لم تكن مصرquot;حكومة و شعباquot; في يوم من الايام تتمنى أي تغيير سياسي جذري يصب في صالح الصراع العربي الصهيوني، وكانت سباقة دوما الى إرساء أسس علاقات متينة و راسخة مع مختلف الاطراف المؤيدة للحق العربي خصوصا تلك التي تتبنى نهجا جديدا او تشهد تحولا في سياساتها ازاء الدولة اللقيطة. ولم تكن السودان أيضا في يوم من الايام بمعزل او بعيدة عن الصراع التأريخي و المصيري مع الكيان الغاصب للقدس الشريفة، بل وكانت أيضا لها مواقف مشرفة و بناءة من هذه القضية المهمة جدا بالنسبة لكل عربي و مسلم، ولذلك فقد كانت هي الاخرىquot;حكومة و شعباquot;، تمنح أهمية خاصة لكل دولة تتبنى سياسة مؤيدة للحق العربي في فلسطين.
التحول الثوري المثير للجدل الذي حدث في إيران في 11 شباط عام 1979، والذي إنتهى بسقوط عرش الشاه و نهاية في بداية أمره مورد ترحيبquot;رسمي و شعبيquot; غير عادي في عموم الدول العربية بشكل عام و في مصر و السودان بشكل خاص، وكانت هاتان الدولتان من الدول التي بادرت الى الترحيب بالتغيير الحاصل، وكانت لها قناعات بأن التغيير المذكور سيصب في نهاية أمره في صالح العرب، لكن التغييرات الدراماتيكية التي حصلت داخل إيران بين الاجنحة المشاركة في الثورة و التي للأسف أسفرت عن إستيلاء الجناح الديني المتشدد بزعامة خميني وإقصاء أصحاب الثورة الحقيقيين الى حين من الساحة السياسية في طهران، كانت المفاجأة غير المتوقعة من جانب مختلف الاطراف السياسية العربية هي السياسة التي تبناها هذا الجناح المتشدد ولاسيما بعد قيامه بالدعوة لمبدأ ولاية الفقيه، والاهم من ذلك هو ذلك النهج التصعيدي المتشدد الذي قامت بإتباعه و ممارسته ازاء دول المنطقة بشكل عام و العربية منها بشكل خاص، وعلى الرغم من أن الدول العربية قد كانت دوما تسعى لإحتواء موقف هذا النظام و السعي لإقامة علاقات متوازنة معه تحفظ لشعبي الدولتين مصالحهما و حقوقهما، لكن هذا النظام كان و مافتأ يفسر سلوك أي سياسة لينة او مرنة معهمن جانب الدول الاخرى بشكل عام و العربية بصورة خاصة، على أنه نوع من الضعف و التوجس ومن هنا فإنها يبادر دوما للسعي لممارسة المزيد من الضغوط المتباينة أملا في المزيد من إبتزاز هذه الدول و جرها الى صراعات جانبية ثانوية لاتخدم المصالح الاستراتيجية لأي من الشعبين(العربي و الايراني).
ولأن مصر كانت و الاتزال تمثل رقما مهما و صعبا في المشهد العربي، ولأن السودان تمثل أيضا عمقا استراتيجيا للعرب في افريقيا و تعتبر مؤثرة بشكل فعال في أية معادلات سياسية او عسكرية او أمنية متعلقة بالعرب، فإن نظام ولاية الفقيه قد بادر الى إنتهاج سياسة خاصة بصددهما وكانت هذه السياسة تعتمد بشكل او بآخر على التعرض للأمن الاجتماعي لهذين البلدين و إشغالهما بصورة تدفعهما للوقوف بصورة متفرج عادي أمام أي صراع او مواجهة قد تحدث بينه و بين أية دولة عربية أخرى، وقد يتصور البعض أن النظام الايراني مختص بإثارة النعرات الطائفية(من حيث السعي لإثارة الشيعة العرب ضد أنظمة بلدانهم)، لكنه في الواقع ضليع و متمرس في إثارة مختلف أنواع القلاقل و الفتن، ومن هذا المنطلق، فإن اوساط سياسية و استخبارية مطلعة في كل من بروكسل و فينا، ترى أن هناك ثمة علاقة قوية جدا بين التصعيد الحاصل في مصر و السودان على صعيد قضيتي الاقباط و الجنوب، إذ تؤكد هذه الاوساط بأن نظام ولاية الفقيه و عبر بوابات و منافذ عديدة سعى و يسعى لتذكية و تسخين الموقف في هذين البلدين، وأن وصوله الى اليمن و منطقة القرن الافريقي(كما تضيف هذه الاوساط)، هو بحد ذاته رسالة او إشارة ذات مغزى لكلا الدولتين.
لكن، السعي المحموم لنظام ولاية الفقيه لم يتوقف عند هذا الحد، وانما بادر و بطريقة خبيثة الى التلاعب بالامن و التوازن الاجتماعي القائم في كلا البلدين من خلال السعي لنشر التشيع(السياسي)الخاضع لفكرهم و توجهاتهم الخاصة، وللأسف فإن هذا السعي لأسباب متباينة قد لقي نوعا من القبول بصورة لم تخف اوساطا أقليمية و دولية تخوفها من الآفاق المستقبلية المحتملة لهذه العملية المشبوهة، ولاسيما وان وسائل الاعلام قد تناقلت تقارير مسهبة عن ذلك، واننا كمرجعية سياسية للشيعة العرب، في الوقت الذي نكن فيه أقصى درجات الاحترام و التقدير لأبناء الطوائف الاخرى المشاركة في تشكيل النسيج الاجتماعي للامة العربية، فإننا لانرى هناك أية فائدة ترجى من السعي للتلاعب بالامن و التوازن الاجتماعي القائم ليس في مصر و السودان، وانما في معظم اقطار الوطن العربي بل وانها تشكل مسا بخط احمر هو في الواقع من الخطوط المهمة للأمن القومي العربي، واننا نعلن وقوفنا الكامل بكل إمكانياتنا خلف هاتين الدولتين حتى يبترا يد العبث و التخريب و المؤامرة لنظام ولاية الفقيه و نحث الاجهزة الامنية لكي تكون على درجة أكبر من الاستعداد و الجهوزية لمواجهة مخططات و ألاعيب هذا النظام.