يا ترى ماذا حل بالعروبة؟ ( بهذه الصيغة تصورت السؤال الذي وجهته السيدة الدكتورة نجاح العطار نائب رئيس جمهورية العربية السورية) السؤال مطلوب الإجابة عليه وبالسرعة الممكنة، فلمن يجد العروبة الإتيان بخبرها وله من الدكتورة جائزة ووسام.

العروبة كانت حركة أيديولوجية، ترمي لتوحيد العرب من المحيط إلى الخليج، وتعمل من أجل استقلال ورفع شان العرب في المجال الدولي وتحقيق المكان اللائق بها أو هذا ما فهمناه حسب منظور رواد العروبة، وهي أهداف لا يمكننا أن نعترض عليها، فما مطروح هو حق إنساني طبيعي لأي شعب أو أمة. ولكن!
نعم ولكن ما الذي حققته العروبة للمنتمين إليها ولمن جاورها ولمن عايشها؟ أن الإجابة على هذا السؤال المكون من الأسئلة سترينا أين هي العروبة، أو بالأحرى إلى أين وصلت وأوصلت الآخرين في مسيرتها.

العروبة في مسيرتها، لم تكتفي بالعمل من أجل العرب كما ادعت، بل عملت كل جهدها من أجل الآخرين أيضا فقد عملت كل جهدها من أجل تعريب كل من كان يعيش معها بالجوار، وبدلا من التعايش والتعاون والتعاضد لبناء الأوطان، عملت من أجل صهر كل المكونات الغير العربية (الكورد، الآشوريين، القبط، الامازيغ، الأفارقة)، وبدلا من أن تحترم ثقافة هذه المكونات وتساعدهم على التعايش مع العروبة والارتقاء بمفاهيمهم والقدرة على العمل من أجل الوطن المشترك أو الأوطان المشتركة. عملت العروبة من خلال الدول التي تمكنت من أن تسيطر عليها أيدولوجيا وهي أغلب الدول العربية، إلى صهر هذه المكونات ورفض أي تمايز لها واعتبار كل من يظهر أو يبين الانتماء القومي أو التمايز عميلا وخائنا يستحق أقسى العقاب. العروبة بدلا من أن تعمل لأجل بناء الأوطان وتطوير الشعوب، عملت من أجل استخدام كل الموارد في تحقيق أحلام الأيدولوجية في محاربة الأعداء الوهميون فأعداء العروبة لم يكونوا في إيران وتركيا وفي الداخل، بل امتدوا إلى كل بقاع العالم، وإن لم تصدقوني فاسألوا الجيش الأحمر الياباني والمورو في فليبين، وفي الهند وتشاد وتنزانيا وكينيا وأثيوبيا وألبانيا وكوسوفو وبوسنيا والشيشان. أي نعم لبست أحيانا اللباس الإسلامي، ولكن ألم يكن هذا اللباس من إنتاج العروبة بامتياز.

العروبة لم يقبل روادها، أن تكون حركة نهضوية، بل حركة عسكرية سياسية توسعية، فأحلامها لم تبقى محصورة في النهضة ودرء الاستعمار، بل إن كل من عايش فترة الشعارات العربية أحس بأنها تريد مد يدها لإعادة الأندلس. أي لتحل محل الاستعمار، وتعيد ما استعمرته سابقا كملك خاص بها. إنها حركة افترضت في نفسها إمكانيات وقدرات أكبر بكثير مما ما تمتلك، ليس هذا، بل إن الحركة القومية العربية، (العروبة) لم تقم ببناء أي شيء لكي تستقوي العروبة، فما كان موجود من الحريات تم اختزالها بحجة كل الجهد لمحاربة الاستعمار وربيبته إسرائيل، وعمليات التنمية تم إيقافها بحجة أن كل شيء من أجل المعركة. وبدلا من خوض معركة واحدة خاضت العروبة معاركها الأهم في الداخل، فمعركة الوحدة ومن ثم الانفصال، ومعركة الأردن (أيلول الأسود)، ومعركة لبنان ومعارك العراق مع إيران والكويت، ومعارك ليبيا مع تشاد، ومعارك الجزائر والمغرب، ومعركة الجهاد السوداني ضد الجنوب، ومعركة الإبادة الجماعية لنظام صدام ضد الكورد والآشوريين والشيعة. هذه كانت أهم معارك العروبة، وهي معارك خاسرة بامتياز، لم تكن فقط خاسرة بالنتائج الواضح، ولكنها كانت خاسرة بكل ما في المعنى من كلمة، فهذه المعارك نخرت في جسد العروبة نخرا، وحولتها من محاربة لاتفاقيات سايكس بيكو ونتائجها، إلى المحاربة لأجل الاحتفاظ بما نتج عن هذه الاتفاقيات، أنه حقا لمأزق كبير واي مأزق. ولكن من الملاحظ أن على العروبة ولكي تستقيم مع نفسها ومع ما تمتلكه من قوة وقدرات أن تتنازل أكثر بكثير، أن تنزل من علياءها وتعترف بجرائمها ضد الآخرين، ومن المؤسف أن يدفع الجميع ثمن جرائم العروبة مع الجيران ومع مكونات الداخل. واليوم تتأسف السيدة العطار على العروبة، وكأنها مرحلة الإنجازات والاكتشافات، وبعد أن عرف القاصي والداني ما عملت العروبة وروادها بالشعوب التي تبنتها، تعود السيدة نائب رئيس الجمهورية العربية السورية لمحاولة إعادة الحياة للميت. هل سألت السيدة نجاح العطار نفسها سؤال واحد فقط، ألا وهو بأي حق تفرض العروبة ذاتها على الآشوري والكردي السوري، وترغمهم على القبول بالتسمية أو الكنية المفروضة (عربي سوري)، أما كان الأولى بها أن تعترف بالجرائم التي اقترفت تحت لافتة العروبة، وبعد ذلك تترحم عليها؟

العروبة وهي صنو الإسلاموية، شجعت على زيادة السكان، واليوم فإن الدول العربية تستجدي من أجل إشباع البطون الجائعة،التي لا يكفيها إنتاج البلد، لأنها كانت تعمل وعلنا من أجل أن يكون لها جيش تهدد به العالم، ولكنه تحول إلى نقمة على الدول وعلي قرارها، إذا حتى في ما أفلحتم به وهو مضاعفة السكان، كان ذلك وبالا على الأوطان وعلي مستقبلها. والعروبة تحاول معالجة مشاكلها واستمرار بقاء أنظمتها بالتهديد بان من سيخلفها سيكون معاديا للغرب، أنه الإسلام السياسي، أنها لعبة قد تنطلي على البعض، ولكنها لم تعد تفيد، فالغرب بات يعتقد أنه لو تعامل مع الإسلام السياسي مباشرة وليس القبول بمن يهدد به ويعمل على تمشية برامجه وبخطوات أكثر تزمتا. وعليه فإن الإسلام السياسي المهيئ ليخلف العروبة سيكون أكثر طواعية للغرب لأنه لن يتمكن من تهديده بالليبرالية بالتأكيد، وان كانت الليبرالية تؤدي إلى الاستقلالية والحرية أكثر من الحركتين السابقتين، أي العروبة والإسلاموية.

لم تتمكن العروبة من أن تجعل ذاتها حركة وطنية، تحمل هموم المواطن الأصلية، وهي التطور الاقتصادي والحريات الفردية وحقوق المكونات أو الأقليات. ولذا فالعروبة رحلت غير مأسوف عليها، ولكن الأهم اليوم هو ألا يأتي من يخلفها وهو يقلدها بكل ما عملت ولكن بتسميات أخرى. إن الإسلاموية والتي بدأت تطل بعنقها لتحل محل العروبة بعد هزيمة 1967، ليست بأفضل من العروبة، لأنها تحمل نفس الأدوات والطموحات، فطموحات الإسلاموية ليست المواطن وإمكانياته وحرياته، بل هي كيف يمكن استعباد الأمم الأخرى واستيعابها في الإسلام. وإذا كان هناك نوع من التطور في الإسلام التركي، إلا أنه سيبقى الشاذ عن القاعدة، والعامل بالواقعية وليس بالطموح.

إن الدول المسماة عربية وبخاصة العراق وسوريا والأردن ولبنان، هما دول قريبة لبعضها البعض، من نواحي كثيرة، ولشعوبها ماضي حضاري كبيرة، وفي أراضيها تختزن ثروات كثيرة، وكان الاستعمار قد عمل لكي تستفيد كل هذه الدول من ثروات بعضها البعض، وأليست خطوط أنابيب النفط أحد مبادرات الاستفادة هذه؟ ولكن ما أن استولت العروبة أو العروبات المتحاربة على هذه البلدان، حتى كان أولى ضحاياها هو الارتباط الاقتصادي، والاستفادة المشتركة. إذا لنقر أن الاستعمار كان على دراية أفضل بحاجات هذه الشعوب، وعمل من أجل تكاملها وبالتالي خلق منها كتلة اقتصادية لها مصالح متبادلة كثيرة، مما كان سيخدم في خلق صوت شعبي موحد، ولكن شكرا للعروبة، لأنها ليس لم تعترف بالحدود القائمة من زمن الاستعمار، بل عملت من أجل تسوير وتسييج الحدود هذه!!! وهل شاهدتم عروبة أفضل من هذه؟

عودوا إلى أوطانكم ومصالحها، ولا تجيروها إلى الأيدولوجيات، فأوطانكم أو أوطاننا غنية وكبيرة ومهمة أكثر بلا عروبة، ولا تعتقدوا أنكم بقادرين على بعث الحياة في ميت.