائحة المنظمة الداخلية ، وبعد ان يكون قد زار كندا لتشجيع الإستثمار والمشاريع المشتركة بين البلدين .. الأمر الذي سيوفر له الوقت والوسيلة لكي يواصل بث رسائله المتشددة علي موجة المواجهة مع الرئيس الأمريكي وإدارته مذكراً أنه غير قابل للتغير وغير قابل لتقديم تنازلات ..


وسينتهز كلا المناسبتين ليؤكد مرة أخري ndash; كما فعل منذ نحو ثلاثة أسابيع ndash; أن علي من يري أن موقفه هذا يمثل ضرراً بشكل أو بآخر حيال مصالحه quot; أن يلتفت إلي جبهته الداخلية quot; وهو هنا يعني باراك أوباما بشكل مباشر..
لذلك نتوقع أن يتشدد هذه المرة أيضا فيما يتعلق بملف إيران النووي خاصة بعد ممناعة واشنطن في قبول اتفاق طهران الثلاثي لمبادلة اليورانيوم عبر تركيا وخلافها العلني الأخير مع موسكو ، بإعتباره لا زال يمثل أهمية قصوي بالقياس لكل الملفات العالقة في المنطقة .. متمسكاً بأن ذلك لا يجب أن يمثل تعارضاً مع الأهداف الأمريكية ، بل من المفترض أن يحتل أعلي مستويات التحاور ومن ثم التنسيق بين الدولتين الحليفتين.


bull;استشاري إعلامي مقيم في بريطانيا [email protected]