اثبتت الاحداث ان نظام الحكم باسم الدولة الاسلامية الاحادية المذهب في ايران مصمم على وضع الخناق باستمرار على السلام القائم في دول الخليج والعراق، وهذا السلوك الموصوف بمحور الشر على لسان الرئيس الامريكي السابق جورج بوش لم يأتي من فراغ بل عن تقييم موضوعي سياسي وعسكري وامني عن النظام السياسي الايراني.
وهذا ليس بغريب عن سلوكيات الحكم الايراني لان التاريخ الممتد لاكثر من ثلاثة عقود شهدت حروب طويلة وكوارث ومأساة بفعل السياسة العدوانية للنظام السياسي في طهران نتيجة اسباب واهداف مرتبطة به، اهمها تصدير الثورة وتوسيع منطقة نفوذها وزرع اذرع لها في بقاع العالم الاسلامي لنشر التشيع السياسي واحتلال الاراضي لدول مجاورة كالعراق ودولة الامارات وفرض سياسة شرطي الاقليم عسكريا وكأن المنطقة بدأت تشهد من جديد سياسة الدولة المستعمرة الشريرة التي تريد ان تضع دول الاقليم تحت ابطها.
والسياسة التوسعية لايران على ارض الواقع، اقليميا وقاريا، خلقت لنفسها كيانات واحزاب وجماعات تابعة لها، وكسبت انظمة حكم في دول معينة تسير على خطاها، من خلال فرضيات سياسية مذهبية واغراءات ومنح مالية ومساعدات وخدمات عسكرية وامنية ولوجستية.
وهذه السياسة لايران فرضت واقعا حقيقيا محسوسا به في منطقة الشرق الاوسط، واقع مفروض ومرسوم ومبرمج له بدقة على مسار مناطق معينة ومحددة، وهو الواقع الموصوف بالهلال الشيعي من قبل ملك الاردن عبدالله الثاني الممتد من ايران والعراق وسوريا وجنوب لبنان.
ولا ينكر بعد سقوط نظام صنم الاستبداد من قبل الولايات المتحدة في عام الفين وثلاثة، والسنوات التي تلتها، صار العراق ضيعة لايران، تقوم طهران بدور اللاعب الرئيسي في ملعب السياسة العراقية بعلم واقرار امريكي بفعل الامر الواقع، وصار للتدخل الايراني أثر بارز على تحديد سياسة وقرارات بعض الاحزاب الرئيسية والجماعات العراقية المرتبطة بولائها لطهران واعتباره مرجعا مذهبيا وممولا ماليا وعسكريا لها.
والمعلوم ان التدخل الايراني لم ينحصر فقط بالجانب السياسي وانما امتد الى الجوانب الاخرى في الحياة العراقية، الاقتصادية والتجارية والامنية والثقافية والدينية وغيرها، واصبح له حضور دائم على شكل شركات ومكاتب وتجمعات بمسميات متعددة، وللعديد منها صار له سيطرة مطلقة على مستوى العراق، منها على سبيل المثال سوق الادوية التي تسيطر عليها شركة يديرها مقربون من رئيس الوزراء نوري المالكي، ومثلها تجارة المواد الغذائية واستيراد المواد الانشائية من ايران والسياحة والزيارات الدينية وغيرها.
وفوق كل هذا الحضور الايراني البارز والفعال في الواقع العراقي، وقطف مكاسب ومنافع سياسية وتجارية ومالية وحتى نفطية منه، واحتساب العراق ضمن العمق الاستراتيجي لايران، فان نظام الحكم في طهران يبقى بين فترة واخرى يكشر عن انيابه البغيضة وانفاسه الكريهة تجاه العراقيين، ويطالبهم بدفع تعويضات الحرب الايرانية العراقية التي اقترفهما نظام ولاية الفقيه ونظام الحكم البائد في بغداد، وتسببا لشعوب البلدين خسائر بشرية بالملايين ومادية بمئات المليارات من الدولارات.
ومن هذه المطالبات، طلب عضو لجنة السياسة الخارجية بمجلس الشورى الاسلامي الايراني بحسب وكالة مهر الايرانية من وزارة خارجية بلاده بمتابعة اخذ تعويضات حربها مع العراق في ثمانينيات القرن الماضي التي قال انها تبلغ الف مليار دولار، وتفعيل هذا الملف مع الامم المتحدة باعتباره حقا مشروعا للشعب الايراني، وسبق ان اطلق نفس هذه الدعوة من مسؤولين ايرانيين مرات عديدة في فترات سابقة على مدى السنوات الماضية.
ولا شك ان هذه الدعوة الجديدة والدعوات السابقة لطلب تعويضات الحرب من العراق، تدل على ان مرجعية النظام السياسي في ايران تحمل نية مسبقة وتحمل طابع الجدية في هذه المسألة، وهي تفكر بها على الدوام منذ انتهاء الحرب، وتبدو انها موضوعة في برنامج العمل السياسي للمرجعية الايرانية لاستغلالها كورقة ضغط على العراق باستمرار واستخدامها في الوقت والظرف المناسبين.
واستنادا الى هذه الحقائق المرة، وبالرغم من قناعة اغلب القادة السياسيين العراقيين بالسلم ونبذ الحرب، رغم اتصاف الجميع منهم بالفساد والبعض منهم بالطائفية اوالعنصرية المقيتة المرتبطة بالعروبة النافقة، الا ان مسألة الحفاظ على المصالح العليا للعراق، تبقى الالتزام بها سياسيا، مطلبا عراقيا وطنيا، للوقوف ضد الاطماع الايرانية في العراق.
وبغية قطع الطريق امام السلطة الايرانية وترويضها، اقليميا ودوليا، لابعاده عن الحاق العراق والمنطقة بحرب جنونية كارثية، واتخاذ خطوات استراتيجية لحماية بلاد النهرين على مدى المنظور المستقبلي، ومن باب الاستناد الى المنطق السياسي في التفكير السليم، فان الحكمة تسترعي حكومة الدولة العراقية، لضمان للحاضر والمستقبل، القيام بالاجراءات التالية:
اولا: الطلب من مجلس الامن، وبالتعاون مع الدول الكبرى، اصدار قرار دولي ملزم باسقاط حق ايران في طلب التعويض من العراق باي شكل من الاشكال، ما دام العراق تحت وصاية البند السابع لميثاق الامم المتحدة.
ثانيا: ابرام اتفاقية بعيدة المدى لا تقل عن ربع قرن بين الحكومتين العراقية والامريكية للبقاء على الحماية الامريكية على الاموال العراقية، لسد الابواب على ايران وعلى كل دولة او شركة او جهة تضررت من المغامرات العسكرية لنظام صدام حسين الذي الحق ضررا جسيما بالعراقيين بشريا وماديا.
ثالثا: التشديد على الدول العربية التي لها ديون على العراق واجبارها على الغائها، وعلى العكس مطالبة هذه الدول بتعويض العراقيين وفق مقتضيات القانون الدولي، بسبب مساندتهم ومشاركتهم للنظام البائد في قمع واضطهاد شعوب الامة العراقية.
رابعا: مشاركة القلق الدولي والاقليمي بشأن البرنامج النووي والتوجه العسكري الخارج عن الاحتياجات الامنية لايران، وبيان خطورتهما على امن العراق والمنطقة، والمساهمة في الجهود الدولية للضغط على حكومة ايران لوقف نشاطها بهذا الاتجاه.
وخلاصة القول، ان الوقت قد حان للعراقيين، سياسيا واستراتيجيا، التفكير الجدي في الاضرار الناتجة من التدخل الايراني في الشؤون العراقية، والبحث بجدية في الخطورة الكامنة، حاضرا ومستقبلا، للنيات والبرامج السياسية المخفية للسطلة السياسية والدينية لنظام الحكم الايراني، وخير امثال نختم بها هذا الكلام هو quot;الاناء ينضح بما يحويه والطيور على اشكالها تقع واللبيب تكفيه الاشارةquot;.
* رئيس تحرير مجلة بغداد
التعليقات