ذات يوم عندما كنت مسؤولا عن تحرير إحدى المجلات المحلية أردت أن اكتب استذكارا للشهداء الذين يسقطون على أيدي الإرهاب فكانت رغبتي أن أعمم استذكاري على الشهداء جميعا ثم أعرج على ذكر استشهاد احد الأشخاص المعروفين من اجل إبراز فضائع الإرهاب وتبيان آثامه وإظهار أن هؤلاء جميعا متساوون في المنزلة الإنسانية مثلما هم متساوون في حالة الموت و حتى يدرك الناس الخطر الذي يواجهون فكتبت استذكاري - إذا لم تخني الذاكرة - بالشكل التالي quot; نستذكر بألم بالغ سقوط العشرات من الضحايا من بينهم ( فلان ) بيد الإرهاب المجرم الذي يريد أن يدمر قيمنا ويحطم آمالنا... quot; ولما أرسلت النص إلى الطبع تفاجات بكتابة نص يختلف جذريا عما أرسلت حيث جاء النص بالشكل التالي quot; نستذكر بألم بالغ استشهاد ( فلان مع عبارات التضخيم طبعا ) الذي سقط على أيدي الإرهاب المجرم مع كوكبة من الشهداء... quot; فأثارني ذلك كثيرا ولمت صاحب الطابعة على هذا التدخل السافر في شؤون التحرير وبالطبع حاولت أن أتجاهل ذكر سبب انزعاجي حتى لا ادخل في جدال لا طائل من وراءه فهذا الرجل هو جزء من حضارة لا تريد أن تعترف بان للبشر حقوق متساوية و لا فرق بين شخص وآخر إلا بالعمل والفائدة حيث نجح الغرب ومنذ وقت طويل في تجاوز هذه المعادلة العنصرية التي تجعل التمييز حقيقة مطلقة وقدم لنا مثالا ناصعا على احترام الإنسان لأخيه الإنسان من خلال ألوان التعاون والتلاحم التي يحفل بها المجتمع الغربي أما في الشرق فلم يقتصر التمييز على الأحياء تبعا لأصولهم وألوانهم ولغاتهم وأديانهم... الخ وحسب بل شمل أيضا الأموات حيث نجد ذلك واضحا من خلال ما نلاحظه من فروق في إجراءات الدفن والتشييع والاستذكار بين شخص وآخر وكأننا مصرون على التمييز بين البشر حتى بعد موتهم.


لقد وقف ذات يوم شاعر سومري قرب إحدى المقابر ليصدح متحديا من يسمعه quot; انظروا إلى جماجم الأولين والآخرين هل يمكنكم التمييز بين من منهم الغني ومن منهم الفقير؟ quot; فميزوا ما استطعتم فلن تستطيعوا أن تتلافوا ذلك المصير الذي لا يفرق بين شخص وآخر.